الوقت- نزل القرار الذي أصدره الكونغرس الأمريكي تحت مسمّى "قانون العدالة ضد الارهاب"، والذي يجيز لعائلات ضحايا هجمات 11 ايلول (سبتمبر) مقاضاة دول مثل السعودية، ومطالبتها بتعويضات مالية ضخمة، ناراً وشنّاراً على الرياض التي تبحث عن أي "قشّة" تمنعها من الغرق في المستنقع الأمريكي "الوسخ".
وبالتأكيد، تكفي مراقبة ردّة الفعل السعودي على مستجدات القرار الأمريكي، لاسيّما مع خشية الرئيس الأمريكي باراك أوباما من استخدام الفيتو على مشروع القانون أملاً بإقناع مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ بالتراجع عن تأييد الإجراء الجديد. ويدرك الرئيس الأمريكي، ومن خلفه أمريكا، أن "فيتو" أوباما سيسقط بالضربة القاضية في حال عدم قدرته على إقناع صانعي القانون بالتراجع، خاصّةً أن مؤيدي المشروع سيحشدون ثلثي أعضاء المجلس اللازمين لإبطال "الفيتو". في النتيجة، لا تزال هناك فرصة أمام أوباما حتى يوم الجمعة المقبل لاستخدام "الفيتو"، خاصّة أن "هناك خلافات بدأت في الظهور، حيث أعرب السيناتور الجمهوري بوب كوركر عن تخوّفه من "إمكانيّة تعرّض الأمريكيين للمقاضاة من قبل بلدان أخرى أو عائلات ضحايا أبرياء آخرين، لقوا حتفهم خلال الضربات الجوية رداً على ذلك الإجراء". ولكن، بين رفض البيت الأبيض وإصرار الكونغرس تبقى الكلمة الفصل بيد المشرعين حيث يمكنهم التغلّب على اعتراض الرئيس وتمرير القانون بأغلبية الثلثين.
في المقابل، عمدت السعودية إلى جملة من الإجراءات لتفادي هذه الضربة التي تؤسس لضربة قاصمة تنهي النظام السعودي. فبعد أن هدّد وزير الخارجيّة السعودي عادل الجبير "بسحب السعودية أصولها كاملة (تقدّر بـ750 مليار دولار) ان تم دسها بتفجيرات 11 سبتمبر"، عمدت السعودية إلى التحشيد على أكثر من صعيد لتلميع صفحتها عبر إصدار العديد من الدول الحليفة للسعودي بيانات مفادها أن " قانون العدالة ضد رُعاة الإرهاب يُضعِف جهود مكافحة التطرف".
التحرك السعودي الذي طال واشنطن عبر لوبي سعودي يضم مسؤولين سابقين مثل دينيس روس، وغيره تزامن مع غزل اسرائيلي إلى السعودية، فقد أشاد رئيس وزراء الکيان الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو في تصريح لموقع "Times of Israel" بإطلاق الحكومة السعودية حملة "الحج عبادة وسلوك حضاري". وأضاف بأن هذه المبادرة ستكون خطوة عملية لإحياء السلام العالمي بين الإسلام وسائر الأديان خاصة الديانة اليهودية في الشرق الأوسط كمقدمة لتحقيق التطبيع بين الدول العربية والكيان الإسرائيلي والذي اعتبره قريباً بحسب رأيه.
تدرك السعودية جيّداً مدى خطورة هكذا قرار، لذلك لن تتوانى عن استخدام كافّة أوراقها السياسيّة والإقتصادية للحؤول دونه، خاصّة أن أي رئيس جديد قد يتبنّى فكرة الكونغرس، وبالتالي لا بد من معالجته حتى لو استخدم أوباما "الفيتو"، والمعالجة هذه تقبع بين فكيّ كماشة الأول اقتصادي والآخر سياسي.
التكلفة الإقتصادية
كثيرة هي المؤشرات الأمريكية على حجم التكلفة الملقاة على عاتق السعودية لتفادي "القانون"، فقد قال الرئيس أوباما في حواره مع مجلة "اتلانتيك"، ان "على المسؤولين السعوديين ان يدركوا ان مرحلة الركوب المجاني على ظهر الولايات المتحدة، وخوض الحروب نيابة عنهم قد انتهى"، كما أن المرشَّح الجمهوري دونالد ترامب الذي سيجعل من هذا القانون منصّة للتصويب على كلينتون خلال الإنتخابات، وفي مُحاربة السعودية في حال فوزه بالرئاسة، قد وصف المملكة "بالبقرة الحلوب التي تُدِرُّ ذهباً ويجب ذبحها متى جفَّ ضِرعها".
التكلفة السياسيّة
رغم الطمع الأمريكي بالأموال السعودية، تماماً كما فعلت مع إيران إثر ابقاءها على الأموال المحتجزة رغم الإتفاق النووي، إلا أن تصريحات المسؤولين تشير إلى ما هو أبعد من الشقّ الإقتصادي فقد صرّح السفير الأمريكي الأسبق في العراق وأفغانستان زلماي خليل زاده، بأن أحد المسؤولين السعوديين الكبار أسرّ له بأن بلاده تدعم التطرّف حول العالم، لافتاً في الوقت ذاته إلى نظرة سعودية أكثر إيجابية اتجاه إسرائيل. وأضاف: "لقد خلقوا وحشاً بدأ بالتهامهم". ونقل عن المسؤول السعودي قوله: "لم نعترف بالأمر بعد أحداث 11 أيلول، لخوفنا من التخلّي عنّا أو معاملتنا كعدو... كنّا في حالة إنكار".
النتيجة
يبقى السؤال اليوم حول كيّفيّة المواجهة السعودية حيث يبدو واضحاً أنها ستستعمل الذريعة التي تحدّث عنها كوركر (يعدّ بوب كوركر أحد أبرز ممثلي اللوبي الصهيوني في الكونغرس وهو الذي يقف خلف التعديلات التي سمحت للكونغرس حجب الثقة عن الاتفاق النوويّ مع إيران)، أي ذريعة حصانة الدول، فهل عارت أمريكا اهتماماً لحصانة أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا؟
لكن السلطات السعودية تدرك جيّداً أن هذه الذريعة لن تدوم طويلاً، لاسيّما مع التغيّرات الرئاسيّة المقبلة، التي تتزامن مع قدرة تأثير أكبر للجماعات المطالبة. هنا تعي السعودية جيّداً أن الخلاص يكمن في الكونغرس نفسه، وتحديداً اللوبي الصهيوني الذي يستطيع، وبسهولة، إفشال القانون. لذلك ربّما نسمع بمباحثات اسرائيلية سعودية، وربّما زيارات أو رد سعودي على مدح نتنياهو الأخير تحت ذريعة "السلام العالمي بين الإسلام وسائر الأديان". التكلفة السياسية ستكون بتطبيع العلاقات بين الكيان الاسرائيلي والنظام السعودي، فهل تبيع السعودية القضيّة علناً، بعد عقود على البيع السرّي، مقابل دعم اللوبي الصهيوني في الكونغرس؟ الإجابة تبقى برسم الوقت.