الوقت - صوّت 14 من أصل 15 عضواً في مجلس الأمن، لمصلحة مشروع القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في غزة، وهکذا، من المتوقع أن يتغير كل شيء في غزة على المدى القصير، ومن خلال المرور بعملية من ثلاث مراحل، سنشهد نهاية جرائم الصهاينة واسعة النطاق.
ولكن المشكلة هي: هل الکيان الصهيوني مستعد للانصياع لطلب النظام الدولي أم لا؟ لأن الأدلة تشير إلى أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، قام بأكبر مقامرة في حياته السياسية خلال الـ 8 أشهر الأخيرة وبعد عملية طوفان الأقصى، ولم يحصل على أي نتائج!
حتى الآن، لم يوضح بنيامين نتنياهو ما إذا كان على استعداد لتطبيق شروط وقف إطلاق النار بشكل كامل أم لا، وتأتي أهمية هذا الأمر بعد أن استقال عضوان في حكومة الحرب وعضو واحد في حكومة الکيان الائتلافية مؤخراً، احتجاجاً على عدم فعالية سياسات نتنياهو.
ويواجه الکيان الإسرائيلي فعلياً أزمةً سياسيةً، ووفقاً لمحللين سياسيين صهاينة، حيث يواجه نتنياهو الآن فشلاً متعدد الأبعاد، ليس فقط في ساحة المعركة ضد الفلسطينيين، ولكن أيضاً في مجالات أخرى.
ما الذي تغيّر بالنسبة لأمريكا؟
لنتذكر أنه في شهر رمضان المبارك، أثناء الموافقة على القرار 2728، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، وعلى الرغم من 14 صوتًا مؤيدًا، رفض ممثل الولايات المتحدة أن يطلب من الکيان الصهيوني قبول وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
والسؤال هو: ما الذي تغيّر في هذه الأثناء حتى تبادر الولايات المتحدة إلى تنفيذ وقف إطلاق النار؟ في الإجابة على ذلك، لا بد من النظر في بعض العوامل المهمة والفعالة، التي تظهر خيبة أمل أمريكا من وعود نتنياهو بالانتصار في المعركة غير المتكافئة في غزة.
في هذه المعركة، يقصف الجيش الصهيوني المدن والمنازل الفلسطينية بأحدث الأسلحة والذخائر الأمريكية، بحجة القضاء على عناصر حماس في هذه الهجمات، وعلى الجانب الآخر، هناك شعب مظلوم قدّم حتى الآن أكثر من 37 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال الفلسطينيين العزل، وحجم أعمال العنف الهائلة جعل حتى أعضاء حكومة الحرب يدركون سخافة سيناريو نتنياهو.
وفي الوقت نفسه، جلب الاحتجاج ضد العنف غير المسبوق للکيان الصهيوني، الطلاب الأمريكيين ومئات الآلاف من المواطنين الأمريكيين إلى الميدان، وخلص فريق جو بايدن، في تقييماته السياسية والاجتماعية إلى أن الهجمات العمياء والعبثية للجيش بأمر نتنياهو، ستخلق متاعب للبيت الأبيض أيضاً.
إن مراجعة أحداث الأشهر القليلة الماضية، وتقييم نتائج الزيارات الـ 8 التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، يظهر حقيقة أنه خلال هذه الفترة؛ ما تغيّر هو مقدار الأمل الأمريكي في نتنياهو وخوف جو بايدن من نتيجة الحرب، وبعبارة أدق، فإن محاولة إعلان وقف إطلاق النار لم تكن من منطلق التعاطف والقلق على حقوق الإنسان، بل بسبب الهزيمة الفعلية في حرب غزة.
اللهجة المنحازة للسفيرة الأمريكية
رغم أن خطة وقف إطلاق النار الفوري قدّمها فريق جو بايدن، إلا أن كلام السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، أظهر أن واشنطن لا تزال قلقةً بشأن الکيان الصهيوني.
حيث لم تخف ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، لهجتها المنحازة، حين قالت: "هذا القرار هو رسالة واضحة وقوية وموحدة للغاية إلى حماس، إنهم سيقبلون الاتفاق الذي طرحناه على الطاولة، وينهون هذه الحرب على الفور".
وأضافت غرينفيلد: "نطلب منهم قبول الاتفاق وإطلاق سراح الرهائن، وفي هذه الحالة، سيتدفق المزيد من المساعدات إلى الفلسطينيين، وسيستمر وقف إطلاق النار طالما استمرت المفاوضات".
ما الذي يخاف منه نتنياهو؟
ليس من المبالغة القول إنه في الوضع الحالي، لا يوجد سياسي في العالم يتعرض لضغوط مثل بنيامين نتنياهو، ويخاف من السقوط مثله.
وكان نتنياهو الذي كان على وشك السقوط حتى قبل طوفان الأقصى، قد واجه اتهامات مالية واسعة وشبهة مرض عقلي وتلويث جهاز الأمن الصهيوني بالفساد المالي، ولكن في الأشهر الثمانية الأخيرة، ومن خلال ارتكابه أفظع جرائم العنف ضد الفلسطينيين، نقل للصهاينة مرارة وسواد الهزيمة الواسعة ومتعددة الأبعاد.
ولذلك، فإن نفس المسؤولين العسكريين والسياسيين الذين استقالوا وانسحبوا في الأيام الماضية، لديهم فرصة كبيرة للفوز في الانتخابات المقبلة، وسيتم استبعاد نتنياهو باعتباره سياسياً فاشلاً.
لكن هذا لا يعني بداية موسم راحته، لأن نشطاء حقوق الإنسان أعدوا أنفسهم للمطالبة على نطاق واسع بمتابعة قضية محاكمة نتنياهو، وليس من المستبعد أن يری نفسه حتى خلف القضبان.
ما هي تحديات وقف إطلاق النار؟
كما ذكرنا، فإن خطة وقف إطلاق النار في غزة، والتي تمت الموافقة عليها بالتصويت الحاسم لـ 14 عضواً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هي في الواقع نص مقترح أعدّه وقدّمه فريق جو بايدن.
والغرض من هذه الخطة، هو إعلان وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وبدء عملية إعادة بناء غزة، لكن حتى المحللين الأمريكيين يعترفون بأن خطة بايدن فيها الكثير من العيوب والتساؤلات والتحديات.
وكتب روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن، عن خطة بايدن: "اقتراح بايدن المكون من ثلاث خطوات واعد، ولكنه مثير للجدل إلى حد كبير، حيث تثير شروط الاقتراح والعاصفة السياسية التي تلت ذلك العديد من التساؤلات".
وأضاف: "أحد التحديات التي تواجه اقتراح بايدن لإنهاء الصراع، هو أنه غير متأكد من الخطوات التالية لحماس، ويأمل فقط أن تتمكن قطر ومصر من لعب دور فعال".
وتابع: "وفيما يتعلق بإسرائيل، لا بد لي من القول إنها تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، سواء من حيث تلقي مساعدات الأسلحة أو من حيث الدعم الدبلوماسي، وهذا في حد ذاته يشكّل أداة ضغط لأمريكا علی إسرائيل، ولم تتمكن خطة بايدن من إشراك دول أخرى كعناصر فاعلة في هذه القضية، واعتبرت الدور الرئيسي لأمريكا نفسها فقط".
بالنظر إلى السلوك السابق لنتنياهو والجيش تحت قيادته في الأشهر الأخيرة، يبدو أنه ليس من الصعب تنفيذ المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار، وهي المساعدة في تبادل الأسرى، لكن الخروج من غزة والانسحاب الكامل للقوات الصهيونية من القطاع، هو إجراء يخاف منه نتنياهو ويعتبره تأكيداً لفشله الكبير.
وإن ما أسمته أمريكا بالوقف الدائم للأعمال العدائية، لم يردّ عليه الصهاينة بعد، ونتيجةً لذلك، لا يمكن قول أي شيء عن المرحلة الثالثة، وهي المنظور طويل الأمد لخطة إعادة إعمار غزة متعددة السنوات.
على أي حال، في الوضع الحالي، فإن وقف الهجمات الإسرائيلية الهمجية يصبّ في مصلحة الفلسطينيين، وسيكون انسحاب الصهاينة من غزة، نقطة تحول في إظهار الإخفاقات الفادحة لهذا الکيان في العقود الأخيرة.