الوقت- يبدو أن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لم ينعم كثيرا بوصول صديقه "ترامب" إلى سدة الحكم في أمريكا، فصحيح أنه يتمتع اليوم بدعم ترامبي مطلق، إلا أنه بدأ مرحلة عزلة أوروبية دولية على خلفية القانون الذي وصف بأنه تشريع لمصادرة الاراضي الفلسطينية، عزلة قد تطيح به وبحكومته، خاصة وسط ضغوط داخلية في ملفات فساد أوشكت أن تؤتي أكلها لمعارضيه في الداخل.
أما عن موضوع القانون الذي أثار الكثير من النقاشات حتى في الداخل الإسرائيلي نفسه، فقد أُقر الأسبوع الماضي في الكنيست الإسرائيلي بأغلبية ضئيلة، وهو يشرع آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة بأثر رجعي. قانون وصفه الكثيرين بأنه سرقة للأراضي الفلسطينية. ويشكل القانون خطوة في اتجاه ضم أجزاء جديدة من أراضي الضفة الغربية المكرسة دوليا فلسطينية. ويسعى نتانياهو من خلال إقرار هذا القانون إلى إرضاء المستوطنين وتشريع البؤر الاستيطانية العشوائية التي كان نفس قانون الكيان الإسرائيلي يعتبرها غير شرعية. كما وسيكرس القانون مصادرة نحو 8000 هكتار من الأراضي الفلسطينية الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن نتانياهو وفي محاولة لامتصاص الامتعاض الأوروبي من هذا القانون صرح خلال زيارته لبريطانيا أنه أبلغ (أصدقاءه) في البيت الأبيض حول مشروع القانون قبل إقراره، في خطوة تؤكد المباركة الترامبية لهذه الخطوة.
أوروبيا ودوليا كان الموقف مغايرا عن الأمريكي. حيث أعرب الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط "نيكولا ملادينوف" عن قلقه من هذا القانون، مؤكدا أن ذلك سيفتح الباب للاستمرار في قضم الأراضي الفلسطينية لصالح بناء المستوطنات، كما أن ذلك يهدد حل الدولتين الذي يسعى إليه المجتمع الدولي.
وفي مؤشر يؤكد توسع رقعة العزلة الدولية على نتانياهو، أتى قرار مكتب المستشارة الألمانية بإلغاء سفر ميركل المقرر إلى الكيان الإسرائيلي في العاشر من أيار مايو المقبل، ورغم محاولة مكتب نتانياهو الإيحاء أن السبب وراء الأمر هو انشغال ميركل في الانتخابات الداخلية الألمانية في أيلول سبتمبر المقبل. ولكن المصادر الألمانية إضافة إلى مصادر من داخل الكيان الإسرائيلي أكدت أن قرار إلغاء الزيارة إنما جاء بسبب الاعتراض الألماني على القانون الأخير الذي يسلب الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات. وفي نفس السياق أكد مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية على علاقة بمسؤولين في وزارة الخارجية الألمانية ومكتب ميركل أن المسؤولين هناك غير راضين نهائيا عن القانون الذي شرع المستوطنات العشوائية والذي فتح الباب أمام هضم أراض فلسطينية جديدة.
ونقلا عن نفس المصدر الذي تحدث لصحيفة هآرتس الإسرائيلية أن المسؤولين الألمان أبلغوه أن حكومتهم ستتخذ إجراءات دبلوماسية تؤكد من خلالها بوضوح على الرفض والغضب من تشريع وإعادة استئناف الاستيطان.
وردا على ادعاءات نتانياهو حول انشغال ميركل بالانتخابات قالت صحيفة هآرتص أن الانتخابات الألمانية مقررة منذ وقت طويل، ولكن موعد زيارتها للقدس المحتلة تقررت قبل أيام من تصويب القانون الجديد، ولكن وبعيد إقرار قانون تشريع المستوطنات سارع المسؤولين الألمان إلى إلغاء الزيارة.
واللافت أيضا وفي نفس السياق أن مسؤولي السفارة الألمانية في الكيان الإسرائيلي قد تحاشوا الإيتاء بأي تصريح حول أسباب إلغاء زيارة ميركل، ولكن لم ينفوا أن السبب قد يكون إقرار المشروع الذي وسم بمشروع مصادرة الأراضي الفلسطينية.
كما أن وزارة الخارجية الألمانية كانت قد استدعت السفير الإسرائيلي لديها لتستوضحه حول المشروع المذكور، وأصدرت بدورها بيانا شديد اللهجة يدين هذا القانون.
ما حصل أيضا خلال زيارة نتانياهو إلى بريطانيا الأسبوع الفائت، لا يخرج أيضا عن السياق حيث وصل إلى مقر رئاسة الحكومة البريطانية فلم يجد من يستقبله، في حركة لها دلالاتها وأبعادها البروتوكولية والسياسية. وحتى من ناحية مضمون التصريحات التي أطلقها الجانبان فقد بدا واضحا سعي نتانياهو لإيجاد حليف في جبهة الاتفاق النووي الإيراني من جهة، ومن جهة أخرى حاول الإشارة إلى التنسيق المسبق مع البيت الأبيض قبل إقرار القانون الأخير في محاولة لجلب رضا البريطانيين. وفي المقابل رغم تأكيد "تيريزا مي" على قوة العلاقات مع الکیان الاسرائيلي إلا أن نتانياهو سمع تأكيدات بريطانية على احترام الاتفاق النووي مع إيران من جهة، وعلى ضرورة تقيد (إسرائيل) بالقوانين الدولية وحل الدولتين، إضافة إلى اعتبار رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا مي" أن استمرار الإستيطان يقوض "الثقة" في الشرق الأوسط.
ختاما يبدو أن نتانياهو سيكتفي بصديقه الساكن في البيت الأبيض، إضافة إلى حلفائه الجدد من الأعراب الذين لا يضيفون لرصيده قوة تذكر، وعزلته الدولية التي تزداد يوما بعد يوم إنما يعززها توجهاته الشبيهة بترامب. حتى أن البعض يرى أن تقاربه وتماهيه الكبير مع ترامب سيكون له الأثر السلبي الكبير عليه وعلى الداخل الإسرائيلي، خاصة أن ترامب نفسه بات موضع غضب وسخط دولي بل وأمريكي داخلي.