الوقت - يشدد الاتحاد الأوروبي على الطابع الإسباني لمدينتي سبتة ومليلية، رغم أن المنظمة الرئيسية للغرب، وهي حلف شمال الأطلسي لا تشملهما بالحماية العسكرية، ويحدث هذا في وقت يتفادى المغرب الرسمي فتح هذا الملف.
وأصبحت بعض الأحزاب السياسية الإسبانية ذات حساسية تجاه ملف سبتة ومليلية، فمن جهة، تضغط به على حكومة مدريد الائتلافية بزعامة بيدرو سانشيز (مؤقتة حاليا في انتظار تشكيل أخرى جديدة)، ومن جهة أخرى، ارتفعت مشاعر التطرف القومي لدى عدد من الأحزاب السياسية الإسبانية التي تتحرك للرد حتى على بعض الأخبار التي تنشرها الصحافة المغربية حول المدينتين.
في هذا الصدد، تقدم نواب حزب “اسيودادانوس” الإسباني في البرلمان الأوروبي، بسؤال إلى المفوضية المكلفة بالشؤون الخارجية والدفاع، للمطالبة بتوضيحات حول ما تنشره الصحافة المغربية هذه الأيام حول مطالب ومخططات الرباط بشأن السعي لاسترداد المدينتين مستقبلا.
وجاء جواب المفوضية الأوروبية المكلفة بالشؤون الخارجية والدفاع برئاسة جوزيب بوريل حرفيا بما يلي: “أعادت مؤسسات الاتحاد الأوروبي التأكيد علنا على الموقف الرسمي المعروف جيدا بشأن أهمية حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وكان هذا أيضا هدف تصريحات نائب الرئيس شيناس بشأن مدينتي سبتة ومليلية الإسبانيتين، وهما منطقتان تنتميان إلى الاتحاد الأوروبي. وتشكلان جزءا من حدوده الخارجية، لذلك ينطبق قانون الاتحاد على سبتة ومليلية”.
وعلقت الصحافة الإسبانية ومنها “هافنغتون بوست” في نسختها الإسبانية بالقول: “الاتحاد الأوروبي يرد على محاولات المغرب استعادة سبتة ومليلية”.
وكان الاتحاد الأوروبي في الماضي يبتعد عن التورط في ملف سبتة ومليلية بسبب طابعهما الاستعماري، رغم أنه يخصص مساعدات مالية للمدينتين، ويعتبرهما بشكل غير مباشر جزءا من الاتحاد، ولكن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومنذ تولي الإسباني جوزيب بوريل منصب رئيس المفوضية الأوروبية، وهو الذي كان يعمل وزيرا لخارجية مدريد منذ ثلاث سنوات، أصبح الاتحاد يشدد على الطابع الإسباني للمدينتين، ويسود الاعتقاد أن بوريل قام بالتنسيق مع مدريد في هذا الرد؛ لأن حكومة إسبانيا لا تريد الرد المباشر على الرباط، ولاسيما أن رئيس الحكومة بيدرو سانشيز كان يقضي عطلته في المغرب، ونشرت جريدة “ديباتي” الإسبانية منذ أيام، كيف تجنبت حكومة مدريد الكشف عن تنسيقها مع الاتحاد الأوروبي للرد على المغرب في هذا الشأن.
ومن ضمن المنعطفات الكبرى في هذا الملف أوروبيا، البيان الصادر خلال منتصف يونيو 2021 عن البرلمان الأوروبي الذي اعتبر اقتحام أكثر من عشرة آلاف مغربي لمدينة سبتة ضمن الهجرة السرية، اعتداء على الحدود الأوروبية، ووقع هذا الحادث إبان الأزمة الشائكة بين مدريد والرباط المرتبطة بملف الصحراء الغربية، حيث كانت إسبانيا قد رفضت وقتها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، قبل أن تغير موقفها وتدعم الحكم الذاتي، وتشترط قبول جبهة البوليساريو له.
وتبقى المفارقة الكبرى، هي التزام البرلمان المغربي الصمت في ملف استراتيجي يتعلق بالوحدة الترابية للبلاد، ولم يرد على بيان نظيره الأوروبي، لكنه قام بالرد على بيان هذا البرلمان حول حقوق الإنسان في المغرب، خلال مارس الماضي.
ومن ضمن المفارقات الأخرى، أن أكبر منظمة غربية وهي حلف شمال الأطلسي، ترفض حتى الآن أن تشمل سبتة ومليلية بالحماية العسكرية رغم مساعي مدريد في هذا الشأن منذ ترخيصها للولايات المتحدة بإقامة قواعد عسكرية، ثم انضمامها إلى الحلف، وفي الوقت ذاته، ترى دول شمال أوروبا هذا الملف بتحفظ كبير، ولا تتحمس كثيرا لمطالب إسبانيا.
وبداية يونيو الماضي، احتجت إسبانيا على رسالة بعثها المغرب إلى المفوضية الأوروبية يحتج فيها على وصف مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، بالإسبانيتين وأنهما حدود الاتحاد الأوروبي في القارة الإفريقية.
ونقلت وسائل إعلام إسبانية آنذاك، أن وزارة الخارجية الإسبانية أرسلت مذكرة لسفارة المغرب بمدريد، بغية الاحتجاج على رسالة الرباط إلى المفوضية الأوروبية.
ونقل موقع الإذاعة الإسبانية الثالثة، أن الرسالة الإسبانية “كانت واضحة وترفض بشكل قاطع المصطلحات التي استخدمتها الحكومة المغربية في خطاب الاحتجاج الصادر إلى المفوضية الأوروبية”.
بدوره، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى بايتاس، إن الرسالة المغربية إلى المفوضية الأوروبية جاءت بعد “الانزلاق” الذي وقع فيه نائب رئيس المفوضية الأوروبية بشأن مدينتي سبتة ومليلية “المحتلتين”.
وكان المغرب قد احتج على اعتبار سبتة ومليلية المحتلتين “حدودا للاتحاد الأوروبي”، مؤكدا مغربيتهما، وذلك في مذكرة احتجاجية تقدمت بها وزارة الخارجية المغربية للمفوضية الأوروبية.
وتقدمت وزارة الخارجية المغربية بمذكرة احتجاجية رسمية ردا على “التصريحات العدائية” لنائب رئيس المفوضية الأوروبية المكلف بالهجرة مارغريتيس شيناس، بشأن مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين.
ونددت المذكرة الدبلوماسية المغربية التي تم إرسالها عبر سفارة الاتحاد الأوروبي بتصريحات المسؤول الأوروبي، الذي اتهم، المغرب باللجوء إلى “تهديدات متنوعة” واستخدام المهاجرين “كسلاح”، ضد الاتحاد الأوروبي، حسب ما نقل موقع إلفارو دي مليلية.
وكان اليوناني مارغريتيس شيناس، قد اتهم، خلال مشاركته في منتدى أوروبي حول الأمن والدفاع المنظم في بروكسيل، في كلمته، المغرب باللجوء إلى “تهديدات متنوعة” واستخدام المهاجرين “كسلاح”، ضد الاتحاد الأوروبي، حسب ما نقل موقع “إلفارو دي مليلية”.
وذكّرت الرسالة الصادرة عن وزارة الخارجية أن المسؤول اليوناني أطلق “عدة تصريحات معادية للمغرب”، حيث سبق له وفي اليوم الموالي لدخول آلاف المغاربة إلى سبتة يومي 17 و18 ماي 2021، أن قال في مقابلة مع الإذاعة العامة الإسبانية إن “سبتة هي أوروبا، هذه الحدود أوروبية وما يحدث هناك ليس مشكلة مدريد فقط، إنها مشكلة كل الأوروبيين”، وأضاف “لا أحد يستطيع أن يرهب أو يبتز الاتحاد الأوروبي”.
وأمام التصعيد الإسباني، تراجعت الرباط عن التصريحات التي بدرت منها بخصوص أراضيها، وأكدت أنها مجرد “زلة لسان”،
وفضلت التودد لمدريد، متجاهلة الاعتداء على سيادتها، حيث أكد المتحدث باسم الحكومة المغربية، أن العلاقات الثنائية بين بلاده وإسبانيا تقوم على أساس الثقة والتنسيق المشترك والاحترام المتبادل.
وكانت إسبانيا قد أعلنت مؤخرا، دعمها، لمقترح الحكم الذاتي المغربي للأراضي الصحراوية، ليبقى احتلال سبتة ومليلية نقطة الخلاف الحادة بين الجارتين.