الوقت- في زمنٍ تُرفع فيه شعارات حقوق الإنسان والقانون الدولي كراياتٍ جوفاء، تُخنق غزة حتى الموت، ويُساق أكثر من مليونَي إنسان نحو المجاعة بتخطيط ممنهج من كيان الاحتلال الإسرائيلي، ما يحدث ليس مجرد أزمة إنسانية، بل جريمة إبادة مكتملة الأركان، ينفذها الاحتلال بلا رحمة، والعالم يتفرّج كأنه لا يرى، لا يسمع، لا يجرؤ.
الموت جوعاً... أداة الاحتلال الجديدة
القيادي في حركة حماس، عبد الرحمن شديد، دق ناقوس الخطر معلنًا دخول غزة رسميًا في "مرحلة المجاعة الكاملة"، لا حديث اليوم عن نقص الغذاء فحسب، بل عن موت جماعي بطيء يفتك بالأطفال الرضع، بالنساء، بالمرضى، بالشيوخ، لم تعد الطائرات وحدها هي أدوات القتل، بل أصبح الحليب ممنوعًا، والدواء جريمة، والخبز ترفًا، الاحتلال يقصف بأنيابه، ثم يحاصر حتى آخر لقمة.
الجوع كسلاح... حرب قذرة بأدوات غير تقليدية
قالها شديد بصراحة: الجوع سلاحٌ يستخدمه الاحتلال بوعي وتخطيط، ضمن سياسة كسر إرادة الشعب الفلسطيني وإخضاعه بالإذلال والتجويع، ما يحدث لا يحتاج إلى توصيف سياسي؛ إنه جريمة حرب، بل جريمة ضد الإنسانية، الاحتلال لا يقتل فقط، بل يعاقب الفلسطيني على تنفّسه، على صموده، على حقه في الحياة، هل يُعقل أن يُمنع الغذاء عن أكثر من مليون طفل؟ هل صار الحليب للرضع خطرًا أمنيًا؟ أي عار هذا الذي يعيشه العالم المتحضر؟ أين هي اتفاقيات جنيف؟ أين الأمم المتحدة التي تحصي الضحايا بالأرقام دون أن تحرّك ساكنًا؟
المجتمع الدولي... شريك في الجريمة
لم يعد الصمت الدولي مجرد تخاذل، بل أصبح شراكة معلنة في الإبادة، الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا تكتفي بدعم الاحتلال، بل تمنحه الغطاء السياسي والسلاح والوقت لقتل شعب بأكمله، أما أوروبا، فمعظمها يقف في صف القاتل، ويبيع له أدوات الموت، ويكتفي بتصريحات هزيلة جوفاء لا تُسمن ولا تُغني من جوع، استثناءات قليلة فقط، كإسبانيا، كسرت هذا الصمت، لكنها تبقى أصواتًا خافتة في بحرٍ من النفاق الدولي.
المقاومة عنوان الكرامة... والاحتلال في مأزق
رغم الجوع، رغم الحصار، رغم الغارات والمجازر، لا تزال المقاومة الفلسطينية شامخة، تتحدى آلة القتل، وتُربك حسابات العدو، كتائب القسام تقود معركة استنزاف تاريخية، حوّلت غزة إلى كابوس مفتوح أمام جنرالات الاحتلال، المعركة ليست فقط في الميدان العسكري، بل في صلابة شعب يرفض أن يُهزَم، يُجَوّع، يُهان.
الضفة والقدس... نارٌ تحت الرماد، العرب... شركاء بالصمت أو بالتطبيع
العدوان لا يقتصر على غزة؛ الضفة الغربية والقدس تعيشان تحت القبضة ذاتها، اقتحامات يومية، تهجير قسري، تدمير ممنهج، واعتقالات بالجملة، إنها سياسة الأرض المحروقة نفسها، تنفذها "إسرائيل" على مرأى من العالم، ضمن مشروع إحلالي يريد اقتلاع الإنسان الفلسطيني من جذوره، أين العرب؟ سؤال مخزٍ تُجيب عنه الرايات الإسرائيلية المرفوعة في بعض العواصم العربية، لا يكفي أن تصمت الأنظمة، بل بعضها اختار أن يضع يده في يد القاتل، قالها شديد بمرارة: كيف لراية الاحتلال أن ترفرف في أرضٍ عربية، بينما تُذبح غزة؟ هذا خزيٌ لا يُمحى، وتاريخ لا يرحم، آن الأوان ليُسحب الغطاء عن هذا النفاق، آن الأوان لموقف عربي صريح، حقيقي، لا يُداهن ولا يُساوم.
الكرة في ملعب الاحتلال... والمقاومة جاهزة للمعركة السياسية
حركة حماس لا تهرب من المسؤولية، ولا تتهرّب من المبادرات، على العكس، أكدت استعدادها لصفقة تبادل مشرفة، مشروطة بوقف العدوان ورفع الحصار، هذه المقاومة تقاتل من أجل حياة شعبها، لا من أجل الدم فقط، لكنها لن تقبل بأن تُفرَض عليها شروط الاحتلال، ولن تتنازل عن كرامة غزة.
الإعلام الغربي وتحييد الضمير عبر صناعة الرواية
إن الدور الذي يلعبه الإعلام الغربي في سياق العدوان الإسرائيلي على غزة لا يمكن فهمه بمعزل عن بنيته السياسية والأيديولوجية، فمنذ عقود، يتموضع الإعلام الغربي – ولا سيما الأمريكي والبريطاني – داخل منظومة خطابية تبرّر أفعال الاحتلال عبر ما يُعرف بـ"الإطار الأمني"، الذي يقدّم "إسرائيل" كفاعل عقلاني يدافع عن "وجوده"، في مقابل تصوير الفلسطيني على أنه تهديد مستمر.
هذا الإطار لا ينشأ من فراغ، بل يرتكز إلى تحالف استراتيجي بين قوى الهيمنة الغربية ومصالح "إسرائيل" الأمنية والسياسية، وهنا يصبح الإعلام أداة لإعادة إنتاج السردية الصهيونية، لا ناقلًا محايدًا للوقائع، ولعل أبرز ملامح هذا الانحياز تتجلى في لغة التعمية المستخدمة عند الحديث عن جرائم الاحتلال (مثل: "تبادل إطلاق نار"، "أضرار جانبية"، "اشتباكات")، ما يفرّغ الجريمة من محتواها الأخلاقي والقانوني.
من الناحية العملية، يسهم هذا التحيز في تغييب الضغط الشعبي الغربي على حكوماته، ويضعف أي إمكان لحشد دولي حقيقي لوقف العدوان أو مساءلة "إسرائيل"، ومن ثم، فإن الإعلام الغربي لا يصمت فقط، بل يُعيد تشكيل الوعي العام ليقبَل بالتطبيع مع الجريمة باعتبارها "ضرورة أمنية"، ما يجري، إذًا، ليس مجرد فشل إعلامي، بل تواطؤ بنيوي في إبقاء الاحتلال خارج دائرة المحاسبة، ما يجعل تفكيك هذه الرواية ضرورة ملحّة لأي فعل تضامني فاعل.
الأطفال في غزة كضحايا مركزيين لسياسة الإبادة البطيئة
يُعدّ استهداف الأطفال في قطاع غزة أحد المكونات البنيوية في استراتيجية الاحتلال، لا نتيجة عارضة للحرب، إن تحليل الظاهرة يكشف عن أن الأطفال يُعاملون كأدوات ضغط غير معلن في الحرب النفسية والديموغرافية ضد الفلسطينيين، فبينما تشير المعاهدات الدولية – ولا سيما اتفاقية حقوق الطفل – إلى ضرورة حماية الأطفال أثناء النزاعات، فإن "إسرائيل" تتعمد، وفق الوقائع، تقويض ذلك، من خلال منع الغذاء والدواء والتعليم والحماية.
من منظور استراتيجي، يعكس هذا الاستهداف رغبة الاحتلال في تفكيك البنية المجتمعية الفلسطينية عبر ضرب الفئة الأكثر هشاشة والأكثر رمزية للمستقبل، المجاعة الحادة وسوء التغذية بين الأطفال ليست نتيجة طبيعية للحرب، بل مظهر من مظاهر سياسة "القتل البطيء"، التي تكمّل الحرب المباشرة عبر خلق بيئة معيشية تؤدي إلى الانهيار التدريجي للجسم الاجتماعي الفلسطيني، كما أن هذا الاستهداف المتعمد يسهم في خلق ذاكرة جماعية مشبعة بالصدمة والحرمان، ما يرسّخ النزاع ويمنع التعافي المجتمعي حتى بعد توقف العمليات العسكرية، الأطفال لا يخرجون من هذه الحرب كضحايا فقط، بل كأجيال محمّلة بآثار نفسية وصحية طويلة الأمد، ما يُعيد إنتاج الصراع عبر الأجيال، من هنا، فإن ما يحدث للأطفال في غزة ليس مجرد كارثة إنسانية، بل هو جزء من استراتيجية إبادة مدروسة، تستهدف الحاضر والمستقبل الفلسطيني في آن.
في النهاية، ما يحدث في غزة اليوم ليس مجرد عدوان، بل انكشافٌ عارم لحقيقة النظام العالمي: نظام يكيل بمكيالين، يشرعن القتل متى خدم مصالحه، ويصمّ آذانه متى صرخ الضحايا خارج دوائره، المجاعة التي تُفتك بمليونَي إنسان، القصف الذي يحصد الأطفال، والحصار الذي يخنق الحياة، ليست تفاصيل عابرة في نشرات الأخبار، بل جرائم إبادة تُرتكب مع سبق الإصرار، تحت حماية كاملة من القوى الكبرى، وبتواطؤ دولي يفضح كل شعارات "الحرية والعدالة وحقوق الإنسان"، إن العالم الذي صمت أمام تجويع الأطفال، ومنع الدواء، ودفن العائلات تحت الأنقاض، قد خسر شرعيته الأخلاقية، كل دولة تواطأت، كل إعلام سوّق رواية القاتل، كل مسؤول اكتفى بالإدانة الباردة، هو شريك في هذه المجازر، أما الأنظمة العربية التي اختارت التطبيع بدل الوقوف مع غزة، فعارها مضاعف، وخيانتها موثّقة في ذاكرة الشعوب، لكن في وجه هذه الوحشية، تبقى غزة واقفة، لا الجوع كسرها، ولا القصف أخضعها، ولا الحصار أطفأ نبضها، غزة اليوم تُحاكم العالم، وتفضح ضعفه، وتُعلن بالصمود أن الكرامة لا تُجوع، وأن المقاومة ليست خيارًا، بل قدر الأحرار، فليعلم الجميع غزة لن تسقط و لن تنحني، ومن يراهن على انكسارها، فهو واهم.