الوقت- يبدو أنّ شهر سبتمبر هو الأسوء لدى النظام السعودي. ورغم أن العيد الوطني، تصادف ذكراه اليوم، يأتي في الثالث والعشرين منه، إلاّ أن هناك جملة من الأحداث جعلت من هذا الشهر لعنة على النظام.
ففي حين تشكّل الذكرى السنويّة لأحداث 11 سبتمبر هاجساً رئيسياً للنظام السعودي بسبب توجيه الاتهام له بالوقوف خلف، التوطئ على أقلّ تقدير، أبرز حدث إرهابي هزّ أمريكا منذ قرون، كانت لعنة شهر سبتمبر في العام الماضي الأكثر قساوة على النظام السعودي عبر إقرار قانون "جاستا" في الكونغرس الأمريكي والذي يسمح لعوائل 11 سبتمبر بمقاضاة السعوديّة في المحاكم الأمريكية، الأمر الذي قد يكلّفها أكثر من ترليون دولار، وقد تصل التكلفة إلى ترليوني دولار وفق بعض التقادير.
النظام السعودي حاول هذا العام تفادي أي لعنة جديدة لشهر سبتمبر بدأها عبر الزيارة التي أجراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعوديّة، خلال شهر مايو/ أيار الماضي، وقّع خلالها صفقات بأكثر من نصف ترليون دولار، وبالفعل نجح النظام السعودي في إسكات الإدارة الأمريكية الجديدة عن أي اتهام له باحداث برجي التجارة، إلا أنّه فشل في إسكات الأصوات الشعبيّة، وأصوات النخب، التي لجأت بوتيرة غير مسبوقة إلى تقديم الشكاوى للقضاء الأمريكي.
لكن المفاجأة التي تعرّض لها النظام السعودي هذه المرّة، كانت أشدّ لعنة من نظيراتها حيث بدأ حراك داخلي (15 سبتمبر) لم يكتب له النجاح حتّى الساعة، إلا أن التطوّرات التي تلته من اعتقال الدعاة، مروراً بتشكيل شخصيات إعلاميّة سعوديّة بارزة، مثل جمال خاشقجي، معارضة في الخارج، وليس انتهاءً بتحرّكات عائلية لشق الصف ضدّ سلمان غير مسبوقة في المملكة.
اليوم تحتفل السعوديّة بعيدها الوطني الـ87 في ظل أوضاع سياسيّة واقتصاديّة، داخليّة وخارجيّة، لا تنذر بالخير. ففي حين يبدو الفشل المصير الحتمي لرؤية 2030 التي طرأت عليها تعديلات جذرية، تعيش المملكة حالة اعتقالات غير مسبوقة وسط كلام عن تحوّل جذري في المملكة من دولة دينية إلى علمانيّة، وقد برزت معالم هذا التحوّل من خلال الاعتقالات التي طالت العشرات من الدعاة، ليس آخرها بسبب كلام ضدّ المرأة لا يقاس بالإهانات السابقة التي كانت تنزل برداً وسلاماً على الأمراء السعوديين. لم يقتصر الأمر على اعتقال الدعاة التي حاول البعض ربطها بالأزمة القطرية، بل إن التراخي "الديني" في جدّة، كما أظهرت بعض المشاهد التي بثّتها قناة العربية، إضافةً إلى ضم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لوزارة الشؤون الإسلامية وإنهاء استقلال الهيئة، وهي مقدّمة لإلغائها أو إبقائها صوريّة، يؤكد أن الرياض على أبواب تحوّل نوعي.
هذا التحوّل النوعي الذي سيكون تنصيب الأمير محمّد بن سلمان ملكاً بوابته الرسميّة، يهدف لإرضاء شريحة شعبيّة ضاقت ذرعاً بتصرّفات الوهابيّة، إلا أنّ تطبيقه بهذه الطريقة، وبدفعة واحدة، سيحمل انعكاسات خطيرة على المملكة، لن تنتهي عند حدود المواجهات العسكريّة. بن سلمان لا يرى اليوم سوى تهيئة الأوضاع بما يؤمن له انتقال سلس للحكم، قد يكون في الأيام المقبلة، وربّما الساعات المقبلة، لا يشوبه أي اعتراض عائلي يؤدي إلى تهديد العرش، كون بعض الأمراء، لاسيّما المقربين من ولي العهد السابق المعزول، الأمير محمد بن نايف، تربطهم علاقات وثيقة بالمؤسسة الدينية التي تملك بدورها تأثيراً فاعلاً في المملكة. لم تغب هذه النقطة عن الأمير الشاب محمد بن سلمان، ولعلّ أبرز معالمها في ثناء العديد من الدعاة على اعتقال النظام لأصدقائهم، في حين وصل الأمر ببعضهم كـ"عبد الرحمن السديس"، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، إلى الثناء على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالقول: إن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الأميركيدونالد ترامب "يقودان العالم نحو السلم والاستقرار"، وهذا ما أثار سخطا واسعاً داخل المملكة وخارجها.
سبتمبر بات لعنة على النظام السعودي كون أيّامه تختزن أحداثا تضع المملكة في وضع لا تحسد عليه، فما ستخبّئه الأيام المتبقّية من هذا الشهر للنظام والشعب على حدّ سواء.
يعلّق أحدهم، وهو مواطن غير مقيم في المملكة لأسباب سياسيّة، على شهر سبتمبر بالقول: رغم أن عيد ميلادي في هذا الشهر، إلا أنّ لعنته تلاحقنا كشعب في بلاد الحجاز قبل النظام، ففي الـ23 منه تمّ تحويل الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية ليصبح عيداً وطنيّاً، لا ندري عن أيّ عيد يتحدّثون بل عن أيّ وطن يبخل علينا في تنفّس أي نوع من الحريّة سوى التي تمدح آل سعود!