تعيش الأزمة السورية واقعاً حساساً يتخطى في توصيفه حجم الأزمة. فالبلاد تنتظر مستقبلاً غامضاً، بعد أن كان العام السادس للأزمة أي الحالي، حافلاً بالأحداث المتشابكة، والمعقدة. فالتوصيف الدقيق للمشهد، يجعلنا نلحظ وجود كثيرٍ من التناقضات، في السلوك الغربي. يواكبه سياسةُ غامضة من الدول التي ترعى الحل السياسي لا سيما أمريكا وروسيا. فيما يبدو واضحاً سعي الطرفين الإيراني وحزب الله اللبناني الى دعم النظام في كسب الأوراق الميداينة، بما فيه مصلحة الشعب السوري. لكن ذلك يُقابل، بما يمكن أن يكون حرباً جديدةً على محور المقاومة، تهدف لإغتيال النخب العسكرية والأمنية. وكل ذلك يجري في ظل دعمٍ غربيٍ واضح للإرهاب، يتفاوت بين المساعدة العسكرية والمعونة الإستخباراتية. فهل دخلت سوريا مرحلةً جديدة؟ ولماذا يتم إغتيال كوادر محور المقاومة؟
لم يعد خفياً على أحد، بأن الأزمة السورية أصبحت أرضاً وحلة، تهدف لإستنزاف قدرات أطرافٍ عديدة. وهنا يمكن قول التالي:
- منذ بداية الأزمة، شكل محور المقاومة، غرف عملياتٍ مشتركة، تهدف لإدارة الأزمة الحاصلة، على الصعد كافة. وهو الأمر الطبيعي الناتج عن الشعور القومي الجماعي، لدى أطراف المحور، بالخطر القادم. ولأننا لسنا في وارد العودة للماضي لتقييم السياسيات، يمكننا اليوم ومن خلال مقاربة النتائج، الوصول الى قناعةٍ مفادها بأن حزب الله اللبناني، كان مُحقاً حين قرَّر الدخول في الحرب السورية الى جانب النظام وقتال الإرهابيين. كما يمكن القول وبوضوح، بأن الطرف الإيراني كان مدركاً ومنذ البداية، لضرورة تقديم المعونة الإستشارية، عسكرياً وأمنياً، للنظام السوري.
- ولعل جميع المراقبين، ومنهم غربيون، يجدون في ردة الفعل هذه، أمراً طبيعياً. حتى أن الكثير من الخبراء العسكريين، والذي سعوا لتحليل المشهد السوري منذ بداية الأزمة، وجدوا في سياسة محور المقاومة، للتصدي للعدوان التكفيري الجديد، سياسةً تدل على تماسكٍ وقوة. بل وجدوا في ردة فعل كلٍ من حزب الله وإيران، ردة فعلٍ طبيعية، خصوصاً في ظل حربٍ معلنةٍ على المحور أجمع، قُرِّر أن تكون الأرض السورية ساحتها.
- لكن الموقف الغربي وتحديداً الأمريكي، كان ومنذ البداية، موقفاً يتعاطى مع الأحداث، دون إخفاء الدعم الواضح للإرهاب. وهو ما كان يحصل من خلال فتح الحدود التركية، ودعم قطر والسعودية، وغرف العمليات المشتركة في أكثر من دولة، يُديرها أجهزة المخابرات الغربية بالإضافة الى الموساد. في حين أثبت محور المقاومة، قدرته على الإنسجام، وتحقيق الأهداف على الأرض وفي الميدان. وأضحت الإنجازات تتوالى، حتى أصبحت الأداة الإرهابية عاجزة عن تحقيق الأهداف.
- وبعد أن تغيَّرت المعادلة في الصراع الحاصل على الأرض السورية، وأصبح الجميع أمام معركةٍ يُحسن أطرافها النزال، جاء التدخل الروسي، ليزيد النظام دعماً، ويصبح مستقبل النظام السوري أمراً مستبعداً من النقاشات. حتى أن مسألة الحل السياسي، أضحت مطلباً، غربياً، لا سيما بعد أن دخل التهديد التكفيري بيوت الدول الغربية. فيما كان الحضور الروسي، إستكمالاً للواقع الذي بناه حزب الله والطرف الإيراني، بالتعاون مع النظام السوري.
- وهنا استمر الوضع كذلك، مع تسجيل محاولاتٍ عديدة لأطراف إقليمية لا سيما قطر والسعودية وتركيا، من أجل العبث في الميدان، عبر دعم الجهات التي تموِّلها، بهدف صنع الإنجازات، دون الوصول الى أي نتيجة. وبقيت الأمور كذلك حتى إعلان الهدنة في حلب.
أحدثت هدنة حلب أو اتفاق وقف إطلاق النار، بين الطرفين الأمريكي والروسي، حالةً من التساؤل، لم يتم الإجابة على أسئلتها حتى الآن. فالكثير من التقارير خرجت لتُثبت بأن النتيجة تجاوزت استراحة الأطراف، لتكون تعزيز السلاح والدعم للإرهابيين. ولأن تلك لمرحلة شكَّلت منعطفاً في مسار الأزمة، يمكن قول ما يلي:
- منذ تحرير نبُّل والزهراء، وما تلاها من قرى، والتي قادها لذلك التنسيق العسكري والأمني بين أطراف محور المقاومة، اتخذت غرف التخطيط الغربية، وبعض الإقليمية، قراراً بمنع إكمال المسار هذا. أي أن الأزمة السورية، لم تحصل لتنتهي. وهو الأمر الذي عبّر عنه حينها الموقف الأمريكي الغربي، الى جانب موقف الدول الخليجية وتركيا. فبدا واضحاً حينها، أن مسألة السعي لحلٍ سلميٍ للأزمة ليست صادقة، ولا يوجد سوى محور المقاومة، يسعى لذلك، خدمةً لمصلحة الشعب السوري والمحور.
- وهنا فقد أشار العديد من المحللين الى أن ما جرى حينها، كان محاولةً أمريكية غربية، لإستدراج المحور الى معركة استنزافٍ طويلة الأمد. قد تكون سبباً في قيام الطرف الروسي الحليف لمحور المقاومة، بسحب قواته، مُبقياً على عديدٍ عسكريٍ فعال، ومنظوماتٍ صاروخية. حينها توالت التحليلات، لكن غموضاً ساد الموقف، وما يزال حتى الآن.
- فيما استمر محور المقاومة بما بدأه، معركةٌ تتخطى الحرب العالمية. تكفيريون مدربون يقاتلون في كافة الميادين. وأجهزة استخباراتٍ، تدعمهم بالمعلومات والتخطيط. كل ذلك، على مرأى العالم بأسره. حتى بان واضحاً منذ أيام، محاولات الغرب التأسيس لواقعٍ جديدٍ في سوريا، تكون المجموعات التكفيرية جزءاً منه. بل إن القضاء على الإرهاب لم يعد هدفاً، حتى في العلن. فالتسوية لا يمكن أن تحصل، بطريقة يخرج فيها محور المقاومة منتصراً.
بناءاً لما تقدم، نخلص للتالي:
- بدت اللعبة في سوريا واضحة أكثر من أي وقتٍ مضى. دولٌ عديدة تتفق فيما بينها حيناً وتتعارض حيناً آخر. والجميع يسعى لتقاسم النفوذ، بل إن اللعبة أصبحت لعبة مصالح مستقبلية واضحة. فيما يُستثنى من ذلك محور المقاومة، والذي يضم إيران وحزب الله والنظام السوري.
- فهذا المحور كان المستهدف منذ البداية، ولم يشأ أن يكون بعيداً عن الميدان. بل قرَّر النزول والمقارعة من قلب المعركة. لذلك قدَّم الكثير من الإنجازات والتضحيات عن قناعةٍ ودراية. بل استطاع فرض نفسه كلاعبٍ أساسيٍ يُقرر مصيره، ولا يُقرَّر عنه.
- ولأن ذلك هو النتيجة الواضحة، تقرَّر الدخول في نوعٍ جديدة من الحرب مع محور المقاومة. حربٌ تستخدم التكفيريين كأداة. فيما يُغذيها الدعم اللوجستي والأمني من أجهزة استخبارات الغرب لا سيما السي أي أي والموساد. تهدف هذه الحرب للإطاحة برموز التخطيط العسكري، والنخب التي تُدير أرض المعركة. فكانت حرب إغتيال الكوادر.
ليست الحرب التي تجري، ولو أنها تهدف للقضاء على العنصر البشري التخطيطي لمحور المقاومة، سوى جزءٌ من التضحية بالنسبة لقيادة المحور. وليس صحيحاً أنها تُشكِّل خسارة له. وهي لن تُحيله عن المضي قدماً نحو تحقيق الإنتصار. فيما يجب أن يُدرك هؤلاء المتآمرون أياً كانو، بأن الحرب المفتوحة، ستكون في أدواتها ونتائجها، عليهم أوجع. وستؤسِّس للنصر الإستراتيجي، في زمنٍ قد تسقط فيه الخطوط الحمراء الأمنية.