الوقت - خلال الأسابيع الماضية، بلغت التوترات الداخلية والخلافات في الأراضي المحتلة ذروتها، في وقتٍ تشهد فيه الحكومة الائتلافية اليمينية بقيادة نتنياهو حالةً من الفوضى العارمة، وقد زاد انسحاب الأحزاب الحريدية من الائتلاف من تعقيد المشهد، ليصبح نتنياهو على رأس حكومة ضعيفة تفتقر إلى الدعم السياسي الكافي.
منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 2022، تحولت الأراضي المحتلة إلى ساحة للصراعات السياسية والتوترات المستمرة بين التيارين اليميني واليساري، وهو مشهد لم يتوقف حتى الآن، وقد أسهمت أحداث وتحولات مختلفة، مثل مشروع “الإصلاحات القضائية”، وهزيمة السابع من أكتوبر، وفضيحة “قطر غيت”، في تعميق هذه الانقسامات، ما أضاف مزيداً من التعقيد إلى المشهد السياسي.
على مدار السنوات الثلاث الماضية، وخصوصاً بعد هزيمة السابع من أكتوبر، بذل بنيامين نتنياهو كل ما في وسعه للحيلولة دون إجراء انتخابات مبكرة، خشية سقوط حكومته، لكن التطورات الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية في الكيان الصهيوني دفعت بعض الخبراء الصهاينة إلى الاعتقاد بأن نتنياهو بات يميل إلى خيار الانتخابات المبكرة، كوسيلة للخروج من الأزمة السياسية الراهنة.
لماذا غيّر نتنياهو موقفه تجاه الانتخابات المبكرة؟
طرح المحللون الصهاينة عدة أسباب دفعت بنيامين نتنياهو إلى التفكير في الذهاب نحو انتخابات مبكرة، يمكن تلخيصها فيما يلي:
منع المزيد من تراجع شعبيته
شهدت السنوات الثلاث الماضية، سواء على الصعيد الداخلي في الأراضي المحتلة أو على الساحة الدولية، تراجعاً ملحوظاً في شعبية نتنياهو، فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن منافسيه، مثل بيني غانتس ونفتالي بينيت، باتوا يحتلون مواقع متقدمة عليه من حيث تأييد الناخبين.
وتشير التقديرات إلى أن استمرار الوضع الراهن، بما يشمله من حرب استنزاف طويلة الأمد، وأزمات اقتصادية متفاقمة، وصراعات سياسية داخلية، سيؤدي إلى مزيد من التراجع في شعبية نتنياهو، لذا، يبدو أن رئيس وزراء الكيان يسعى لاستباق هذا التراجع الحاد بالتوجه نحو انتخابات مبكرة قبل أن يفقد ما تبقى له من دعم سياسي.
الضغوط السياسية الداخلية وهشاشة الائتلاف
يعاني ائتلاف نتنياهو الحاكم في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) من حالة من التشرذم، ولا سيما بعد انسحاب أحزاب دينية مثل “شاس” و"يهودية التوراة الموحدة" (UTJ)، بسبب الخلافات حول قانون إعفاء طلاب المدارس الدينية “يشيفا” من الخدمة العسكرية.
هذا الانسحاب أفقد حكومة نتنياهو أغلبيتها البرلمانية، وحوّلها إلى حكومة أقلية، ما جعل موقفها السياسي هشاً للغاية، وفي ظل هذا الوضع الهش، يجد نتنياهو نفسه أمام خيارين: إما المخاطرة بانهيار حكومته بشكل كامل، أو التوجه نحو انتخابات مبكرة ليحاول تأمين أغلبية أقوى وأكثر استقراراً.
لا تزال الساحة السياسية في الكيان الصهيوني تغلي بالتوترات والانقسامات، ويبدو أن بنيامين نتنياهو يحاول المناورة بكل ما أوتي من حيلة للبقاء في السلطة، فبين تراجع شعبيته داخلياً، وضغوط الائتلاف الهش، وأزمات سياسية متلاحقة، يجد نتنياهو نفسه أمام خيار الانتخابات المبكرة كوسيلة للهرب من المأزق الراهن، آملاً في إعادة ترتيب أوراقه السياسية، وربما استعادة السيطرة على المشهد المتأزم في الأراضي المحتلة.
محاولة إدارة اتهامات الفساد
لا يزال بنيامين نتنياهو يواجه قضايا قانونية تتعلق باتهامات بالفساد المالي، وهي قضايا تُلقي بظلالها الثقيلة على مستقبله السياسي، وفي ظل هذه الظروف، يُدرك نتنياهو أن إجراء انتخابات مبكرة في وقتٍ قد يشهد فيه صعوداً نسبياً في شعبيته، يمكن أن يساعده على تقليل الضغوط القضائية الملقاة على كاهله، بل ربما يُتيح له، في حال تشكيل حكومة أقوى، المضي قُدماً في إصلاحات قضائية تُصاغ بما يخدم مصالحه القانونية ويحمي موقعه السياسي.
الهروب من المحاكمات وتفادي لجنة التحقيق الحكومية
جانب آخر يزيد من تعقيد موقف نتنياهو هو الضغط المتزايد لتشكيل لجنة تحقيق حكومية للنظر في هزيمة السابع من أكتوبر، حتى الآن، نجح نتنياهو وحكومته في عرقلة تشكيل هذه اللجنة، إدراكاً منه بأن إنشاءها قد يعني نهاية مسيرته السياسية بشكل نهائي.
فتاريخياً، كانت لجنة تحقيق حكومية قد أجبرت غولدا مائير، رئيسة وزراء الكيان الصهيوني آنذاك، على التنحي عن السلطة بعد حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973)، حين فوجئ الكيان الصهيوني بهجوم عربي مفاجئ، يخشى نتنياهو أن يلقى المصير ذاته إذا ما تشكّلت لجنة تحقيق مشابهة، لذلك يسعى بكل قوة للحيلولة دون إنشائها.
في هذا السياق، قد تُعتبر الانتخابات المبكرة حلاً مؤقتاً بالنسبة له، إذ يمكن أن تُحوّل الأنظار إلى المعارك الانتخابية وتُؤجل الحديث عن لجنة التحقيق لفترة أطول، ما يمنحه فرصةً لتعزيز موقفه السياسي وحماية نفسه من التداعيات القانونية والسياسية.
استغلال ضعف المنافسين
تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب الليكود لا يزال يتمتع بفرص كبيرة للفوز في حال إجراء انتخابات مبكرة، إذ تبدو الأحزاب المنافسة، مثل حزب بني غانتس أو حزب نفتالي بينيت، غير قادرة على تشكيل ائتلافات قوية بالقدر الكافي، يرى نتنياهو في هذا الوضع فرصةً ذهبيةً لتثبيت موقعه السياسي قبل أن يتمكن خصومه من تعزيز قدراتهم، أو أن تتغير الظروف لصالحهم.
إدارة الأزمات الداخلية والخارجية
لطالما أظهر نتنياهو براعةً في استغلال الأزمات الخارجية لتعزيز مكانته الداخلية. فعلى سبيل المثال، استخدم التوترات مع إيران وحركة حماس في الماضي لصالحه السياسي، ومع استمرار الحرب في غزة والمفاوضات الحساسة بشأن الأسرى، يرى نتنياهو أن إجراء انتخابات مبكرة يمكن أن يكون فرصةً لعرض نفسه كقائد قوي استطاع إدارة الأزمات بمهارة، مما قد يزيد من شعبيته بين الناخبين.
الهروب من تداعيات هزيمة السابع من أكتوبر
الهزيمة التي مُني بها الكيان الصهيوني في السابع من أكتوبر، لا تزال تُشكّل محوراً للانتقادات واسعة الموجهة لنتنياهو داخل الأراضي المحتلة، ويتخوف رئيس الوزراء من أن اقتراب الذكرى السنوية لهذه الهزيمة في الـ 27 من أكتوبر 2026، وما يصاحبها من تصاعد الغضب الشعبي، قد يُقلل من فرصه في تحقيق أي انتصار انتخابي، وخاصةً أن موعد الانتخابات العامة الأصلية يُفترض أن يكون قريباً من هذه الذكرى.
لذلك، يسعى نتنياهو إلى تقديم موعد الانتخابات، بحيث تُجرى قبل الذكرى السنوية للهزيمة، لتجنّب التأثير السلبي لهذه المناسبة على فرصه في كسب تأييد الناخبين.
يبدو أن نتنياهو، مدفوعاً بعدة عوامل، يميل إلى خيار الانتخابات المبكرة، فمن جهة، يريد استغلال الظروف الحالية التي يعتبرها مواتيةً لتعزيز موقعه، ومن جهة أخرى، يسعى للهرب من المخاطر التي تلوح في الأفق، مثل تشكيل لجنة التحقيق الحكومية أو استمرار تراجع شعبيته.
ومع ذلك، فإن هذا القرار ينطوي على مخاطر كبيرة، وخاصةً في ظل السخط الشعبي المتزايد على أدائه، سواء فيما يتعلق بمعالجة قضية الأسرى أو في مواجهة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة، وعلى الرغم من محاولاته المستمرة للسيطرة على المشهد السياسي، إلا أن تصاعد حالة الاستياء العام قد يجعل من الانتخابات المبكرة مغامرةً محفوفةً بالتحديات، قد تُفضي إلى نتائج غير متوقعة بالنسبة لنتنياهو وحکومته.