لم تعد العلاقة بين الرياض وواشنطن سوى علاقة مصالح تتراكم فيها الخلافات في التوجهات. بل إن مشاكل المنطقة المعقدة جعلت الطرفين يختلفان حتى في الأساليب والأهداف. فعلى الرغم من محاولة الكثيريين من الغيارى على المصالح السعودية الأمريكية المشتركة إبقاء هذا الموضوع طي الكتمان، إلا أن الأحداث السياسية لا سيما برامج المرشحين الأمريكيين وقضية 11 أيلول بالإضافة الى اتهام العديد من المسؤوليين الغربيين للرياض بدعمها الإرهاب، كلها أمورٌ ساهمت في رفع وتيرة الخلاف بين الطرفين. فماذا في تطور العلاقة منذ تأسيس آل سعود؟ وما هو احتمال المسار المستقبلي في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة؟ وكيف شكَّل ملف النفط وتعاظم الصين دوراً في تراجع العلاقة الأمريكية السعودية؟ وما هي دلالات ذلك؟
موجز تطور العلاقات السعودية الأمريكية منذ بدايتها حتى اليوم
- بدأت العلاقة في عهد عبد العزيز مؤسس دولة آل سعود، حيث منحت السعودية حينها العديد من الإمتيازات في التنقيب والبحث عن النفط للشركات النفطية الأمريكية، مقابل تأمين واشنطن لمستقبل الرياض الأمني والسياسي في المنطقة. وهو ما عُرف حينها بمعادلة أو اتفاقية الأمن مقابل النفط. وبقي هذا التعاون قائماً بشكلٍ فاعل حتى العام 2000.
- خلال عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن ونتيجةً لأحداث 11 أيلول ومساعي واشنطن للحرب على الإرهاب كذريعة للتدخل في شؤون الدول، حصلت خلافات دبلوماسية وسياسية لم تظهر للرأي العام العالمي،كانت بسبب تسريب إتهامات لسعوديين بالمشاركة في الهجمات. وهو ما بقي سريَّاً حتى السنة الماضية، حين اشتعلت المعارك الدبلوماسية بين أمريكا والسعودية على خلفية إبرام قانونٍ لمقاضاة السعودية، وهو ما أقرَّ منذ أيام.
- خلال أحداث الربيع العربي ونتيجةً لتداخل المصالح بين السعودية وأمريكا، بانت الكثير من الخلافات فيما يخص مقاربة الأحداث والأزمات. وهو ما بدا واضحاً في كلٍ من العراق ومصر وسوريا، وصولاً الى اليمن. في حين شكَّلت العلاقة مع السعودية مشكلة المشاكل، لإدارة البيت الأبيض الحالية برئاسة أوباما.
- جاء بعد ذلك خضوع الغرب لتعاظم الدور الإيراني عبر توقيع الإتفاق النووي، وهو ما ساهم في غضب كلٍ من الرياض وتل أبيب. خصوصاً لإعتبارهم التوجه الأمريكي تجاه التناغم مع مصالح طهران، أمراً مُهدداً لأمنهم القومي. منذ ذلك الحين بدأت العلاقة الأمريكية بالتصاعد من مرحلة الفتور الى مرحلة الأزمة.
- بعد تصريحات الرئيس الأمريكي تجاه الرياض، وإعلانه فشلها في التصدي لملفات المنطقة، خرجت الأزمة الى العلن، وبدأ تقاذف التهم بين البلدين. فيما عادت أمريكا وأبقت الملف ضمن مرحلة التنسيق مع الرياض لإدارة المصالح المتبادلة، من أجل إبقائها كطرفٍ ضمن السقف الأمريكي. فيما كان من نتائج ذلك، خروج السعودية لإعلان علاقاتها شبه الرسمية مع الكيان الإسرائيلي.
الإدارة الأمريكية الجديدة وعدم القدرة على الرهان عليها
لن تكون الإدراة الأمريكية الجديدة أهلاً للرهان عليها بحسب المراقبين السعوديين. كما أنه يتضح من خلال تصريحات المرشحين، أن المسار الأفضل للعلاقات سيكون عبر المضي قدماً بالمسار الحالي. فيما يخاف المعنيون في ملف العلاقات السعودية الأمريكية، من وصول دونالد ترامب مع القليل من الود الذي يحمله تجاه السعودية، خصوصاً لجهة مطالبته الدائمة بإعادة النظر بالعلاقات معها. كما يبدو واضحاً تفضيل الرياض للمرشحة الديمقراطية كلينتون على الرغم من إعلانها مراراً تأييدها للقرارات الهادفة للكشف عن الحقيقة خلف تفجيرات 11 أيلول، ولو عنى ذلك رفع الحصانة عن دولة مثل السعودية. كل ذلك يجعل المعنيين يجدون في إمكانية جعل واشنطن للرياض، ضحيتها في السياسة الدولية. في حين يبدو واضحاً أن الخروج بقرارٍ إتهاميٍ للرياض في أحداث 11 أيلول، سيؤثر بنتائجه على السوق المالية الإقليمية والدولية للسعودية.
تعاظم الصين ودورها في تراجع العلاقات بين الطرفين
يؤكد خبراء توقعهم بأن تصبح الصين الرائدة على مستوى العالم كأكبر مستورد للنفط خلال العام الحالي 2016. حيث ارتفعت واردات النفط الخام الصينية في الشهرين الأولين من العام الحالي إلى أكثر من 8 ملايين برميل يومياً. وهو ما سيجعلها تتخطى أمريكا لتحتل المركز الأول عالمياً بين المستوردين. وقد أظهرت دراسة اقتصادية حديثة، قامت بها شركة "بريتيش بيتروليوم" البريطانية أن واشنطن ستتخلى تماماً عن اعتمادها على نفط الشرق الأوسط بحلول العام 2030 بسبب توسعها فى إنتاج الغاز الطبيعي محلياً والتي يمكن أن تكفي واشنطن لمئة عام. وهي تنافس الصين في ذلك، لكن مشكلة الصين هي في تكلفة استخراج الوقود الصخري المرتفعة بسبب الطبيعة الجغرافية الصينية. وهو ما جعل الخبراء يعتقدون بأن الصين والهند ستحلان محل أمريكا في استهلاك نفط دول الخليج، بحسب ما نقلت "فايننشال تايمز".
تحليل أبعاد ودلالات العلاقة الحالية
عدة أمور يمكن تسليط الضوء عليها نطرحها كالتالي:
أولاً: إن المعادلات السياسية قائمة على المصالح الإقتصادية. وهو ما جعل العلاقات الأمريكية السعودية في حالةٍ من التراجع، لأسبابٍ تتعلق بإستغناء اقتصاد واشنطن عن حاجته العملية لنفط الرياض. وهو ما لا يعني أن العلاقة بين الطرفين انتهت، لكنها في الحقيقة دخلت مرحلة من مراحل الفتور، الذي بات يحكمه الكثير من المتغيرات السياسية والأمنية، الى جانب التداخل الكبير في المصالح.
ثانياً: إن تراجع الإهتمام الأمريكي بالمنطقة وسعي واشنطن للتخطيط لمستقبلٍ من الدور المتعاظم في منطقة الهادئ، يجعل أسباب الإعتماد الأمريكي على الرياض باطلة. خصوصاً بعد أن باتت سياسات السعودية مشكلة لأمريكا في المنطقة، تحديداً نتيجة فشلها في إدارة الملفات الإقليمية وانطباق صبغة الإرهاب عليها. وهو ما جعل من السعودية ضحية للسياسات الأمريكية في المنطقة.
ثالثاً: أدخلت السعودية نفسها في أزمات كثيرة، جعلتها تظهر كطرفٍ عنصريٍ في التعاطي السياسي. وهو الأمر الذي لا يتفق مع سياسة واشنطن البراغماتية، على الرغم من أنها أصل الإرهاب. في حين تُفضِّل واشنطن دوماً ما تُسميهم الأطراف المعتدلة، والذين تعتمد عليهم في سياستها البراغماتية. لكن سلوك السعودية المُتطرف في العديد من الملفات جعلها بعيدة عن أهلية قيادة الدور الأمريكي في المنطقة. لذلك وجدنا بروز دور الكيان الإسرائيلي، كعرَّاب سياسات واشنطن الإقليمية، وهو ما دفع الى تطور العلاقات بين تل أبيب والرياض.
إذن تعيش الرياض حالة الإحباط الإقليمي والدولي. فيما باتت متهمة بالإرهاب من قبل حليفتها الأساسية. لكن الخبراء ينظرون الى المستقبل السعودي بقلق، في ظل دولةٍ فشلت في سياسات الداخل والخارج، ومع الصديق والعدو. لنقول أن السعودية باتت ضحية علاقتها مع أمريكا. حيث باتت العلاقة بين الرياض وواشنطن: أزمة ثمنها مستقبل السعودية!