الوقت- بعد أكثر من عامين من حرب الإبادة على غزة، تبدو الأرض وكأنها لم تعد تحتمل المزيد من الحزن والركام. في كل شارع مدمر، وفي كل بناية تحولت إلى غبار، تتردد أصداء انفجارات لم تهدأ منذ اللحظة الأولى. إسرائيل، التي تملك واحدًا من أضخم ترسانات الأسلحة في المنطقة، صبّت على القطاع المحاصر كميات هائلة من المتفجرات، وكأنها أرادت محو المكان والإنسان معًا. لم تكن تلك القنابل مجرد أرقام في تقارير عسكرية؛ بل كانت أوزانًا ثقيلة سقطت على أحلام الأطفال، وصرخات الأمهات، وذكريات العائلات التي لم تجد مأوى يحميها.
إن مشهد الدمار الذي يغطي غزة اليوم ليس وليد معركة متكافئة، بل نتيجة سياسة ممنهجة تستخدم القوة النارية المفرطة، حيث تحوّلت الأحياء السكنية إلى ساحات اختبار لأقسى أنواع المتفجرات، في تجاهل فاضح لكل القوانين الدولية، وتواطؤ صامت من دول تزود هذا الاحتلال بوسائل الموت. هنا، يصبح السؤال ليس فقط عن حجم القنابل التي ألقيت، بل عن حجم الضمير الإنساني الذي انهار أمام مشهد الإبادة. أكثر من عامين، ولا تزال مأساة البشر مستمرة. البيانات الرسمية تفيد بأن عدد الضحايا في تزايد مستمر، لا سيما الأطفال والنساء والمدنيين المعرضين للقصف والحصار. فقدّرت تقارير أن أكثر من 61,430 فلسطينيًا قُتلوا، ونحو 153,213 جُرحوا منذ اندلاع النزاع، بينما مستشفيات غزة تعاني انهيارًا كاملًا والناس يواجهون مجاعة ومرضًا متفشيًا.
تقديرات الكم الهائل من الأسلحة المستخدمة
الولايات المتحدة – المورد الأكبر
طبقًا لمشروع "Costs of War" في جامعة براون، فإن الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024 وحده بلغ حوالي 17.9 مليار دولار، ويشمل شحنات ضخمة من القنابل والصواريخ والذخائر الموجهة:
15,000 قنبلة عامة و57,000 قذيفة عيار 155 مم؛
100 قنبلة BLU-109 ثاقبة للخرسانة؛
5,000 من قنابل Mk82؛
أكثر من 5,400 من قنابل Mk84؛
حوالي 1,000 قنبلة صغيرة موجهة من طراز GBU-39؛
نحو 3,000 معدات توجيه JDAM؛
علاوة على 10,000 قنبلة ضخمة تبلغ 2,000 رطل، وآلاف من صواريخ Hellfire.
ألمانيا – المورد الأوروبي الرئيسي
ضاعفت ألمانيا دعمها العسكري بعد 7 أكتوبر 2023. بين أكتوبر 2023 ومايو 2025، صدّقت برلين على تصاريح تسليح بقيمة 485.1 مليون يورو (~554 مليون دولار)، تشمل أنظمة أسلحة، ذخائر، أجهزة رادار واتصال، وقطعًا لمركبات مدرعة.
بالإضافة إلى ذلك، زادت الترخيصات إلى 326.5 مليون يورو في 2023 وحده، بما في ذلك 3,000 سلاح مضاد للدروع و500,000 خرطوشة ذخيرة.
الدول الأوروبية الأخرى – دعم محدود لكن حاسم
فرنسا زوّدت إسرائيل في المرحلة الأولى بـ 100,000 طلقة لمسدسات رشاشة، إلا أن موقف ماكرون إعلاميًا تغير لاحقًا بوقف التسليح، الأمر الذي لا يمكن التحقق من مصداقيته.
إيطاليا قدمت نحو 2.1 مليون يورو في الربع الأخير من 2023، رغم تأكيدها على التوقف لاحقًا.
المملكة المتحدة زوّدت مكونات لطائرات F-35 تشكل نحو 15% من تصنيعها، وترخص صادرات عسكرية بقيمة مئات الملايين منذ 2015.
بلجيكا وإسبانيا وهولندا أوقفت بعضها صادرات الذخيرة أو أُجبرت على إيقافها بموجب أحكام قضائية.
التورط الدولي في الجريمة الإنسانية
القصف الكثيف والواسع على مناطق سكنية وضربات جوية ضخمة أدت إلى دمار واسع للمباني، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية بالكامل. برنامج الأمم المتحدة للبيئة يُقدر أن القصف الإسرائيلي أنتج حوالي 37 مليون طن من الحطام والمواد الخطرة بحلول أبريل 2024، وتُحدث هذه البيئة خطراً طويل الأمد على الأرض والمياه والصحة.
كما وثقت تقارير حقوقية استخدام الفوسفور الأبيض في أكتوبر 2023، وهو يُعد سلاحًا مثيرًا للحروق وتلوث البيئة ويشكل تهديدًا للصحة العامة.
وكشف تحقيق لـ مجموعة MBDA الأوروبية أنها زوّدت مكونات لصواريخ GBU-39 التي استخدمت في ضرب مدارس وملاجئ للمدنيين، مما أدى إلى مقتل مئات، بينهم أكثر من 100 طفل.
تعرية الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي
لقد أصبحت هذه الحرب ميدانًا عالميًا لتسليط الضوء على الانتهاكات الدولية وجرائم الحرب. الأمم المتحدة تصف الوضع بأنه “مجاعة بلا أدنى شك”، بينما يواصل المجتمع الدولي إدانة إسرائيل بالتخطيط لاجتياح مدني كامل لغزة.
علّقت ألمانيا تصدير الأسلحة إلى إسرائيل اعتبارًا من أغسطس 2025، في مؤشر على أزمة الضمير الدولي.
دول أخرى مثل إسبانيا وبلجيكا والنرويج طالبت بوقف شامل للتعاون العسكري، في إطار دعوات لتعزيز الالتزام بالقانون الدولي.
إضافة إلى ذلك، أدى القصف على مواقع توزيع الإغاثة إلى مقتل نحو 1,400 شخص خلال محاولتهم الحصول على المساعدات، ما يوحي بنمط يعرض المدنيين لقسوة مدمرة حتى في لحظات الحاجة القصوى.
الأسلحة المحرمة دوليًا ومستوى الجرائم
أدوات تدمير جماعي
القنابل الثقيلة مثل MK-84 وGBU-39، بينما ليست محظورة بالكامل، فإن استخدامها في مناطق مدنية يعتبر مخالفًا ملحوظًا للقانون الدولي.
الفوسفور الأبيض، على الرغم من عدم إدراجه ضمن الأسلحة النووية أو الكيميائية، فإن استخدامه دون اتخاذ أقنعة مناسبة على المدنيين يُعد خرقًا لاتفاقية جنيف.
مشاركة الدول الأخرى – شراكات في الفعل
تمدد شبكة الإمدادات العسكرية من "موردين عالميين" حول العالم جعل من الحرب جريمة جماعية تحت رعاية أنظمة لم توقف دعمها حتى اليوم. هذا يُثير أسئلة أخلاقية وقانونية حول مسؤولية هذه الدول عن استخدام هذه الأسلحة في قتل المدنيين والأطفال.
مأساة مستمرة لن تنتهي بانتهاء فصول الإبادة الجماعية في غزة
هذه الحرب ليست مجرد معركة عسكرية؛ إنها فضيحة حقوقية وأزمة عجزت فيها المنظمات الدولية عن حماية المدنيين. الكميات الهائلة من الأسلحة، وشبكة الدول الضالعة في التزويد — مع صمت أو تواطؤ دولي — تُظهر أن هذه الحرب أخذت أبعادًا من العنف المنظم على نطاق ضخم، تجاوز مجرد نزاع إلى حدود الإبادة.
تنتهي الفصول الصادمة من هذه الحرب عندما يتوقف سيل الأسلحة، ويبدأ الاجتياح العسكري الشامل، لكن الأهم هو محاسبة الدولة القائمة بالتعذيب والدفع نحو قوانين تمنع تكرار هذه الجرائم.