الوقت- ينتظر الجميع مرحلة ما بعد إغتيال القائد الجهادي "مصطفى بدر الدين". فما جرى ليس أمراً يمكن الإكتفاء بوصفه إغتيال رجلٍ وإزاحته من لعبة الصراع. بل إن العملية تتباين في تقييمها، بين محاولة كسر إنجازات محور المقاومة، مروراً بأنها قد تكون تعبيراً عن الهيبة الأمنية للكيان الإسرائيلي في ظل ضعف القدرة على فتح حربٍ عسكرية، وصولاً لكونها رسالة لمحور المقاومة، خصوصاً للأدمغة التي تُدير لعبة الصراع وبمستوى النخب. فليس حزب الله بعيداً عن قدرة الردع، بل إن يده يمكن أن تصل حيث تشاء، وليس الطرف الإسرائيلي غبياً، لإستبعاده حسابات مخاطر "إغتيال بدر الدين". فكيف يمكن وصف وتحليل المشهد الحالي؟
تعليق تل أبيب على اغتيال بدر الدين
نقلت وسائل الإعلام الغربية والعربية تعليق رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني السابق اللواء في الإحتياط "يعقوب عميدرور"، حول استشهاد القيادي العسكري الكبير في حزب الله السيد "مصطفى بدر الدين"، بأنه بشرى إيجابية لكيان الإحتلال. مشيراً الى أن استشهاده جيد بالنسبة لتل أبيب، مدعياً بأنها غير مسؤولة عن ذلك. فيما أكدت صحیفة "معاریف" الإسرائيلية بأن اغتيال "بدر الدين"، یُشکل ضربة قاسیة بشکل خاص لقیادة حزب الله العسکریة، في حين يمكن التقدير بأنه وكما حصل عقب اغتيال الشهيد "مغنية"، سیتغلّب حزب الله على خسارته.
تحليل ودلالات
في وقت لم تكتمل الصورة بعد، يمكن القول بأن عدداً من السيناريوهات المتوقعة، أصبحت جاهزة، وهي قابلة للنقاش. في حين يجب انتظار موقف حزب الله لمعرفة نتائج التحقيق وهنا يجب الإلتفات للتالي فيما يخص توصيف ردات الفعل:
- يجب الأخذ بعين الإعتبار بأن حزب الله يعتمد الشفافية كأولويةٍ في تحديد توصيفه لأي عملية اغتيال، وبالتالي فليس وارداً إخفاء الحقائق لأهداف سياسية كما قد يروِّج البعض. بل إن الحزب لا يستحي بشهادته القادة، وهو جوهر ما أكده نائب الأمين العام للحزب الشيخ "نعيم قاسم" بالأمس.
- لذلك انطلاقاً من الحقيقة التالية، يمكن القول بأن عدداً من السيناريوهات قابلة للتحليل. فبحسب المراقبين، إنها المرة الأولى التي يخرج فيها العدو الصهيوني، محاولاً إبعاد العملية عنه. بل وكما جرت العادة، فقد كانت ردة الفعل الإسرائيلية تتصف بالغموض، دون إبراز موقفٍ يدل على المسؤولية أو عدمها. فيما حاولت تل أبيب هذه المرة، الترحيب بالعملية لكن مع السعي للحديث عن أن للرجل (أي بدر الدين) الكثير من الأعداء، وليس من الضروري أن يكون الكيان الإسرائيلي خلف العملية.
- وهو الأمر الذي يمكن أن يتناغم أيضاً مع التصرف الأمريكي، حيث سارع البيت الأبيض للتأكيد بأنه لم يُرصد أي تحرك لقوات التحالف في مكان العملية، وهو ما يعني محاولة واشنطن التنصُّل أو إبعاد الشبهة عنها.
من هنا وإنطلاقاً مما تقدم، يمكن القول بأن الجميع تعاطى من منطلق موقعه. وبالتالي نخلص لآتي:
- بالنسبة لحزب الله، فإن القائد الشهيد كان أبرز المطلوبين بين قياداته، وهو الأمر الذي يعني أن حزب الله بطبيعة نشاطه، يُدرك بأن ما جرى هو جزءٌ من الحرب المفتوحة بينه كطرفٍ أساسيٍ في محور المقاومة، وبين الكيان الإسرائيلي كطرفٍ أساسيٍ في السياسة الأمريكية.
- وهنا ومن موقع المسؤولية، فاجأ حزب الله الجميع بحكمته العالية، وقدرته الكبيرة على إدارة الأزمة، حيث لم يُطلق اتهامات عشوائية، بل أصر على الخوض في غمار التحدي. في حين يُدرك الجميع بأن النتائج ومهما كانت، فلن يكون الكيان الإسرائيلي بمنأى عن المسؤولية، وهو ما يمكن قراءته من خلال إشارة الشيخ "نعیم قاسم" بالأمس، لمسألة أن العدو الأول للحزب هو الكيان الإسرائيلي ومن معه.
- أما بالنسبة للكيان الإسرائيلي، فهو يعرف حجم الشهيد "بدر الدين"، وما كان يُمثله بالنسبة لجهاز المقاومة وأمنها، وبالتالي فإنه من منطلق القلق من المستقبل، سارع لإستغلال ردات الفعل الموجودة، بالإضافة الى الواقع الحالي للصراع، خصوصاً ما يتعلق بعلاقة التكفيريين الارهابیین باللعبة الحالية. وهو محاولة لبناء أرضية، يمكن أن تساهم في أي ردة فعلٍ مستقبلية قد يقوم بها حزب الله، وبالتالي جعل المستقبل مفتوحاً، دون الإشارة الى تورطه.
- من جهتها تُدرك واشنطن أنها طرفٌ غير بعيدٍ عن الإتهام. فالثأر بينها وبين "بدر الدين" طويل، خصوصاً لعلاقته بتفجيرات عديدة طالت سفاراتٍ أمريكية، بحسب ادعائهم. وهو ما جعل الطرف الأمريكي يسارع في توضيح موقفه، ومحاولة التأكيد بأنه غير متورطٍ فيما جرى.
بناءاً لكل ما تقدم، من توصيفٍ وتحليل، يمكن الوصول الى نتائج عديدة، وهي:
- تُعتبر العملية جزءاً من الصراع، حیث أنها ستتخطى بنتائجها مسألة إغتيال أو إزاحة رجلٍ كبدر الدين من اللعبة العسكرية والأمنية بين الأطراف. بل إن حساسية المرحلة، وتشعُّب الأولويات، بالإضافة الى تعدد الأطراف، والتفاوت في المصالح، يجعل الأطراف مّضطرةً لدراسة مواقفها، كونها (أي المواقف) ستكون الأساس الذي يترتَّب عليه ما سيجري في المستقبل.
- لذلك فإن تل أبيب، أطلقت مواقف طبيعية تُرحب بالعملية، فيما أشارت الى أن أعداء الرجل كُثر ومنهم الكيان الإسرائيلي، تاركة الباب مفتوحاً على كل الإحتمالات. فيما لم تغب نكهة القلق من كيفية إدارة حزب الله للقضية. وهنا لا بد أن نُشير الى أن الكيان الإسرائيلي، يعيش اليوم أزمةً عميقة بين طرفيه السياسي والعسكري. لا سيما في ظل تقرير مراقب الدولة عن الحرب الأخيرة على غزة، والذي ضرب قدرات الكيان العسكرية.
- وفيما يخص حزب الله، فهو جزءٌ أساسيٌ من الحرب الإقليمية الحاصلة. بل إن ما حصل من عملية إغتيال، لا يمكن فصلها عن مُسلسل المؤمرات التي تُحاك ضده. وهو الأمر الذي يأخذا الحزب بجدية، إن على الصعيد الداخلي أو الإقليمي. فالقائد الشهيد كان مُتهماً بقضية اغتيال "رفيق الحريري". وهو الأمر الذي يتطلب من الحزب، تأنٍ في ردات فعله، منعاً لفتنةٍ يسعى لها البعض. الى جانب إدراكه حقيقة التوازنات على الأرض السورية، وكذلك التوازنات الإقليمية والدولية.
إذن رحل "بدر الدين" تاركاً خلفه غموضاً يُحيِّر الكثيرين. فوزن الرجل والقيمة العسكرية والأمنية التي امتلكها، سيكون لها الأثر في الصراع الحالي. فليس حزب الله بعاجز، وليست تل أبيب بغبية، ولم يعد الصراع صراع طرفين. أما فيما يخص التكفيريين الارهابیین، فهم أداةٌ لا يتخطى دورها التنفيذ. فماذا يحمل المستقبل بعد شهادة بدر الدين؟