الوقت- مراراً دعا رئيس الوزراء السودانيّ، عبد الله حمدوك، واشنطن لضرورة الفصل بين عمليّة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومسألة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، بسبب قناعته بأنّ أمريكا لا يمكن أن تتقدم خطوة في تلك المسألة دون رضوخ السودان ودخوله حظيرة التطبيع، ومؤخراً اتهم حمدوك أمريكا بتهديد مسار الانتقال الديموقراطيّ في السودان عبر إبقائه مصنفاً ضمن القائمة الأمريكيّة للدول الراعيّة للإرهاب.
تهديد للديمقراطيّة
على خلفية إيواء زعيم تنظيم القاعدة الإرهابيّ، أسامة بن لادن، بين عامي 1993 - 1996، فرضت أمريكا عقوبات على السودان عام 1993، ومازالت مستمرة حتى يومنا هذا، فيما يطالب السودان برفع تلك العقوبات نتيجة زوال الأسباب التي أدت إليها، ورحيل النظام السابق التي فُرضت عليه العقوبات، إلا أنّ واشنطن تسعى لاستغلال هذه الورقة للضغط على السودان وإجباره على تطبيع علاقاته مع طفلها المدلل "الكيان الصهيونيّ".
وفي مقابلة مع صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانيّة، الأحد الماضي، أشار حمدوك إلى أنّ العقوبات الأمريكيّة تشلّ اقتصاد السودان، وحذر من فقدان ضمانات استمرار الديمقراطيّة حتى الانتخابات المقررة في 2022، معتبراً أنّه من غير المنصف معاملة السودان كدولة منبوذة بعد مرور أكثر من 20 عاماً على ترحيل زعيم تنظيم القاعدة خارج أراضيها، إضافة إلى إطاحة السودانيين في نيسان عام 2019، بنظام عمر البشير الذي استضافه.
وفي هذا الصدد، بيّن رئيس الوزراء السودانيّ، أنّ إبقاء الخرطوم على القائمة الأمريكيّة للدول الراعية للإرهاب، يهدد المسار نحو الديموقراطيّة، وشدّد على أنّ عملية رفع العقوبات ستغير المعطيات وتنهي عزلة السودان، نافياً ما يشاع عن تطبيع مرتقب للعلاقات بين الخرطوم وتل أبيب.
تعنّت أمريكيّ
في الوقت الذي كرّر فيه حمدوك مراراً ضرورة الفصل بين رفع العقوبات الأمريكيّة ومسألة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، لم تتخذ الإدارة الأمريكيّة أيّ خطوة لإحراز تقدم في تلك المسألة بسبب إصرارها على رضوخ السودان وانخراطه فيما تُسمى "صفقة القرن" لتصفيّة القضيّة الفلسطينيّة.
وعلى ما يبدو فإنّ حكومة السودان مُصرّة على أنّها لا تملك أيّ تفويض لاتخاذ القرار بشأن التطبيع مع العدو الغاصب، بما يتعدّى مهام استكمال عمليّة الانتقال وتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد، وصولاً للقيام بانتخابات حرة، وخاصة أنّ وزير الخارجيّة الأمريكيّ، مايك بومبيو، في أول زيارة لوزير خارجيّة أمريكيّ إلى السودان منذ 24 عاماً واجتماعه مع رئيس ما يسمى "المجلس الانتقاليّ المؤقت"، عبد الفتاح البرهان، ربط قضية تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيونيّ والسودان مع شطب اسم السودان من قائمة الدول المؤيدة للإرهاب.
ولا بدّ من أخذ تصريحات وزير الخارجيّة السودانيّ، عمر قمر الدين، الذي ردّد مراراً رفض بلاده للتطبيع، معتبراً أنّ هذه القضية ليست من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال ولا يمكنها البت فيها، رغم حديث بعض المسؤولين الصهاينة عن أنّ تل أبيب والخرطوم على وشك توقيع ما تُطلق عليه الدول المُطبعة "اتفاق سلام" بينهما قبل نهاية العام الحاليّ، وأنّ بعثات من كلا الطرفين تواصل الاستعدادات للتوصل إلى هذا الاتفاق.
ومن الجدير بالذكر، أنّ السودان أقال قبل مدة، المتحدث باسم وزارة الخارجيّة، حيدر بدوي، بسبب تصريحات له حول عزم الخرطوم التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، حيث استنكرت وزارة الخارجيّة السودانيّة، تصريحات المتحدث باسمها، معبرة عن دهشتها من تصرفه، وذكرت أنّ تلك التصريحات أوجدت وضعاً ملتبساً يحتاج إلى توضيح.
وادعى نتنياهو وقتها أنّ كيان احتلاله والسودان والمنطقة بأسرها ستربح من اتفاقية الاستسلام، بيد أنّ العدو الصهيونيّ هو الرابح الوحيد من اتفاقيات الخيانة العربيّة، وأنّ الربح العربيّ لا يعدو كونه ربحاً إعلاميّاً واهياً، وخاصة بعد فضائح اتفاق التطبيع الذي أكّد أنّه لم يُسمح للبحرين والإمارات بقراءة بنود الاتفاق الموقع تحت العباءة الأمريكيّة، ناهيك عن المبررات الكاذبة التي اختلقتها أبو ظبي لتبرير خيانتها.
خلاصة القول، يعارض بعض القادة السودانيين البارزين عمليّة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ رغم كل الضغوط التي تفرضها واشنطن على السودان للقبول بذلك، في ظل الحاجة السودانيّة لشطب اسم البلاد من قائمة الإرهاب الأمريكيّة، فيما يشعر رئيس الوزراء السودانيّ بالقلق من موقف القيادات الرافضة للتطبيع وانعكاسات مواقفها على الشارع السودانيّ الرافض لاتفاق العار، والذي يمكن أن يقلب البلاد رأساً على عقب في حال قرروا السير على نهج الخيانة الإماراتيّة – البحرينيّة.