الوقت- شهدت فرنسا يوم أمس السبت مظاهرات جديدة احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد، وسط تواصل الإضرابات في قطاعات عدة أبرزها مصافي النفط وعمال النظافة في باريس، حسب تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
وكانت الحكومة قد لجأت إلى تمرير إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل عبر المادة 49.3 دون تصويت الجمعية الوطنية، ما زاد من غضب المعارضة والنقابات العمالية. وتقدمت أحزاب معارضة في البرلمان بمذكرتين لحجب الثقة عن الحكومة. ومع تزايد الاضطرابات جنبا إلى جنب مع تراكم القمامة في شوارع باريس بعد أن انضم عمال النظافة إلى الإضرابات، يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون التحدي الأخطر لسلطته منذ ما تسمى احتجاجات السترات الصفراء في ديسمبر 2018.
وقال متحدث باسم شركة توتال إنرجيز إن نحو 37 بالمئة من الموظفين التشغيليين في مصافي ومستودعات للشركة في فرنسا أضربوا عن العمل يوم أمس السبت. وفي الوقت نفسه استمرت الإضرابات بالتناوب في قطاع السكك الحديدية واشتبكت شرطة مكافحة الشغب الفرنسية مع متظاهرين مساء الجمعة في باريس حيث خرجت مظاهرة في ساحة الكونكورد بالقرب من مبنى البرلمان، ما أدى إلى القبض على 61 شخصا. ويبرز شبه إجماع على اعتبار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور نكسة بالنسبة إلى ماكرون الذي رهن رصيده السياسي في سبيل هذا الإصلاح جاعلا منه أبرز مشاريع ولايته الرئاسية الثانية.
ورمى مئات المتظاهرين زجاجات ومفرقعات على عناصر الشرطة الذين ردوا بإطلاق الغاز المسيل للدموع، محاولين إخلاء المكان، مع هطول المطر. وأعلنت الشرطة اعتقال 61 شخصا. وفي ليون في شرق وسط البلاد، اقتحم متظاهرون مقر بلدية و"حاولوا إضرام النار"، لكن تمكنت الشرطة من إخماد الحريق على الفور، وأوقفت 36 شخصا، حسب ما ذكرت. ونظمت تجمعات في مدن عديدة، من ليل في الشمال، إلى بوردو في الغرب، مرورا بستراسبورج في الشرق حيث "تدهور" الوضع، وفق ما أكدت الشرطة. وفى وقت سابق تصدت شرطة مكافحة الشغب لمحتجين على قانون إصلاح التقاعد، مشيرة إلى عمليات كر وفر بين الشرطة الفرنسية والمتظاهرين.
كما أضرم متظاهرون النيران، وقاموا بإلقاء بالمفرقعات تجاه الشرطة الفرنسية، فيما أقام وزير الداخلية الفرنسي حواجز أمام أقسام الشرطة. وأفادت صحيفة “لو فيجارو” الفرنسية، بأن الشرطة اعتقلت 120 شخصا، في مظاهرة ضد إصلاح نظام التقاعد، نظمت في وسط باريس. وقالت صحيفة “لو فيجارو”، نقلا عن مصدر في الشرطة الفرنسية: "اعتبارًا من مساء الخميس، اعتقلت الشرطة 73 شخصًا في مظاهرة في باريس"، وأضافت الصحيفة إن عدد المعتقلين قد يزداد. وذكر مراسل وكالة "نوفوستي" أن أعضاء "بلاك بلوك" شرعوا بتصعيد أعمال الشغب، وتفكيك الحواجز المعدنية المخصصة لأعمال الصيانة في الطرقات، فضلا عن تحطيم نوافذ واجهات المتاجر، ثم إلقاء الألعاب النارية وأكياس القمامة بداخلها.
كما ظهرت في أحد المكاتب موظفة تعاني من سقوط الزجاج المتكسر عليها، في الوقت الذي ردت فيه الشرطة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع. وتشهد مدن اخرى حالات مماثلة للوضع في باريس حيث اندلع في شوارعها، يوم الأربعاء، الموجة الثامنة من الاحتجاجات ضد إصلاح نظام التقاعد. وردد المشاركون شعارات "نستطيع الفوز" و"قوة العمال" و"التقاعد في سن الـ 60!".، كما رفعوا لافتات مكتوب عليها: "المال - للرواتب والمعاشات وليس للحرب أو في جيوب أصحاب الأسهم!"، "عاش عمال النظافة الباريسيون!"، "يحتقر ماكرون وبورن الديمقراطية الفرنسية" و"نريد رفع الأجور وليس سن التقاعد.
وعلى الرغم من الاحتجاجات الحاشدة، فإن الحكومة ما زالت مصممة على إقرار مشروع التقاعد الجديد، إذ اعتبر ماكرون مساء أول أمس الاثنين أن الإصلاح "ضروري"، بعدما أكدت رئيسة الحكومة إليزابيث بورن أن رفع سن التقاعد "غير قابل للتفاوض". وقالت بورن في تغريدة إن "إصلاح نظام التقاعد يثير تساؤلات وشكوكا. نحن نستمع إليها. النقاش البرلماني مفتوح. وهو سيتيح، بشفافية، إثراء مشروعنا بهدف ضمان مستقبل نظامنا عبر المشاركة. إنّها مسؤوليتنا!" وفي الوقت ذاته، يخضع مشروع الإصلاح للتدقيق في اللجنة البرلمانية المعنية، وسيتم عرضه على الجلسة العامة للبرلمان الأسبوع المقبل. ويأمل ماكرون نيل المشروع الأغلبية في البرلمان بدعم من المحافظين، إلا أن بعضهم أبدى تحفظات على خطط الإصلاح.
أرقام مقلقة
ونقلت صحيفة "لي زيكو" الفرنسية هذا الأسبوع عن المرصد الفرنسي للظروف الاقتصادية قوله إن تراجع القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي ستستمر العام المقبل أيضا. وحسب المرصد، فإن ارتفاع المداخيل خلال النصف الثاني من هذا العام لا يمكن أن يسد الثغرات التي تسببت فيها الخسارات المسجلة خلال الشهور الأولى من عام 2022. واعترف المرصد بأن الوضع سيزداد سوءا خلال عام 2023، وتوقع تقلصا للقدرة الشرائية بنسبة 0.3%. . ونقلت الصحيفة عن ماثيو بلان، الباحث الاقتصادي في المرصد، قوله إن الأرقام حول الوضعية الاقتصادية عام 2023 تشير إلى أن البطالة سترتفع بنسبة 8%، وسيضيع نحو 175 ألف وظيفة، ما سيؤثر حتما على منظومة الأجور. وفي المقابل، تؤكد الحكومة -من جهتها- أنها ستخلق 100 ألف منصب شغل جديد العام القادم. كما توقع المرصد الفرنسي ارتفاع نسبة التضخم بنحو 4.2%، وتراجع نسبة الاستهلاك بسبب المشاكل الاقتصادية التي أثرت على الأجور.
ماكرون "رئيس للأثرياء"
رئيس العلاقات الدولية لـ "فرنسا الأبية"، وعضو مكتب زعيم الحزب جان لوك ميلينشون، كريستيان رودريكيز ألفاريس، أوضح للميادين نت أنّه "في فترة ولاية ماكرون الأولى، وجد الحزب نفسه مع حركة السترات الصفراء كتعبيرٍ عن رفض السياسة النيوليبرالية التي بدأت الحكومة في تنفيذها، ثمّ جاء استفزاز إصلاح المتقاعدين، حين تشكلت حركة رفض ضخمة لسياسات ماكرون، ثمّ وباء كورونا". وأضاف ألفاريس إنّ "السترات الصفر، تشكلت مع بداية ولاية ماكرون الثانية، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، للمطالبة بزيادة الأجور، وتوزيع الأرباح، نظراً إلى الفوائد الضخمة التي يجنيها، كما هي الحال مع توتال حيث يكسب الرئيس والمساهمون فيها آلاف اليورو من دون مشاركة أي أحد"
وفند ألفاريس الواقع على الشكل التالي: "هناك 3 قوى في فرنسا، الليبرالية لإيمانويل ماكرون، واليمين المتطرف العنصري والمعادي للأجانب لمارين لوبان، وغالباً ما تصوت هاتان القوتان معاً، على سبيل المثال، معارضتهما إعادة فرض ضريبة على الأغنياء أو زيادة الأجور". أما القوة الثالثة حسب ألفاريس، فهي "البديل أي اليسار البيئي والاجتماعي، الذي جاء في المرتبة الأولى في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الأخيرة". وعن سياسة ماكرون في الداخل وكيفية معالجته للأزمات، يجيب رئيس العلاقات الدولية لـ"فرنسا الأبية" أنّه "لأكثر من 5 سنوات، كان ماكرون رئيساً للأثرياء، وسياسته هي تقديم الهدايا للأثرياء، من دون مراعاة الأفقر". وبيّن أن "الأغنياء الذين تقدر نسبتهم بـ 1% في فرنسا جنوا الكثير من المال في عهده"، مضيفاً إنّه "في الوقت نفسه هناك 9 ملايين فقير و8 ملايين شخص يتلقون مساعدات غذائية".