الوقت-قال سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور إن المجتمع الدولي عليه أن يترجم الإدانة إلى عمل فعلي، مؤكداً أن الشعب الفلسطيني لا يريد مجرد وصف أو تكرار لإدانة الجرائم، بل يتطلع إلى إجراءات ملموسة تنقذ المدنيين وتوقف التدهور الإنساني في قطاع غزة. وجاءت كلمة منصور هذه خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن، حيث حذر من أن البيانات وحدها “لا تكفي، إسرائيل منذ زمن بعيد أثبتت أنها لا تهتم بما نقوله، وإنما بما نفعله”. وأشار إلى أن استمرار إصدار البيانات بدون تنفيذها يعيد إنتاج أزمة إنسانية دون حل سياسي أو ميداني يُذكر، ويؤخّر الشعب الفلسطيني الذي “لا يملك رفاهية الشعور بالذنب أو الخجل بعد الآن، يجب أن نتحرك لإنهاء هذا الإبادة”.
الوقائع الإنسانية والسياسية الراهنة
في ظل تصاعد الأحداث، وصفت الأمم المتحدة خطة إسرائيل للاستيلاء على غزة المدينة بأنها “تفاقم الأزمة الإنسانية”، محذرة من نزوح جماعي لعشرات الآلاف، لا سيما في ظل نقص حاد في الغذاء والماء والرعاية الصحية. وحذر مسؤولون أمميون من أن العمليات العسكرية المرتقبة قد تؤدي إلى عواقب كارثية، لا سيما على حياة الرهائن وأمن غزة كجزء من الدولة الفلسطينية المستقبلية. فقد فرضت إسرائيل حصاراً مشدداً على القطاع منذ مارس 2025، أدى إلى نفاد المواد الغذائية الأساسية وارتفاع أسعارها بنسبة تصل إلى 1400%، ما تسبب في وفاة العشرات جوعاً، بينهم أطفال كثيرون. وفي الوقت نفسه، أطلق برنامج الأغذية العالمي تحذيراً شديد اللهجة عن مجاعة وشيكة في غزة، مستدلاً بأزمات مماثلة حدثت في بيافرا بإفريقيا وإثيوبيا.
كما استهدفت الهجمات الجوية الصحفيين في مناطق الصراع، حيث قُتل أربعة من صحفيي قناة الجزيرة خلال قصف استهدف مخيماً للصحفيين قرب مستشفى الشفاء، ما أثار إدانات دولية واسعة وطالب سفير فلسطين بالسماح بدخول بعثات إعلامية برعاية الأمم المتحدة لعرض الحقيقة أمام العالم.
على الصعيد الدولي، تباينت المواقف بين الدول الداعية إلى تدخل دولي مباشر لحماية المدنيين وإرسال قوات حفظ سلام، وبين من يكتفون بالبيانات والإدانات، وسط انقسامات في مجلس الأمن تحد من إمكانية اتخاذ خطوات عملية. وأعلنت عدة دول أوروبية رفضها الشديد للخطة الإسرائيلية، داعية إلى وقف فوري للأعمال العسكرية، وفرض عقوبات على إسرائيل.
التحديات والفرص أمام المجتمع الدولي
يركز الخطاب الفلسطيني على ضرورة الانتقال من الإدانة اللفظية إلى العمل السياسي والإنساني الملموس. وهذا التحول يحتاج إلى إرادة دولية قوية، سواء من خلال تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أو فرض ضغوط سياسية واقتصادية، أو إرسال بعثات دولية فعالة لحماية المدنيين وفتح ممرات آمنة. ومع ذلك، تواجه هذه المطالب عقبات كبرى، بسبب تباين مصالح الدول الكبرى، وعدم وجود توافق سياسي يسمح بتبني قرارات ملزمة وفعالة.
من جهة أخرى، يشير هذا الخطاب إلى الحاجة إلى آليات شفافة لتوثيق الانتهاكات، حيث تؤدي الحصيلة المأسوية بين المدنيين وخصوصاً الصحفيين إلى تصاعد الدعوات الدولية لتوفير حماية إعلامية حقيقية، تسمح برصد التطورات ونقلها بدقة إلى الرأي العام العالمي، ما يزيد من الضغوط على الأطراف الفاعلة.
وبينما تُعرض إسرائيل خططها العسكرية باعتبارها ضرورية لأمنها القومي، تبرز مآلات الصراع التي قد تفضي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، مما يضع المجتمع الدولي أمام خيارين رئيسيين: إما تصعيد عسكري مستمر يعمّق المأساة، أو تحرك دبلوماسي وإنساني منسق لإيقاف النزيف وحماية المدنيين.
اختبار مصداقية المجتمع الدولي
تصريحات السفير الفلسطيني رياض منصور تعكس إحباطاً عميقاً من عجز الآليات الدولية التقليدية، وتطالب بتحرك فوري وحاسم. إن اختبار المجتمع الدولي اليوم لا يقتصر على مجرد إدانة الأحداث، بل يتطلب تحويل هذه الإدانة إلى إجراءات ملموسة تنقذ الأرواح وتحمي المدنيين، وإلا سيبقى النزاع يشهد مزيداً من التدهور والمعاناة. التضامن الأخلاقي وحده لا يكفي، بل يجب أن يترافق مع ضغط سياسي فعلي، تدخلات إنسانية عاجلة، وإجراءات قانونية تحاسب من يعرقل السلام.
في نهاية المطاف، يبقى الشعب الفلسطيني وأهل غزة أمام مأساة متواصلة، والمجتمع الدولي أمام امتحان حقيقي لمدى قدرته على الوفاء بمسؤولياته الإنسانية والقانونية.