الوقت- تشهد الأزمة السوريّة تغيّرات جذرية حالياً. تغيّرات تصبوا أطرافها لترسيخ معادلات جديدة وعلى أكثر من صعيد. ولعل الكيان الإسرائيلي أحد أبرز هذه الأطراف حيث تعلو الأصوات السياسية في حين تلتحف الأصوات العسكرية الصمت الذي يخرقه بين الحين والآخر تصريح هنا وتهديد هناك.
آخر المستجدّات الإسرائيلية على الساحة السوريّة تمثّلت في الاعتراف الذي أدلى به وزير البنى التحتية والطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس لصحيفة "جروزاليم بوست" الإسرائيلية معتبراً أنّ "إيران خطر "إسرائيل" الأكبر وليس داعش".
الرعب الإسرائيلي من إيران، والذي سرى بوضوح على لسان الوزير شتاينتس، ظهر بشكل مشابه، وإن كان أقل حدّة، على لسان السفير الإسرائيلي لدى روسيا، غاري كورين، الذي أكّد أن الكيان الإسرائيلي لن يقبل بحشد جبهة إيرانية أو لحزب الله على مرتفعات الجولان.
لم يكن الكلام الإسرائيلي هذا، والذي سترتفع وتيرته خلال الأيام المقبلة ليحصل، لولا القشة الأمريكية الفرنسيّة التي قصمت ظهر رهان تل أيبب في إسقاط الرئيس الأسد وتقبّل واقع بقاءه. كما أن الكلام الأمريكي الفرنسي لم يكن بدوره ليحصل أيضاً لولا الانتصارات التي حقّقها الجيش السوري وحلفائه بدءاً من معركة حلب الكبرى وحتى انتصارات حماه وحيّ الوعر في حمص. في الحقيقة، هذه الانتصارات هي القشّة التي قصمت ظهر الرهان الأمريكي السابق في إسقاط الرئيس السوري.
ما يعزّز رؤية الرعب الإسرائيلي هو ما قاله محلل الشؤون الأمنيّة والعسكريّة في صحيفة "معاريف" والمُقرب جدًا من دوائر صنع القرار الأمنيّ الإسرائيلي، يوسي ملمان، والذي تحدّث عن وجود إمكانية حصول تسوية في سوريّا تدفع "إسرائيل" إلى تقليص تدّخلها، مقابل إبعاد إيران وحزب الله على الحدود في هضبة الجولان.
رئيس "مركز دايان" البروفيسور "عوزي رابي" ذهب إلى أبعد من ذلك متحدّثاً عن واقع جديد يفرض نفسه، باعتبار أن "إيران في طريقها إلى أن تصبح "دولة جوار" بالنسبة لـ"إسرائيل"، شاءت هذه الأخيرة أم أبت"، وفق زعمه.
وأما عن أسباب هذه الخشية، فيتّضح أن تل أبيب تخشى من أي دور إيراني في سوريا، سواءً في الجولان أو في اللاذقية حيث تحذّر الأطراف الإسرائيلية من إيجاد أي قاعدة بحريّة هناك، في حين تؤكد كل من طهران ودمشق أن القاعدة البحرية هي أمر ثنائي تتم معالجته وفق الأطر القانونية. بعبارة أخرى، تخشى تل أبيب من الدعم الإيراني الذي يجعل من دمشق رادعاً قويّاً، كما هو حال المعادلات العسكريّة التي كرّسها حزب الله بدعم من إيران على الحدود اللبنانيّة.
اليوم، تجري رياح الجنوب السوري بما لا تشتهي سفن الشمال الإسرائيلي، كما أن تطوّرات مواقف تل أبيب في سوريا يحمل أوجّه عدّة، يمكن تلخيصها بالتالي:
أوّلاً: لم يكن التجاهل الإسرائيلي لداعش من قبيل الصدفة، باعتباره لا يؤثر على المصالح الإسرائيلية، بل يدعمها. إلا أن ذكر داعش بموازاة إيران في التصريحات الإسرائيلية يهدف للتأثير على الاتصالات الدولية الجارية، وتحديداً تلك التي يجريها ممثلو الكيان الإسرائيلي عبر كافّة القنوات المتاحة كأمريكا وروسيا وتركيّا بغية تثبيت المصالح الإسرائيليّة في أيّ تسويةٍ مقبلة في سوريا، والحؤول دون أي معادلات جديدة في سوريا بشكل عام، والجولان على وجه الخصوص.
ثانياً: الرعب الإسرائيلي من محور المقاومة عموماً، وإيران على وجه الخصوص. هذا الرعب قد ارتفع منسوبه خلال الآونة الأخيرة بعد محاولة الجيش السوري لتغيير قواعد اللعبة من الرد بالصواريخ على الانتهاكات الإسرائيلية، الأمر الذي أحدث صدمة لدى قادة الاحتلال الذي اعتاد على سكوت الجانب السوري طيلة السنوات الستّ الماضية بسبب انشغاله في مواجهة الجماعات الإرهابية.
ثالثاً: ويرتفع منسوب هذا الرعب مع الحديث الإسرائيلي عن حضور قوّات مدعومة إيرانيّاً في جبهة الجنوب السوري، التي اعتاد الجيش السوري أن يردّ فيها بصمت خشية فتح جبهة صراع جديدة مع "إسرائيل"، إلا أنّ الردّ الأخير يؤكد أن الجيش بات مستعدّاً لذلك على أقلّ تقدير.
ما يمكن تأكيده اليوم، خاصّة بعد الانتصارات التي حقّقها الجيش السوري من الشمال الحلبي، إلى الوسط الحمصي فالجنوب السوري، أن الكيان الإسرائيلي عاجزٌ عن فرض معادلاته في سوريا، بل سيستجدي دمشق عبر طرف ثالث لعودة الجيش السوري وحيداً إلى منطقة الحدود، كما كان الحال منذ اتفاق فصل القوات بين الدولتين منذ العام 1974 وحتى سيطرة الجماعات المسلّحة، وبدعم إسرائيلي مباشر، على أجزاء من تلك المنطقة في العام 2013. لذلك يعمد إلى طرح جملة من المناورات السياسية بعد فشل رهانه على إسقاط الرئيس الأسد. ولعل الفشل هي الكلمة الوحيدة التي تلخّص السياسة الإسرائيليّة في سوريا خلال الأعوام الستّة الماضية لناحية عدم قدرتها على تحقيق أيّ مكسب ملموسٍ على أرض الواقع عدا علاج الإرهابيين!