الوقت- لم تقف المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي يوماً على المقاومة المسلحة، بل تجاوزتها لتشمل جميع أنواع المقاومة كالسياسية والاجتماعية والاقتصادية وما إلى هنالك، واليوم يظهر نوعٌ جديد من المقاومة، ربما لم يحسب له الكيان العبري حساباً، وربما صحا له متأخراً، ألا وهو المقاومة الديموغرافية، إذا بدأت أعداد الفلسطينيين القاطنين بين البحر المتوسط ونهر الأردن تزيد عن أعداد اليهود القاطنين هناك.
الفلسطينيون إلى غينيس
لا يعقل أن يصل معدل زيادة الفلسطينيين خلال الـ25 سنة الماضية من مليون إلى ثلاثة ملايين، أي بمعدل ثلاثة أضعاف، هذا النمو لا يكون إلا في كتاب غينيس للأرقام القياسية، بهذه الكلمات وصف رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي آفي ديختر الأرقام الواردة في المسح الديموغرافي الأخير،وقد زعم أنها "أرقام جديدة جداً، مثيرة للتفكير ومفاجئة جداً ويمكن القول إنها مقلقة أيضاً".
تصريحات ديختر جاءت رداً على البيانات التي أوردتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية والتي أكدت أنّ الإدارة المدنية الإسرائيلية قدمت معطيات إحصائية أظهرت أن أعداد العرب الفلسطينيين بين البحر المتوسط ونهر الأردن تزيد عن اليهود، حيث يوجد خمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أن يشمل فلسطينيي شرقي القدس، بجانب 1.8 مليون عربي يعيشون داخل إسرائيل، فيما وصل عدد اليهود 6.5 ملايين.
قنبلة القدس الموقوتة
"النمو العربي ضعف اليهودي" بهذه النتيجة خرج الكتاب السنوي الإحصائي للقدس الذي ينشره معهد القدس، حيث تؤكد البيانات الواردة في هذا الكتاب أنّه وبين عام 1967 وحتى 2015 ازداد عدد السكان اليهود في المدينة نحو 174 ألف نسمة، في حين أنّ عدد السكان العرب ازداد في هذه الفترة الزمنية ضعفين أو أكثر ووصلت نسبة الزيادة إلى 372 %، وتُشير الإحصاءات الرسمية إلى أنّه يعيش في القدس اليوم 542 ألف يهودي "مقارنة بـ187700 قبل خمسين سنة" و 324 ألف عربي "مقارنة بـ86600 قبل خمسين سنة".
مراقبون فلسطينيون أكدوا أنّ الزيادة السكانية للفلسطينيين مقابل نظيرتها اليهودية تُظهر عدم التكافؤ بين الجانبين، وأنّ الزيادة السكانية عند الفلسطينيين ستُهدد الوجود الإسرائيلي مستقبلاً، مشيرين إلى أن إسرائيل تعتبر تكاثر الفلسطينيين قنبلة ديموغرافية موقوتة.
وعلى الجانب الآخر تحاول الحكومة الإسرائيلية زيادة عدد اليهود في مدينة القدس بطرق عدة، منها على سبيل المثال العمل على إحلال اليهود محل العرب الذين هدّمت منازلهم بحجة البناء دون تصريح.
وبناءً على المُعطيات الجديدة؛ أكد رئيس القائمة المشتركة في الكنيست الإسرائيلي أيمن عودة أنّ أعداد العرب واليهود آخذة بالتساوي، وهذه ليست معلومة جديدة بحسب قوله، لكن إظهارها اليوم يرجح فرضية حل الدولتين بين الشعبين على حدود 67، أو دولة واحدة على نموذج "الأبارتهايد"، أو دولة واحدة لكل مواطنيها ينالون فيها جميعاً الحقوق ذاتها، وليس هناك خيارات أخرى.
إلى النقب..
أما في منطقة النقب جنوب فلسطين المحتلة والتي يبلغ عدد سكانها حسب الإحصائيات الإسرائيلية أكثر من 220 ألفاً من الفلسطينيين البدو الرحل، ورغم ظروف الحياة الصعبة التي يعيشونها هناك إلا أنهم يحافظون على بعض تقاليدهم وأعرافهم، التي ميّزت البيئة البدوية منذ عقود، وهو ما يقلق دولة الاحتلال وأهمها "تعدد الزوجات"، ومعدل الإنجاب المرتفع وربما الأعلى على مستوى العالم.
حيث يقول خبراء إنّ نسبة الزيادة الطبيعة لدى سكان تلك المنطقة تصل إلى نحو 5.5%، ما يجعل عدد السكان يتضاعف كل 13 عاماً، وهو ما يعتبره الكيان الإسرائيلي "خطراً ديموغرافياً"، حيث يتجاوز عدد الأولاد في الكثير من العائلات البدوية في النقب العشرة أولاد، لكن المعدل العام يقدّر بنحو 6.8 أولاد لكل عائلة.
وسعياً من دولة الاحتلال للوقوف بوجه هذا الانفجار السكاني لسكان النقب أصدرت أوامر بتحديد النسل، الأمر الذي رفضته العائلات الفلسطينية، ويقول مواطنون من تلك المنطقة إنّهم غير مُلزمين بتعميمات الكيان، فهم أصلاً يرفضون الاعتراف به؛ فكيف بتعميماته وأوامره، ومن ناحيةٍ أخرى فتحديد النسل أمرٌ شخصي تقرره العائلات فيما بينها، كما أنّه حقٌ فردي وليس لأيٍّ كان الحق بالتدخل فيه.
أخيراً وبرأي الخبراء فإنّ الصراع الديموغرافي بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو صراعٌ بدون قعقعة سلاح أو إسالة دماء، تتحدد أهم أدواته في حرص الصهيونية على دفع المهاجرين اليهود للتدفق إلى فلسطين وكبح النزوح منها، مع تشجيعها على التكاثر الطبيعي للإسرائيليين، إضافة إلى عملها المستمر والحثيث على خطط تقليل الوجود السكاني العربي الفلسطيني عن طريق الطرد أو القتل، بالإضافة لإصدار قوانين تحديد النسل بالنسبة للعرب الفلسطينيين، ويذهب الخبراء إلى أنّ نتائج هذا الصراع من شأنها التأثير على مجمل الصراع العام بين الفلسطينيين واليهود للسيطرة على كامل فلسطين وفرض سلطة الأمر الواقع من خلال تعداد السكان.