الوقت- وضعت حكومة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، 17 مسؤولاً سعودياً لأول مرة في تاريخها على قائمة العقوبات بسبب تورطهم في قتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي"، بينهم مقربون من ولي العهد "محمد بن سلمان" وحول هذا السياق قال وزير الخزانة الأمريكي "ستيفن منوتشين": "إن السعوديين الذين نفرض عليهم عقوبات تورطوا في القتل الشنيع للصحفي "جمال خاشقجي"، هؤلاء الأفراد الذين استهدفوا وقتلوا ببشاعة صحفياً كان يقيم ويعمل في أمريكا ولهذا يجب أن يتحمّلوا وزر أعمالهم، " وفي هذه الأثناء تدرس حكومة "ترامب" إمكانية طرد الداعية التركي المعارض "فتح الله غولن" من ولاية "بنسلفانيا" الأمريكية وتسليمه للسلطات التركية بناء على طلب من الرئيس التركي "أردوغان" ولقد أعلن البيت الأبيض بأنه يستعدّ لاتخاذ هذا الإجراء من أجل تخفيف حدّة المطالب التركية في قضية اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، الذي قُتل في مقر القنصلية السعودية باسطنبول، مطلع أكتوبر الماضي.
لقد كان الاعتقاد السائد خلال الفترة السابقة أن قضية الداعية التركي المعارض "فتح الله غولن"، ما هي إلا قضية خاصة بين أمريكا وتركيا، ولكن الأحداث الأخيرة في المنطقة كشفت بأن السعودية كان لها دور فعّال ومؤثر في هذه القضية ولهذا فلقد قرر الرئيس "ترامب" وحكومته فرض عقوبات على السعودية ومنعها من التدخل في هذه القضية وهنا تؤكد العديد من التقارير الإخبارية بأن السعودية كانت تسعى لزيادة نفوذها الديني والسياسي في تركيا من خلال تقديم الدعم المالي واللوجستي للمعارض التركي الداعية "فتح الله غولن" وجماعته.
وفي هذا الصدد فإن السؤال الذي يتبادر إلى أذهان العديد من الخبراء والمحللين السياسيين، ما هي العوامل التي أجبرت أمريكا، ولا سيما حكومة "ترامب"، التي لم تتردد في الماضي عن تقديم الدعم اللوجستي للسعودية ولـ "محمد بن سلمان"، على التخلي عن "ابن سلمان" والتحيز للجانب التركي فيما يخص قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في تركيا، وعلى اتخاذ قرارات بفرض عقوبات ضد السعودية وعلى الأمير "محمد بن سلمان"؟ وردّاً على جميع هذه التساؤلات يبدو أن هناك العديد من العوامل المؤثرة والتي من أبرزها:
أولاً: لقد تمكّنت تركيا وبالتعاون مع قطر من أخذ زمام الأمور في قضية قتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" وقامت بإدارة وتسييس المعلومات التي تلقتها حول هذه الجريمة بطريقة ذكية وحوّلتها إلى أزمة دولية لاحقت السعودية وأجبرت الرياض على دفع الكثير من الأموال لكسب ودّ وحماية الدول الغربية ولاسيما أمريكا للتغاضي عن هذه الجريمة ولقد تسببت قضية "خاشقجي" في حدوث توتر نسبي في العلاقات التركية السعودية، حيث تتنافس الدولتان على توسيع نفوذهما في المنطقة.
ثانياً: لقد أدّى التقارب الزمني بين حادثة قتل الصحفي "خاشقجي" وانتخابات الكونغرس الأمريكي النصفية إلى تمكّن الديمقراطيين من أخذ زمام الأمور من أيدي الجمهوريين ولا سيما حكومة "ترامب"، ما أدّى إلى إجبار السعودية والأمير "محمد بن سلمان" على دفع ملايين الدولارات لكسب دعم وحماية الجمهوريين وحكومة "ترامب"، التي فضلت عشية الانتخابات الابتعاد لفترة من الزمن عن السعودية والأمير "ابن سلمان"، وتسليط الضوء أكثر على قضية الحرب اليمنية وقضية مقتل الصحفي "خاشقجي" وهنا يبدو بأن هزيمة الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي قد دفعتهم إلى زيادة المسافة بينهم وبين السعودية والأمير "محمد بن سلمان"، لكي يتمكنوا من البقاء بأمان من بطش الديمقراطيين في مجلس النواب، خاصة وأن السعودية لعبت دوراً مهماً إلى جانب روسيا وإسرائيل والإمارات في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جرت عام 2016، والتي انتهت بفوز "ترامب" وهذا ما أكدته صحفية "نيويورك تايمز" الأمريكية التي أعربت بأن "ترامب الابن" التقى مبعوثي ولي العهد السعودي وولي العهد الإماراتي قبل انتخابات 2016 الرئاسية بثلاثة أشهر، وقالت تلك الصحيفة: إن "ترامب الابن" ردّ خلال الاجتماع مع مبعوثي البلدين الخليجيين، بـ "قبول" عرض بالمساعدة في حملة والده الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي والتي وصلت إلى مليارات الدولارات.
ثالثاً: إن السعودية والأمير "محمد بن سلمان" غاضبون جداً من التعامل الجديد لأمريكا وللرئيس "ترامب" معهم، سواء فيما يخص القضية اليمنية أم قضية مقتل الصحفي السعودي "خاشقجي"، ولهذا فلقد قامت الحكومة السعودية باتخاذ إجراءات انتقامية لاستفزاز الجانب الأمريكي، مثل عقد قمة مصغّرة مع بعض الدول النفطية لرفع أسعار النفط ولكن يبدو أن هذا الأمر أدّى إلى زيادة غضب حكومة "ترامب"، ما يوحي بأن أصدقاء اليوم هم أعداء الغد، وهذا الأمر تؤكده دعوة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي "بوب كوركر" إلى فرض عقوبات على "الرياض" في حال ثبوت تورطها في قضية مقتل الصحفي السعودي "خاشقجي"، فيما يعكف أعضاء آخرون على تفعيل قانون "ماغنيتسكي" لفرض تلك العقوبات وفي غضون ذلك، أعلنت شركات أمريكية عن مقاطعتها مؤتمر "دافوس الصحراء" بعد إعلان مجموعة "فيرجن غروب" البريطانية عن تعليق محادثاتها مع صندوق الاستثمارات السعودي وهذه الأحداث تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك خلافات كبيرة "فاحت رائحتها" بين الرئيس الأمريكي "ترامب" والقادة والمسؤولين السعوديين وعلى رأسهم الأمير "محمد بن سلمان" وأن التحالف القائم بينهما سوف ينهار خلال الفترة القليلة القادمة.