الوقت- آلاف من الأكراد، احتشدوا في تركيا الأحد الفائت، للمطالبة بالإفراج عن زعيم حزب العمال الكردستاني في ذكرى مرور 16 عاماً على اعتقاله. وكما في كل مرة، تطورت المظاهرات الى أعمال عنفٍ واشتباكات.
في سياق ما جرى، يعتبر الأكراد في تركيا، طبقة مضطهدةً على الدوام. فما هي وقائع الأحداث الأخيرة في تركيا، والتي تتعلق بالمظاهرات التي حصلت؟ وكيف أنها تعتبر رد فعلٍ طبيعي، على سياسة الإضطهاد التركي بحق الأكراد؟
أولاً: في الذكرى 16 على اعتقاله، آلاف الأكراد يحتشدون في المدن والقرى التركية:
عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، اعتقلته السلطات التركية يوم 15 فبراير/شباط 1999 في عملية استخباراتية في كينيا. وتلقى حكماً بالإعدام في أبريل/نيسان 1999 بصفته زعيما "لمنظمة إرهابية"، لكن عقوبته خفضت إلى السجن مدى الحياة عام 2002 بعد إلغاء عقوبة الإعدام، وما زال يقضي عقوبته في سجن جزيرة إمرالي. ومنذ أواخر 2012، يُجري أوجلان مفاوضات مع السلطات التركية لإنهاء النزاع الكردي الذي أسفر عن مقتل أكثر من 45 ألفا منذ اندلاعه عام 1984، حيث أعلن حزب العمال آنذاك وقفا لإطلاق النار وسحب مسلحيه من تركيا إلى قواعده في إقليم كردستان العراق.
في ذكرى اعتقال زعيمهم، احتشد آلاف الأكراد الأحد الفائت، في مدن وقرى تركية عدة للمطالبة بالإفراج عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وتدخلت الشرطة لتفريق بعض المظاهرات التي تطورت إلى أعمال عنف واشتباكات. وأظهرت صور لوكالات الأنباء احتشاد آلاف المتظاهرين في العاصمة أنقرة حاملين صور أوجلان ورايات وشعارات حزب العمال، حيث طالبوا بإطلاق سراح زعيمهم.
وأغلق محتجون في ولاية هكاري (جنوب شرق) الطريق الواصل بين بلدتي يوكسك أوفا وشمدينلي، ونصبوا حواجز أضرموا النار بقربها، بينما استخدمت قوات الأمن خراطيم المياه والغاز المدمع لتفريقهم، كما ألقى بعض المتظاهرين زجاجات حارقة ومفرقعات على الشرطة، في حين أغلقت كثير من المتاجر أبوابها في يوكسك أوفا خشية الشغب.
وفي بلدة سوروج بولاية شانلي أورفة، أغلق المتظاهرون بعض الطرق مستخدمين حاويات القمامة والحجارة والإطارات، وألقوا الحجارة على رجال الأمن الذين أطلقوا قنابل الغاز المدمع لتفريقهم واعتقلوا بعض المحتجين. وفي ولاية غازي عنتاب (جنوب)، أغلق المتظاهرون بعض الطرق وألقوا مواد متفجرة وزجاجات حارقة على الشرطة، حيث تدخلت الأخيرة لتفريقهم باستخدام خراطيم المياه والغاز المدمع. كما شهدت ولايات ديار بكر وباطمان وبنغول وماردين وسيعرت وشرناق احتجاجات مماثلة، ولقيت تدخلا من قبل قوات الأمن. كما وقعت اشتباكات ليل الأحد الفائت، بين متظاهرين والشرطة في مدينة سيزر (جنوب شرق)، وكذلك في شوارع ديار بكر التي تعد المدينة الرئيسية في تركيا للوجود الكردي.
وكانت قد أعلنت جمعية "المجتمعات في كردستان" المرتبطة بحزب العمال في بيان لها "إن نضال كردستان من أجل الحرية سيهدف من الآن فصاعدا إلى حرية الزعيم آبو (أوجلان)، وسنصعد النضال من أجل حرية كردستان".
ثانياً: قراءة في واقع الإضطهاد التركي للأكراد:
من بين الأقليات العرقية التي عانت اضطهاداً عنصرياً بشعاً في أوطانها، يقف الشعب الكردي على قائمة هذه العرقيات. وتبقى تركيا في صدارة الدول التي تمارس اضطهاداً قومياً شرساً ضد الأقلية الكردية التركية، وتخوض حرباً شرسة ضد حزب العمال الكردستاني التركي الذي يطالب بحكم ذاتي وبالحقوق الإنسانية المشروعة للشعب الكردي على غرار ما يتمتع به أشقاؤه في العراق، ومثالاً على ذلك الإضطهاد فإن أنقرة لم تسمح بتدريس اللغة الكردية إلا عام 2009 حين سمح مجلس التعليم العالي بتدريسها، بينما كانت الحكومات التركية ذات النزعة القومية المتشددة ترفض رفضا قاطعا هذه المطالب وتصر دوماً على الحسم العسكري للصراع، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم وجود إختلالٍ كبير في موازين القوى العسكرية بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذي يمارس بدوره حرب استنزاف حقيقية ويصعد بين حين وآخر من عملياته ضد الجيش التركي.
فبعد وصول حزب العدالة والتنمية التركي إلى سلم القيادة السياسية في أنقرة، وإعلانه في بداية صعوده السياسي تفهمه لقضية الأكراد الأتراك، كان أكراد تركيا يأملون أن يحدث تغير في موقف الحكومة المركزية التركية من قضيتهم القومية، إلا أن هذا التفهم لم يكن سوى استهلاك سياسي، سرعان ما بددته الممارسات العسكرية والأمنية على الأرض، والتي كان أهمها اعتقال زعيم حزب العمل الكردستاني عبدالله أوجلان فى كينيا ضمن عملية مشتركة بين قوات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ووكالة الاستخبارات الوطنية التركية في 15 فبراير عام 1999 في كينيا التي لجأ إليها بعد مطاردة طويلة امتدت من روسيا عبر إيطاليا واليونان وانتهت في كينيا.
فالحكومة المركزية في تركيا أصرت دائماً على اعتبار حزب العمال الكردستاني حزبا «إرهابيا» وهي لا تتردد لحظة واحدة عن إرسال جيوشها عبر الحدود العراقية لمطاردة مقاتلي هذا الحزب الذين يتخذون من جبال قنديل في شمال العراق قاعدة رئيسية لهم، فيما لاقت الحملات العسكرية التركية ضد الحزب فشلا كبيراً ولم تحقق أي نجاح استراتيجي يمكن أن يخفف أو يحد من عمليات المقاتلين الأكراد ضد الجيش التركي، بل على العكس من ذلك فإنه في الآونة الأخيرة تصاعدت عمليات مقاتلي الحزب خاصة بعد تفجر الأوضاع في سوريا ودخول تركيا مباشرة على خط الأزمة وتحويل حدودها مع سوريا إلى ممر لعبور المقاتلين والأسلحة إلى الداخل السوري.
فالحرب في سوريا وفي المناطق التي يتواجد فيها أكراد حصةٌ منها، وفرت مناخاً ملائماً لمقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي وشجعهم أكثر من أي وقت مضى على الإستمرار وتصعيد عملياتهم المسلحة ضد الجيش التركي، فهؤلاء المقاتلين وجدوا في مناطق أشقائهم الأكراد السوريين ملاذاً آخر يضاف إلى الملاذ العراقي الذي يمثل القاعدة الرئيسية لهم، فهذه المناطق تحتضنهم وتوفر لهم الغطاء المعنوي والمادي أيضاً، والأمر الذي يفتقدون له في وطنهم، فأشقاؤهم الأكراد الأتراك يعيشون المعاناة والاضطهاد القومي على أيدي القادة الأتراك.
إذاً يبقى السؤال الأبرز، كيف يمكن إخراج تركيا من حالة الصدام المستمر مع حزب العمال المدعوم من أبناء الشعب الكردي في جميع المناطق التي يوجدون فيها، بما في ذلك خارج تركيا، والحكومة التركية أصرت ومازالت تصر على التعاطي مع المطالب الكردية المشروعة على أنها قضية تمس الأمن القومي التركي، وأن نضال أكراد تركيا يستهدف تقسيم الدولة التركية؟ بالطبع مثل هذا الموقف وهذه العقلية لن يقودا إلى أي حل بين الطرفين. وبالتالي، هل ستتفجر الأوضاع في تركيا في ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات؟ سؤالٌ تجيب عليه الأيام المقبلة.