الوقت- ليس هناك من حدود لسياسة المساومة والابتزاز في السعودية، فشراء الذمم عادتهم والمساعدات الاقتصادية لا تكون إلا بشروط وأزلامهم في الدول المختلفة لا يجرؤون على تخطي القرار السعودي ولو أضر ببلدهم، حتى أهم الشعائر الدينية الإسلامية لم تسلم من هذا الأسلوب السعودي الرخيص فالسعودية اليوم تضغط من خلال الحج على بعض الدول الأفريقية المسلمة لتحصل على مواقف سياسية مقابل فتات من المساعدات الاقتصادية. وهنا تستوقفنا بعض الملاحظات حول هذه الشعيرة الإسلامية وطريقة آل سعود في إدارتها واستثمارها.
الضغط السياسي من خلال الحج
أسلوب سعودي معهود، لطالما استخدموه مع الدول والجماعات التي يمتلكون علاقات معها، وكأنهم أوصياء على هذه الدول والشعوب، فمن خلال بعض المساعدات الاقتصادية يقوم آل سعود بشراء الذمم والمواقف السياسية لحكام بعض الدول كما فعلوا مؤخرا حين جمعوا قادة أكثر من خمسين دولة في قمة هي أشبه بحفل مجون يقوده منسق حفلات أمريكي.
ابتزاز من نوع آخر يعتمده السعوديون اليوم من خلال تسييس أهم الشعائر الإسلامية أي الحج، حيث يستخدمون هذه الورقة للضغط على دول أفريقية في إطار الأزمة مع قطر، وذلك للحصول على مواقف سياسية مساعدة ضد قطر. تستخدم السعودية هذه الورقة دون الأخذ بعين الاعتبار قدسية هذه الشعيرة وبعدها الديني والعقائدي في وجدان الشعوب الإسلامية، مستغلة فقر بعض الدول الأفريقية والإسلامية، وملوحة بورقة إيقاف المساعدات الاقتصادية والتي ليست كبيرة مقايسة بما قدمه آل سعود للتاجر الأمريكي دونالد ترامب خلال سفره الأخير الاستعراضي للبلاد.
وهذا الأمر يعيد إلى الأذهان ما قامت به السعودية اتجاه إيران حين افتعلت أزمة دبلوماسية معها، وأخرت المفاوضات التي كانت تجري بشكل سنوي قبل بدأ مراسم الحج لتفويت الفرصة على الإيرانيين، حيث أخروا هذه المفاوضات إلى ما قبل شهرين من الحج كما أنهم أصروا على استصدار تأشيرة الدخول للسعودية خارج إيران لعشرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين، وبالفعل نجحوا في إلغاء المشاركة الإيرانية العام الماضي بسبب سياستهم وتغطية على المجزرة التي وقعت في منى منذ عامين.
تاريخ حافل من الفشل في إدارة الحج
لم ينسى العالم الإسلامي مشهد آلاف الحجيج الذين سقطوا نتيجة الإهمال السعودي في منى في مكة المكرمة أثناء تأدية المناسك منذ عامين، حيث راح ضحية تلك الحادثة عشرات آلاف الأبرياء من الحجيج، ورغم الكارثة التي حلت بالعالم الإسلامي فإن آل سعود حالوا دون إجراء تحقيق شفاف لمعرفة السبب وراء ما حصل، حتى أنهم لم يتجاوبوا مع مطالب دول العالم الإسلامي وقاموا بدفن جثث الضحايا بشكل عشوائي ودون أي احترام يُذكر أو حتى توثيق علمي لأماكن الدفن. وهذا الملف لا يزال مفتوحا بين السعودية وبعض الدول وعلى رأسها إيران التي تطالب بإعادة كافة جثث شهدائها إلى أرض الوطن ليتم تشييعهم ودفنهم من قبل عوائلهم.
ليست وحدها مجزرة منى تؤكد الإهمال والفشل السعودي الذريع، فحادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي أيضا لم تُمحى من أذهان المسلمين، حادثة راح ضحيتها عشرات الحجيج دون التعويض عن أهاليهم أو حتى الإعلان عن الأسباب وراء هذا الحادث. ناهيك عن الحوادث السنوية التي تحصل والفساد الذي يطغى على إعطاء التأشيرات في الكثير من الدول، حيث أن موظفي السفارة السعودية في بعض الدول يقومون ببيع التأشيرات دون الأخذ بعين الاعتبار القوانين والمعايير التي من المفترض أن تعتمد في أولويات الطلبات والتأشيرات.
رفض إسلامي وعربي لهذا الأسلوب السعودي
أمام هذه المحاولات السعودية كان بارزا الموقف الإسلامي والعربي الرافض لهذه الضغوط، فكثير من الدول التي تدور في جزأ من الفلك السعودي رفضت مقاطعة قطر ودعت لحل الخلاف سلميا، كما أنها رفضت سياسة تسييس الحج، ومن هذه الدول السودان والجزائر ودول أفريقية أخرى منها نيجيريا التي فيها أغلبية مسلمة.
طبعا هذه الدول تسعى للمحافظة على علاقاتها الجيدة مع السعودية ولكنها ترفض أن تصبح أداة بيد آل سعود فقط من أجل بعض المساعدات التي هي فتات البترودولار السعودي بالحقيقة.
ما ذكرناه ليس وحده المشكلة، بل إن آل سعود ومنذ سنوات يحاولون تحويل المناسك الروحية المتعلقة بالحج إلى مناسك خالية من أي بعد وجداني وروحي، عبر تحويل الحج إلى سياحة دينية في فنادق فخمة وإمكانات فيها من الترف ما يتنافى مع أصل الحج، كما أنهم حولوا مكة المكرمة إلى مدينة عصرية في بنائها فسلبوا روح الأصالة الإسلامية من هذه المدينة لإفراغ الحج من نكهته الخاصة وتحويله إلى مجموعة حركات لا روحية ولا معنوية فيها.