الوقت_ مؤخراً، أشار أمين لجنة الإعلام بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي أحمد سعد، إلى رفع الحجب عن موقع "درب" التابع للحزب والذي استمر لنحو ثلاث سنوات، ورحّب رئيس الحزب مدحت الزاهد برفع القيود عن الموقع الإخباري الناطق بلسان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، متمنيًا أن يكون إجراء مستمرًا، ويليه خطوات أخرى بإتاحة كل المواقع المحجوبة، لتكون دلالة قوية على الرغبة الجادة والحقيقية في انتهاج نمط مختلف يُعلي من قيمة حرية التعبير ويدعم الشأن الصحفي حسب مواقع إخباريّة، في وقت تتهم فيه الحكومة المصرية داخليّاً بأنّها تقيّد الصحافة وتوجه تهماً جنائية ضد صحفيين باستخدام المحاكم المصرية لخنق حرية الصحافة والصحافة المستقلة، وتعتبر مصر كأغلب دول المنطقة ارتكابا لانتهاكات جسيمة في حقوق الإنسان، بما في ذلك حق الحياة وخاصة من ناحية التعرض للصحافة والصحفيين.
ترحيب نقابيّ
تعاني دول "العالم الثالث "من ضعف شديد لحقوق الإنسان فيها، ورغم انضمام الكثير من تلك الدول للمعاهدات الدوليّة، إلا أنّ ذلك يعتبر انضماماً شكليّاً ولا يتم العمل ببنود تلك المعاهدات، وتعاني مصر باعتبارها من تلك الدول من هذه الانتهاكات بالأخص منذ وصول نظام السيسي للحكم عام 2013، لاستخدامه كل أساليب قمع المعارضة وإسكات جميع أطيافها، وهو معروف بسجن الآلاف من المعتقلين السياسيين وبالأخص الصحفيين.
ورحبت نقابة الصحفيين برئاسة خالد البلشي، بقرار إخلاء سبيل الصحفيين رؤوف عبيد وهشام عبد العزيز، ورفع الحَجب عن موقع «درب»، وقد تعهد البلشي خلال حملته الانتخابية بتحسين أوضاع الصحفيين والعمل على الإفراج عن صحفيين محبوسين بتهم من بينها نشر أخبار كاذبة، وهي تهمة يقول حقوقيون إنها تستخدم ذريعة لاستهداف منتقدي سياسات الحكومة المصرية من الصحفيين وغيرهم، وثمَّن نقيب الصحفيين القرارات الأخيرة، معبّرًا عن أمله أن يكون مقدمةً لإخلاء سبيل بقية الصحفيين المحبوسين ورفع الحَجب عن باقي المواقع المحجوبة، والتي تعد ضمن مطالب النقابة لإطلاق الحريات الصحفية وتطوير التشريعات المنظِّمة للعمل الصحفي التي سيتم تقديمها للحوار الوطني، وفقاً لوسائل إعلام مصريّة.
وقبل ساعات من انطلاق الحوار الوطني تأمل لجنة الحريات أن يكون من بين نتائجه الإفراج عن باقي الصحفيين المحبوسين ورفع الحَجب عن كل المواقع الصحفية، وإنهاء ملف الحبس الاحتياطي المطوّل، وكذلك إصدار قانون منع الحبس في قضايا النشر ضمن حزمة من التشريعات المكمِّلة للدستور والمنظمة للعمل الصحفي وفي مقدمتها قانون حرية تداول المعلومات، والمثير في الأمر أنّ السلطات المصرية سبق وحققت مع البلشي بنفس التهمة بعد بلاغات ضده بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن النيابة العامة أخلت سبيله بعد تحقيق أجرته معه العام الفائت، وتنفي القاهرة وجود سجناء رأي وتقول إن هؤلاء الصحفيين محبوسون في قضايا جنائية، وتزعم الحكومة أنها لا تتدخل في عمل القضاء، رغم أنّ البلشي الذي يرفع شعار “بأصواتكم نفاوض على حقوق مستحقة للصحفيين، وحريات لا يسلبها منا قرار ولا يخصم من رصيدها متغير"، ترأس تحرير موقع درب الإلكتروني الذي كان واحدا من عشرات المواقع التي طالها الحجب الحكومي داخل مصر في 2020.
وكان خالد البلشي نقيب الصحفيين قد أخطر الحزب عقب انتخابه باعتذاره عن منصب رئيس تحرير الموقع، كما أشارت وسائل إعلام محليّة، مبديا رغبته في التفرغ بشكل كامل للعمل النقابي مع استمراره مستشارًا لتحرير موقع “درب”، تاركا الأمر للحزب لاختيار بديل له، ويتهم النظام السياسي في مصر بسياسة الانتهاك فيما يتعلق بحقوق الإنسان، باعتباره ارتكب أكبر مجزرة للمحتجين في التاريخ الحديث، كما تقول منظمات حقوق الإنسان، ومنع الاحتجاجات عامّة، وحجب مئات المواقع الإخبارية والمنظمات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، وسجن عشرات الآلاف في بعد سيطرته على الحكم، وأمر بحملات قمعيّة واسعة النطاق، ووصفه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بشكل صريح بـ "الدكتاتور المفضل".
صحافة مخنوقة
إنّ الصحافة المصريّة لا يمكن وصفها إلا بأنّها "ضحافة مخنوقة" في ظل تراجع حقوق الإنسان تحت حكم السيسي، واستمرار قانون التظاهر الاستبداديّ وحملات الاعتقال الواسعة للناشطين السياسيين ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكريّة، وتستمر المحاكم المصرية بالحكم على الصحفيين والناشطين بتهمة "نشر أخبار كاذبة تنال من الأمن القوميّ" لسنوات طويلة، بالتزامن مع القلق الدوليّ العارم من انتهاك الحريات في مصر وبالأخص مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فيما تلجأ الحكومة المصرية إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى، دون أي اعتبار للرسائل التي وجهتها دول ومنظمات للسلطات المصرية مفادها بأنّه "لا يمكن غضَ الطرف بعد الآن عن حملات النظام المصريّ لسحق المعارضة السلميّة"، حيث استمرت السلطات المصرية باتخاذ الإجراءات التي تناقض القانون الدولي، وأبقت على الآلاف من الرجال والنساء المحتجزين بشكل تعسفي داخل سجونها وعلى وجه التحديد الصحفيين، ولم تقدم أي حماية للمحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وواصلت بشكل خطير قمع النشاط السلمي في البلاد.
وإضافة إلى ذلك، ظلّت ظروف الاحتجاز في السجون المصريّة قاسية وغير إنسانيّة، وحُرم السجناء من الرعاية الصحية الكافية، ما تسبب أو أسهم في وفاة ما لا يقل عن العشرات منهم في السجون أو بعيد إطلاق سراحهم بوقت وجيز، كما انتُهكت ضمانات المحاكمات العادلة بشكل متكرر، وصدرت أحكام بالإعدام، ونُفِّذت بعض الإعدامات، وحُوكمت نساء وفتيات استناداً إلى تهم باطلة تتعلق بما تسميها السلطات "الآداب العامة" تتعلق بطريقة لباسهن أو تصرفاتهن أو طريقة كسبهن المال عن طريق الإنترنت، وقُبض تعسفياً على عشرات العمال وحُوكموا بسبب ممارسة حقهم الطبيعيّ في الإضراب، وأُخلي عدد من سكان المناطق العشوائيّة قسراً من مساكنهم، واعتقلت السلطات بعض الأقليات الدينيّة وحاكمتهم بتهمة "ازدراء الأديان"، في تعامل عنصريّ لا مثيل له.
أيضاً، تعرض الكثير من المصريين للإخفاء القسريّ والتعذيب وسوء المعاملة والاحتجاز لأشهر أو لسنوات في ظروف احتجاز غير إنسانيّة دون محاكمة، على خلفية اتهامات لا أساس لها تتعلق بالإرهاب، وقد أُدين عدد لا بأس به منهم في محاكمات جائرة، منها محاكمات عسكريّة وأخرى جماعيّة، وحُكم على بعضهم بالإعدام، استنادًا إلى اعترافات إجباريّة تحت التعذيب، كما استخدمت سلطات السيسي قوانين فارغة بدعوى "حماية قيم المجتمع" لاعتقال واحتجاز الناشطات، والناجيات من العنف الجنسيّ، والشهود، وغيرهم.
في الختام، إنّ قراراً واحداً رغم إيجابيته لا يمكن أن يكون بديلاً عن الرغبة الحكوميّة في تكميم الأفواه، كما أن القلق العميق ليس فقط على الصحفيين في مصر، بل إزاء انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي ترتكبها السلطات المصرية في ظل الإفلات المستمر من العقاب في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد أن قضت السلطات المصرية على مساحات التعبير والتجمع السلميّ والحق في تكوين الجمعيات، وارتكبت بتواطؤ مع المدعين والقضاة جرائم الاعتقال والاحتجاز التعسفي، ومحاكمة الآلاف، بمن في ذلك مئات المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، والمتظاهرين السلميين، والصحفيين والأكاديميين، والفنانين، والسياسيين، والمحامين، لدرجة أنّ الاحتجاز التعسفي أصبح ممارسة ممنهجة في مصر السيسي.