الوقت - لا يمكن لأحد أن يتكهّن ماذا سيحصل على الحدود الفلسطينية يوم الجمعة المقبلة 30 مارس، الذي يتزامن مع "يوم الأرض"، هذا اليوم الذي يقلق الإسرائيلي كثيراً منذ عدة سنوات، وبالتحديد بعد العام 2011، العام الذي هبّت فيه الجموع الفلسطينية ومن تضامن معها من غزة والضفة الغربية والقدس والأردن ولبنان وسوريا ومصر ضمن مسيرة سلميّة شعبيّة مليونيّة فلسطينية نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتخشى "إسرائيل" ما تخشاه أن يتكرر هذا المشهد بعد يوم غد.
المسيرة الشعبية ستنطلق لا محالة يوم الجمعة المقبل ومن غزة لوحدها سيتحرك 100 ألف فلسطيني بدعم من حركة حماس ضمن مسيرة العودة نحو السياج الفاصل على الحدود الشرقية مع الكيان الإسرائيلي، وستستمر هذه الفعاليات حتى ذكرى النكبة في الـ 15 من مايو المقبل، بالتزامن مع تحرك سياسي واسع إقليمياً ودولياً.
لماذا تخشى القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية هذه التحركات؟!
أولاً: الأوضاع في الداخل الإسرائيلي ليست على ما يرام وهناك فوضى كبيرة داخل الحكومة الإسرائيلية سببها رئيس الحكومة نفسه، وتأتي هذه الفوضى على خلفية الاتهامات الموجهة لـ"نتنياهو" في قضايا فساد قد تطيح بالحكومة بأي لحظة، ولكن لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يتعدى ذلك إلى أسباب أخرى، منها فقدان الثقة بالحكومة نظراً لما يعانيه المجتمع الإسرائيلي من خلل في بنيته الداخلية نتيجة لـ"فقدان القيم" كما قال رئيس الموساد السابق "تامير باردو" لصحيفة "يديعوت أحرنوت" يوم أمس وأشار إلى أنّ القيم لدى القيادة الإسرائيليّة الحالية ذهبت إلى غير رجعة، وإذا ذهبت القيم فإننّا سنذهب كلّنا معها بحسب قوله، ولفت باردو إلى أنّ القائد يجب أنْ يكون نموذجاً للمجتمع، ولكن ما يجري اليوم في إسرائيل هو حالة مُستعصيّة، ليس فقط في المجال الجنائيّ.
هذا التشاؤم والقلق الذي عبّر عنه باردو تجاه مستقبل "اسرائيل" شاطره فيه خمسة رؤساء سابقين لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد"، حيث أعرب هؤلاء عن خشيتهم الكبيرة من الطريق الذي تسلكه "اسرائيل" منذ بداية العقد الثامن على إقامتها، وحمّلوا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسؤولية في تعريض مستقبل البلاد للخطر، ودعا القادة الستة السابقون إلى الإطاحة برئيس الحكومة الإسرائيلية، مبررين ذلك بأن الدولة "عليلة" وفي وضع صحي حرج تحت قيادة زعيم حزب الليكود.
ثانياً: الوضع في غزة على شفا انفجار خطير نظراً للضغوط التي تمارس على القطاع من قبل الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، فاليوم غزة تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية والكهرباء والماء، فضلاً عن البطالة بين صفوف الشباب والتي تهدد المجتمع الغزاوي، وحتى الذين يعملون في القطاعات الحكومية لا تصل إليهم الرواتب بعد أن تم توقيفها من قبل السلطة نظراً لوقف التمويل للسلطة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، كل هذه الأسباب وغيرها ستجعل الأمور تتجه نحو التصعيد مع الإسرائيلي، فأهل غزة لم يعد لديهم ما يخسرونه، لذلك نحن نعتقد بأنهم سيستمرون في هذه المسيرات حتى 15 مايو المقبل وسيكون لهذا الأمر انعكاسات خطيرة على الداخل الإسرائيلي وحكومته المهترئة.
ثالثاً: من حق الإسرائيلي اليوم أن يخاف أكثر من أي وقت مضى وهو يعلم ذلك جيداً ويدرك أن الأمور في غزة وصلت إلى طريق مسدود، لذلك فإن الإسرائيليين يتوقعون أن يحدث انفجار في أي لحظة نظراً للضغط الذي يتعرّض له القطاع، وما زاد الطين بلة هو قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، في ظلّ ما يُحكى عن"صفقة القرن"، التي يقابلها تقليص الدعم الأمريكي والدولي لـ"الأونروا".
وعن خطورة المرحلة المقبلة تحدث "غادي ايزنكوت"، رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي، في لقاء مع صحيفة "هآرتس"، قائلاً: " إن ما يحدث في المناطق الفلسطينية حالياً، يثير كثيراً من القلق لديه في الوقت الحالي"، وأضاف: "إن إسرائيل لا تلاحظ لدى أعدائها نية لشن حرب، ولكن التطورات المحلية يمكن أن تقود إلى التصعيد غير المتوقع.
وتابع "أيزنكوت": سيكون الواقع معقداً بشكل خاص لدى الفلسطينيين خلال الأشهر القريبة، حيث ستلتقي معاً مناسبات يوم الأرض ويوم النكبة واستقلال إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاقتراب من نهاية عهد أبو مازن، وعملية المصالحة العالقة وحقيقة أن حماس في غزة تواجه ضائقة صعبة. وقال إن "الشرق الأوسط يشهد تطورات مشحونة وحساسة، وخاصة لدى الفلسطينيين. وسنواجه تحديات كبيرة جداً في فترة احتفالات الاستقلال السبعين". ووصف رئيس الأركان الواقع الاقتصادي والمدني في غزة بأنه صعب جداً، لكنه يؤكد أن الأمر لم يصل بعد إلى أزمة إنسانية.
في الختام؛ كل الظروف مهيّأة لأن تتجه الأمور نحو التصعيد داخل الأراضي المحتلة، ويخشى الجيش الإسرائيلي أن يسقط عدد كبير من الشهداء يوم الجمعة ما سيؤدي إلى احتمالية اندلاع حرب مع كيان الاحتلال ستكون أشرس من جميع الحروب السابقة نظراً للظرف السياسي والدولي الذي تمر به فلسطين خاصة والمنطقة عامةً، والكيان الإسرائيلي سيحاول عدم الانجرار إلى هذه الحرب لكن لا أحد يستطيع أن يتكهّن بحدوثها من عدمه.