الوقت- في عام 2015، عندما خططت حكومة الكيان الصهيوني لتنفيذ مخطط تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا، أسست العملية الاستشهادية لشاب فلسطيني أسلوبًا جديدًا للعملية الاستشهادية هزت الأسس الأمنية للكيان الصهيوني.
استهدف "مهند الحلبي" 20 عاماً من مواليد مدينة رام الله بالضفة الغربية، 5 صهاينة في عملية استشهادية في "باب الأسباط" بالمنطقة القديمة بمدينة القدس، ما أسفر عن مقتل 2 وإصابة 3 آخرين بجروح متفاوتة.
وهذا التصرف الذي قام به "مهند شفيق محمد الحلبي" في الوقت الذي كان المستوطنون المتطرفون يستعدون فيه لتقسيم المسجد الأقصى زمانا ومكانا- سرعان ما انتشر بين الشباب الفلسطيني، وأصبح أسلوبا شائعا في مواجهة المحتلين، وعنوانها "انتفاضة السكاكين" و"ثورة السكاكين" و"الانتفاضة الخامسة"، لكن مع مرور الوقت سميت باسم "العملية الفردية"، وكان تطور العمليات الفردية مرعباً للصهاينة لدرجة أنه أجبر "نتنياهو" على سحب خطة تقسيم المسجد الأقصى زماناً ومكاناً وتأجيل تنفيذها إلى أجل غير محدد.
خصائص العمليات الفردية
وكانت أعمال المقاومة، التي كانت تسمى بالعمليات الاستشهادية أو في بعض الأحيان العمليات الانتحارية، قبل بدء العمليات الفردية، تختلف بشكل كبير عن العمليات الفردية، والحقيقة أن العملية الفردية، التي كانت نمط العمل المقاوم الفلسطيني لمدة 3 سنوات، وخاصة في الضفة الغربية والقدس، كان لها ميزات خاصة ميزتها عن غيرها من أعمال المقاومة التي نفذت في الماضي:
1. فردية العمليات
وكما يمكن فهم اسم "العملية الفردية"، فإن هذا النوع من العمليات يتم تصميمه وتنفيذه بواسطة شخص أو أكثر من دون تنظيم من هيكل عسكري وعملياتي، غالباً ما يكون منفذ العملية هو المصمم وليس لأي شخص آخر أي تدخل في التخطيط لها، وإذا كان هناك تدخل أو تعاون من شخص آخر في هذه العملية، فإنه يكون من دون مشاركة أي هيئة أو تنظيم عسكري أو مقاوم، ويتم ذلك في حدود التعاون مع صديق.
2. استخدام الأدوات الأساسية
في العمليات الفردية، يتم تنفيذ العمليات بشكل رئيسي باستخدام الأدوات المتاحة، وتعتبر السكاكين والأسلحة الخفيفة غير المنظمة والمطاردات بالسيارات من أهم أدوات وأساليب هذه العملية، والحقيقة هي استخدام التنظيم أو الأسلحة الثقيلة أو القصف بالقنابل القوية.
3. التنفيذ دون تخطيط
العمليات الفردية عادة لا تحتوي على خطط معقدة ومتعددة الطبقات، وعادة ما يتم تنفيذها في ذهن مشغل العملية المخطط لها، وقام بعض المشغلين الأفراد بتنفيذ عمليات باستخدام سكاكين محلية الصنع أثناء المرور عبر نقاط التفتيش وحواجز الكيان الصهيوني، بطريقة طبيعية، أثناء الحركة الطبيعية في مكان معين، أو بعض العمليات التي تم التخطيط لها، والتخطيط لتنفيذ عمليات في لحظة محددة، وتكون خالية تمامًا من سيطرة قوات الاحتلال أو جمع المعلومات.
4. عدم استمرارية النزاع وشهادة القائم بالعملية
"العمليات الفردية" بسبب نقص الدعم والتخطيط متعدد الطبقات، في الدقائق الأولى من تنفيذ العملية، حتى يتخذ الشخص أو الأشخاص إجراءً ضد المنفذ، وتنتهي بشهادة المنفذ، الصراع في هذه العملية ليس طويلا جدا ومن النادر أن ينجو المنفذ أو المنفذون.
لقد أدت مجموع الميزات المذكورة أعلاه في هذا النوع من العمليات إلى جعل هذه العملية غير متوقعة وغير قابلة للاكتشاف، ولا تترك أي أثر وراءها، وهذه الخاصية للعمليات الفردية جعلت الأجهزة الأمنية للكيان الصهيوني غير قادرة على التعامل معها، ولا يزال الصهاينة يتخوفون من تطور العمليات الفردية، وقد أثار تزايدها في الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة قلقهم.
واقع العمليات الفردية خلال "طوفان الأقصى"
ويظهر التقرير الذي قدمه مركز الأبحاث الأردني "إستراتيجيات" بشأن العملية الفردية أن العملية الفردية أصبحت عملية موازية إلى جانب حرب غزة، بحيث يغطي جغرافية واسعة من الضفة الغربية ومدن فلسطين، وذلك على الرغم من أن الكيان الصهيوني ينفذ العديد من الهجمات العسكرية والأمنية الوقائية بشكل يومي ويقوم باعتقالات واسعة في هذه المناطق، ومع تطور استخدام الطائرات دون طيار، نفذ العديد من الاغتيالات ضد المجموعات الفلسطينية المسلحة في شمال الضفة الغربية.
منذ بداية عملية "عاصفة الأقصى" في قطاع غزة في ال 7 من أكتوبر 2023 وحتى ال 19 من أغسطس 2024، تم تسجيل 37 عملية فردية، وشمل هذا العدد من العمليات 17 عملية إطلاق نار بالأسلحة النارية، و12 عملية بالسكاكين، و5 عمليات تقويض، و3 عمليات مشتركة (استخدام أداتين).
وشهد شهر مارس 2024 أعلى عدد من العمليات الفردية بواقع 6 عمليات، وبعد ذلك، شهد شهري نوفمبر وديسمبر 2023 وأبريل 2024 5 عمليات فردية، وفي شهري مايو ويونيو 2024، حدثت أقل العمليات الفردية، أي عملية واحدة لكل منهما.
وتم تنفيذ إجمالي العمليات في 37 موقعًا جغرافيًا، 27 منها في الضفة الغربية والقدس، و10 في مدن صهيونية، وأسفرت العمليات المذكورة عن مقتل 24 صهيونيًا وإصابة ما لا يقل عن 103 آخرين، معظم العمليات جرت في القدس (9 عمليات)، وبعد ذلك جرت 4 عمليات وسط الضفة الغربية وضواحي مدينة رام الله.
ومن حيث التوزيع الجغرافي، فإن العمليات الفردية موزعة بالتساوي في جميع أنحاء الضفة الغربية، وكانت هناك 5 عمليات في شمال الضفة الغربية في نابلس وجنين، و4 عمليات في قلقيلية بالضفة الغربية، وعمليتان في الخليل وبيت لحم في الضفة الجنوبية، و3 عمليات في أريحا وأغوارها الشمالية.
داخل الأراضي المحتلة، كانت هناك عمليتان في كل من تل أبيب وحيفا وأشدود، وعملية واحدة في كل من بئر الصباح وجنوب النقب والرملة والكرميئيل.
ويقول هذا التقرير إن الحرب في قطاع غزة لم تكن عاملا أساسيا في تطور العمليات الفردية، ولكنها تأثرت بها، وبما يتناسب مع استمرار الحرب في قطاع غزة، استمرت العمليات الفردية أيضا.
وما تظهره البيانات أعلاه هو أن العمليات الفردية تطورت بما يتناسب مع استمرار هجمات الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، رغم أن الحرب في غزة لم تكن عاملا رئيسيا في مسارها، والنقطة الثانية هي أن العملية الفردية هي قرار الشخص، لذلك يصعب التنبؤ بها والتعامل معها.
وبهذا المعنى فإن التهديد الذي تشكله على الصهاينة أكبر بكثير من الهجمات التي تنظمها الجماعات الفلسطينية، ولهذا السبب، هناك احتمال أنه مع وصول الصهاينة إلى طريق مسدود في غزة والضغط المستمر على سكان الضفة الغربية، وسيشكل هذا النوع من العمليات مشكلة يحذر جهاز أمن الكيان الصهيوني بشدة من حدوثها، وخاصة في الأشهر الأخيرة، حيث تزايد هذا التحذير من أن حدوث انتفاضة في الضفة الغربية أصبح أكثر احتمالا من ذي قبل.