الوقت_ صُدم الرأي العام في مصر من الحديث المبكر عن الانتخابات الرئاسية في البلاد، والمزمع إجراؤها العام القادم، عقب ما نشره النائب البرلماني أحمد الطنطاوي في صفحته الرسمية على فيسبوك وقوله: “أعود إلي مصر بإذن الله ظهر يوم السبت 6 مايو على طائرة مصر للطيران القادمة من بيروت والتي تصل مطار القاهرة، لأقوم بواجبي في تقديم البديل المدني الديموقراطيّ الذي تحتاج إليه مصر ويقدر عليه شعبها العظيم"، حيث بدأت الثورة المصرية في 25 يناير عام 2011، وهو التاريخ الذي اختاره الشباب المصري ليتزامن مع يوم الشرطة السنوي باعتباره تمردًا ضد وحشية الشرطة المتزايدة في عهد الرئيس حسني مبارك، حيث أدت الانتفاضة التي استمرت 18 يومًا إلى الإطاحة بمبارك بعد ما يقرب من 30 عامًا في السلطة في ظل ما عرف حينها "موجة الربيع العربيّ"، وأدت إلى حقبة وجيزة تمكن المصريون حينها من الاستمتاع بفضاء متسع لحرية التعبير، وكان لروح التقدم والإمكانيات نبضات قلب محسوسة في جميع أنحاء مصر.
لكن اليوم سرعان ما شعر الكثير من المصريين –وإلى اليوم- بأنهم لا يستطيعون التنفس، بل إنهم يخنقون في ظل القمع الوحشي للمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام المستقلة وأي أصوات بديلة تتحدى الوضع الراهن، منذ أن استولى الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة في انقلاب عام 2013 ، حيث استهدفت موجات الاعتقالات الجماعية في مصر الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والأكاديميين ولا أحد يعرف عدد السجناء السياسيين الموجودين في مصر، على الرغم من أن التقديرات الموثوقة من منظمات حقوق الإنسان تقول إنه لا يقل عن 65 ألفًا.
جدل كبير في مصر
قبل عام من بدء الانتخابات، جاء الطنطاوي ليعلن تبشيره ببديل ديمقراطي، وأثار عاصفة جدل هائلة، وقد دافع أنصار الطنطاوي عن بيانه الأخير، معتبرين أنّ هذا هو ما يتوقعه منه المصريون، وأنّه كان شجاعاً بينهم حين انتخب نائبا للشعب ما يعني أن عودته بالنسبة لهم تلقى ترحيباً كبيراً، وتحدث آخرون أنّه لا ينسى أحد أن رفضه لأي قانون غير دستورى يقوض سلطة الشعب فى مساءلة الحاكم المبدد لأمواله وأصوله، وكان بحسب وصفهم -السد المنيع- وقد جاء ليستمر في معركته ضد الفساد و لصالح أهل مصر.
من ناحية أُخرى، تساءل البعض عن أسباب إصرار طنطاوي على إبلاغ المصريين بموعد وصوله بالساعة واليوم قبل الموعد بشهر ونصف تقريبا، من ناحية أنه ربما خائف من شيء ما، أو ارتكب شيئا مخالفا يعاقب عليه القانون المصري ويتخوف من وجود قضية ويريد من هذا الإعلان أخذ احتياطاته، ناهيك عن إعلان ترشحه للرئاسة بهذه الطريقة المسرحية وبشكل مبكر، وأن عودة طنطاوي مرتبطة بهدف القيام بواجبه في تقديم البديل المدني الديمقراطي رغم أنه يعلم أن فتح باب الترشيح لن يتم قبل موعد الاستحقاق الرئاسي في عام 2024، فيما يرى فريق آخر أنّ أحمد طنطاوى يفعل كما فعل محمد البرادعي، الذي خرجت حشود الجماهير المصرية تنتظره فى المطار .
شرعية متآكلة
بغض النظر عما إذا كان نظام السيسي سيترك مجالاً لأحد في منافسته، لابد له لكي يستعيد بعضاً من شرعيته المتآكلة بين المصريين، أن يتابع مبادراته المبكرة بالجدية التي يستحقها وأن يتوقف عن المماطلة، وهذا يمثل تحديا كبيرا في الأيام القادمة، لكن بدون ذلك، ستزداد ورطة النظام بشكل حاد، مما يضع الانتخابات المقبلة في مقارنة مباشرة بانتخابات مجلس الشعب عام 2010، والتي كانت إحدى المقدمات الرئيسية لثورة يناير، ففي تلك الانتخابات فاز الحزب الوطني الديمقراطي (1981-2011) بجميع المقاعد، وانسحب الإخوان المسلمون، الحزب المعارض الوحيد الذي شارك في الانتخابات بعد الجولتين الأوليين.
وبناء على ذلك، فإن عدم معالجة هذه القضايا بصدق قد يزيد الصراع الداخلي بين وكالات النظام نفسه، فضلاً عن التوترات الإقليمية مع رعاته من دول الخليج، وعلى المستوى الداخلي، لم يتم حل الخلاف حول توفير الشروط اللازمة لانطلاق الحوار الوطني - والأهم من ذلك إطلاق سراح المعتقلين السياسيين -، ناهيك عن تغيير قانون الانتخابات ليكون نسبيًا وليس مطلقًا كما هو عليه الآن، وتعديل قانون الحبس التعسفي ومنع حجب بعض المواقع الإعلامية، خاصة أن هذه التغييرات لن تؤثر على طبيعة الصيغة السياسية التي أنتجت مأزق مصر الحالي، حيث يكون للنظام وزمرة ضيقة من حوله سلطة سياسية كاملة لتحديد السياسات العامة والإنفاق.
وفي هذا الصدد يمكن إضافة الخلاف الذي قد ينشأ حول بيع الشركات العسكرية، على الرغم من طرح شركتين من أصل 48 شركة مملوكة للمؤسسة العسكرية، لم يكن هناك تقدم ملموس في بيعها حتى الآن، ومشكلة النظام الرئيسية والتي لا يستطيع التعامل معها هي الأزمة الاقتصادية، على الرغم من صلاحيات صنع القرار الحصرية والدعم الدولي والإقليمي غير المسبوق، إلا أنها لا تقر ولا تتحمل أي مسؤولية عن الوضع الحالي.
وبدلاً من إيجاد الحلول، يلقي خطاب النظام باللوم على عوامل خارجية مثل جائحة Covid-19 والحرب الأوكرانية أو العوامل الداخلية مثل النمو السكاني، ولا يتطرق إلى العناصر التأسيسية التي أنتجت هذه الأزمة، علاوة على ذلك، فهو يستمر في نفس المسار الذي أنشأه، وهذا يعني زيادة الديون والإنفاق على البنية التحتية وإعطاء الأولوية للعقار على القطاعات الأخرى، بالإضافة إلى ذلك، أصبحت دول الخليج التي تدعم السيسي متوترة بشكل متزايد وتطالب بإصلاحات جادة.
في الختام، ربما بدأ النظام المصري الاستعدادات المبكرة للانتخابات الرئاسية من خلال السماح بعودة آمنة لعضو معارض من الخارج، والإفراج عن العديد من المعارضين الرئيسيين الموقوفين، وزيادة رواتب موظفي الدولة، وزيادة المعاشات التقاعدية، وزيادة عدد برامج الحماية الاجتماعية،كما أعاد منح تصاريح البناء في القرى والمدن بعد توقف دام ثلاث سنوات، وتم ذلك في محاولة لإرضاء المصريين دون أي تغييرات حقيقية في الحكم أو الاقتصاد، فيما لا يزال من الممكن للسيسي أن يستغل المبادرات العديدة التي تم الإعلان عنها منذ أكثر من عام للفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2024 ، ليبقى السؤال: "ماذا يخبئ القادم من مفاجئات سياسية على هذا الصعيد للسيسي"، معلقاً دون إجابة.