الوقت- كثيرة هي الإشارات على طوي صفحة داعش من سوريا و العراق. التنظيم الإرهابي الأبرز وبعد هزيمته الكبري في مدينة الموصل العراقيّة سعى للانتقام، ولكن هذه المرّة في العاصمة الأفغانيّة كابل.
لا شكّ أن تحرير الموصل قصم ظهر التنظيم، إلا أن تحرير عاصمته العراقية، وكذلك الرقة، لا يعني بالضرورة نهاية التنظيم الإرهابي الذي اعتاد على الانتقام في جبهات أخرى بعد خساراته لإحدى جبهاته، هذا ما حصل في العراق بعد تحرير الرمادي، كذلك الأمر في مدينة تدمر السورية بعد هزيمته الكبرى في حلب، إلا أنّه لم يحصل بعد هزيمة الموصل، فما عدا مما بدا؟
السفارة العراقيّة في كابل
فقد أعلن تنظيم داعش اليوم مسؤوليته عن الهجوم على السفارة العراقية في كابول، بحسب ما أوردت وكالة أعماق التابعة للتنظيم عبر تطبيق تلغرام.
واستهدف تفجير انتحاري السفارة العراقية في العاصمة الأفغانية كابل الاثنين، وسارع تنظيم الدولة الإسلامية إلى تبني الهجوم الذي تبعه اقتحام مسلحين مبنى السفارة حيث يتبادلون إطلاق النار مع قوات الشرطة.
وجاء في التبني انغماسيان من داعش يقتحمان مبنى السفارة العراقية في مدينة كابول الافغانية، من دون تفاصيل إضافية.
أسباب ودلالات
وأما عند السؤال لماذا اختار تنظيم داعش الإرهابي السفارة العراقيّة في كابل، بدل السفارات الغربيةّ أو الردّ في العراق أو سوريا، يمكن الإشارة إلى عدّة نقاط:
أولاً: الانتقام من الحكومة العراقيّة بسبب تحرير مدينة الموصل عاصمة الخلافة في العراق، وبالتالي أراد التنظيم الإرهابي الأبرز توجيه رسالة للعراقيين بأنه قادر على استهداف مصالح العراق، أو الدول التي تستهدف داعش، في الزمان والمكان المناسبين الذي يحدّدهم التنظيم، الأمر الذي يفرض على دول المنطقة والعالم أهمية استثنائية خصوصا على صعيد تبادل المعلومات حول عناصر الذين عادوا إلى الدول التي جاؤوا منها.
ثانياً: وفي ظل الخلاف والمواجهات القائمة والسعي لتقاسم النفوذ بين تنظيم داعش وحركة طالبان، تعدّ هذه العملية بمثابة عرض عضلات من قبل التنظيم أمام حركة طالبان التي تسعى لاجتثاثه من أفغانستان بعد ظهوره هناك في العام 2015، وسيطرته لاحقاً على مناطق تابعة لها (رصدت وسائل إعلام محلية وجود توسع كبير في نشاط تنظيم "داعش" في أفغانستان، مشيرة إلى أنه ينشط في 25 ولاية من أصل 34)، واصطاد الكثير من جنودها الذين أعلنوا بيعتهم للبغدادي. الهجوم يأتي في ظل حرب ضروس بين داعش وطالبان خلّف مئات القتلى، إلا أن الأخيرة لعبت دورا ملحوظا في ردع تنامي نفوذ تنظيم "داعش" في أفغانستان، وفق ما أعلن رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية، الفريق أول إيغور كوروبوف.
ثالثاً: قد يعكس هذا التفجير مرحلة جديدة في حياة التنظيم الإرهابي، المتمثّلة باستهداف السفارات والقنصليات بعد خسارته للموصل وأجزاء واسعة في سوريا والعراق، وكذلك محاصرته في مدينة الرقّة. هنا أعاد البعض هذا الأمر إلى مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي بغارة روسيّة، رغم أن المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف الدولي العقيد رايان ديلون أكّد أمس الإثنين إنه لا يمكن لقيادة التحالف أن تؤكد الادعاءات والتقارير التي تحدثت عن مقتل زعيم التنظيم. لكن البعض ذهبوا إلى أن الهجوم يعكس تقطّع أوصال التنظيم واعتماده على القادة الميادنيين في استراتيجيته الجديدة التي سترتكز على "الذئاب المنفردة" بسبب خسارته لأغلب القيادات السابقة الأمنية والعسكرية والماليّة. هنا تجدر الإشارة إلى أنّه تم تحديد هويات 4 من أبرز قيادات تنظيم داعش من الذين قتلوا مؤخراً في هجوم على مقر التنظيم في إقليم كونار الافغاني، ما أسفر عن مقتل زعيمه أبو سيد. ومن بين القتلى الأربعة في هجوم 11 يوليو (تموز) أمير تنظيم داعش في أفغانستان الشيخ ضياء الله، ومولاوي حبيب، وهو قائد بارز في وادي واتابور، وحاج شير الله، وهو قائد كان مرتبطاً سابقاً بالحزب الإسلامي، و أسد الله، وهو قريب من أبو سيد.
رابعاً: هناك جزء كبير من مقاتلي داعش لا يفضّلون العودة إلى بلدانهم خاصّة أن جزء كبير قد أسقطت جنسياتهم، وبالتالي سيختارون مناطق جديدة للصراع في دول تشهد نزاعات داخلية واضطرابات أمنية. هذه البيئة تعدّ خصبة جدّاً للتنظيم، وأفغانستان من ضمنها خاصّة بسبب طبيعتها الجغرافية ومناطقها الجبلية الوعرة. هناك مناطق أخرى تمتلك خصوبة أفغانستان للتنظيم الإرهابي، وبالتالي قد تتكرّر هذه الهجمات في هذه الدول وهي اليمن بسبب الأوضاع الأمنية وتضاريسها الصعبة، جزيرة سيناء المصرية بسبب طبيعتها الصحراويّة التي تدرّب عليها التنظيم في سوريا والعراق وليبيا بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وتصاعد وتيرة النزاعات المسلحة، ودولاً أخرى كالصومال وغيرها.
أراد التنظيم من هذا الهجوم رسالة قوّة للجميع، إلا أنه في الواقع رسالة عجز، فشل فيها التنظيم في اجتياح مدن أو مناطق كما في السابق. يقضي التنظيم اليوم رحلة الانحطاط والانهيار بعد تحرير الموصل في تموز يوليو 2017 وسلسلة الانهيارات في سوريا (يتشابه سيناريو داعش بين 2014-2017 مع صعود وهبوط تنظيم القاعدة في العراق بين الأعوام 2005-2008)، وبالتالي قد تصحّ تسميتها برسالة العاجز الذي يريد إثبات قوّته بعد أن هرم وشاب في بضع سنين.