الوقت- لم يستمر الامر كثيرا حتی باتت المنظمات الإرهابية التي عبثت فسادا ودمارا في العراق وسوريا، تحاول الیوم ضرب الامن والاستقرار في الدول الأوروبية، التي دعمتها ومولتها لضرب الامن والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط. حيث صارت الیوم الكثير من الدول الاوروبية ومنها المانيا تخشی دخول الارهابيين اليها، خاصة الذين ينتمون الی تنظيم داعش الإرهابي، استناداً الی ما نسمعها من تحذيرات تصدر هذه الايام علی ألسنة العديد من المسؤولين الاوروبيين. وتركت هذه المخاوف المزعومة بصمتها علی استضافة اللاجئين السوريين من قبل المانيا ودول اوروبية اخری، بعد أن ادعت بعض التقاریر الاوروبية أن حوالی 20% من الذين تقدموا بطلب اللجوء الی اوروبا، هم ينتمون الی تنظيمات ارهابية من بينها داعش، وذلك لبناء شبكة إرهابية في اوروبا، لتكون مستعدة لتنفيذ عمليات مفاجئة في هذه القارة في الوقت المناسب!. إذن هل أن المخاوف الامنية هي التي تصد الدول الأوروبية عن استضافة المهاجرين وتركهم في الشوارع، أم أن العنصرية الاوروبية هي التي لا تجيز للمهاجرين من الشرق الاوسط، الامتزاج بالاوروبيين؟ والسؤال الأهم الیوم هو: المهاجرون السوريون: ارهابيون أم ضحايا للإرهاب؟
شهدنا خلال الاسابيع الماضية، كيف ابتلعت البحار ارواح المئات من اللاجئين السوريين الذين ماتوا غرقا في بحر المتوسط إثر غرق قوارب الموت التي كانت تقلهم، والتي كانوا یسعون من خلالها الوصول الی اوروبا. لكن هذه المعاناة، لا بل حتی صورة «إيلان الكردي» الطفل السوري التي هزت العالم بأسره، بعد ان أعادته الامواج الی شواطیء تركيا إثر غرقه مع والدته وأخيه في البحر، لم تحرك مشاعر المسؤولين الاوروبيين ليفتحوا حدودهم أمام المهاجرين السوريين، بل استمرت المعاملة غير الإنسانية تجاههم.
وإذا ما صدقنا الرواية الاوروبية والامريكية التي تقول إن حوالي 20% ممن طلب اللجوء الی اوروبا هم ينتمون الی تنظيم داعش!، فسيكون معنی رفض استضافة هؤلاء، من قبل الدول الاوروبية وامريكا، يهدف الی ابقاء الارهابيين في الشرق الاوسط ودفعهم الی الانحدار باتجاه إيران والدول الاخری، لتنفيذ عمليات إرهابية في هذه الدول.
وفي هذا السياق حذر «جيل دو كرشوف» المنسق الاوروبي لمكافحة الارهاب، الهيئة الاوروبية لمراقبة حدود الدول الاوروبية من مخاطر تسلل ارهابيين بين اللاجئين السوريين القادمين الی هذه الدول. وقال كرشوف وفق ما نقل عنه موقع رأي الیوم، «علینا ان نتحلى بالیقظة. يسهل نسبيا الدخول الى الاتحاد الاوروبي عندما يتم الاندساس بين المهاجرين».
وإذا ما اردنا أن نصدق رواية الدول الاوروبية التي تقول إن هذه الدول وخاصة المانيا باتت تخشی قدوم الإرهاب الیها، فيجب علی هذه الدول أن تكف عن دعم الإرهاب في سوريا والعراق، لأنه إذا ما تم تجفيف جذور الارهاب في المنطقة، فستتوقف الهجرة الی اوروبا، فضلا عن أن أمن دول هذه القارة لم يعد مهدداً من قبل المجموعات الإرهابية!
وفي الحقيقة ان المانيا والدول الاوروبية الاخری، تحاول الیوم اعلامياً، أن ترسم لنفسها صورة جميلة بانها داعمة للقيم الإنسانية، عبر استغلال قضية اللاجئين السوريين، دون تقديم اي دعم ملموس لهؤلاء الناس الذين تقطعت بهم السبل. وهنالك من يعتقد أن المانيا تخشی أن يؤدي السماح لدخول المهاجرين السوريين الی اراضيها، الی زعزعة أمنها الداخلي من قبل بعض الارهابيين الذين من الممكن أن يدخلوا مع الوافدين السوريين، مما سيترك ذلك آثارا كارثية علی الاقتصاد الالماني. لكن لا نعتقد أن المخاوف الأمنية هي التي تمنع المانيا والدول الاوروبية الاخری من السماح للمهاجرين بدخول اراضيها، لان لهذه الدول اجهزة امنية واستخباراتية معروفة بقدراتها الفائقة في تعقب ومكافحة الارهاب، يمكنها اكتشاف اي فرد ينتمي الی المجموعات الإرهابية ان ارادت ذلك.
وفي سیاق متصل، فقد حذر الامين العام للحلف الاطلسي «ينس ستولتنبرغ» من احتمالیة وصول ارهابيين من السواحل الليبية الی اوروبا عبر البحر المتوسط، حيث دعی الی اقرار عملية بحرية من قبل الدول الاوروبية لمكافحة انشطة مهربي المهاجرين من الشرق الاوسط وسواحل ليبيا الی هذه الدول عبر المتوسط. وفي كلمة له في بروكسل قال الامين العام للحلف الاطلسي في هذا السياق إن «احدى المشكلات هي احتمال وجود مقاتلين اجانب، احتمال وجود ارهابيين يختبئون بين المهاجرين ويندسون بينهم» للوصول الی اوروبا، حسب زعمه.
وختاما يجب القول ان هنالك من يشكك في إدعاءات المسؤولين الاوروبيين بان داعش والتنظيمات الارهابية الاخری، من الممكن أن توفد عناصرها مع المهاجرين السوريين الی الدول الاوروبية لتشكيل خلايا نائمة في هذه الدول للعمل علی ضرب أمنها واستقرارها. حيث يقول الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية في المعهد الملكي البريطاني في لندن، «شيراز ماهر» إن تصريحات الامين العام لقوات الحلف الأطلسي حول امكانية دخول عناصر المجموعات الإرهابية مع المهاجرين السوريين الی اوروبا، هي في غير محلها وذلك لان: التنظيمات الإرهابية الناشطة في الشرق العربي، عادة ما تحاول استقطاب الافراد من أوروبا وليس تصدير عناصرها الی دول هذه القارة. إذن، بات من الواضح جداً أن الدول الاوروبية ومن أجل عدم القيام بمسؤولياتها تجاه المهاجرين السوريين، باتت تطرح المخاوف الأمنية، لمنع هؤلاء المهاجرين من دخول أراضيها. وفي النهاية نؤکد أن المهاجرين السوريين ليسوا ارهابيين، بل هم ضحايا للإرهاب، يجب العمل علی انقاذهم.