الوقت- يبدو أن رسالة المدافعين "الأولى" عن منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم في منطقة الدراز في البحرين لم تصل إلى النظام. مرّة أخرى يقرع النظام البحريني "ناقوس الخطر" عبر مهاجمة فرقة خاصّة المعتصمين السلميين في محيط منزل المرجع الديني عيسى قاسم، في بلدة الدراز، شمال غرب المملكة.
الخطوة الجديدة التي جاءت لتتوج "حزمةً" من الخطوات التصعيدية التي انتهجها النظام في الأسابيع الماضيّة، من إعدامه ثلاثة شبّان (علي السنكيس، وسامي مشميع، وعباس السميع)، إلى الهجوم الأوّل على منزل الشيخ قاسم، ما يشير إلى أن المعنيين في المنامة لم يتخذوا حتى الآن القرار بوقف التصعيد بل يسيرون باتجاه المزيد من التأزيم وأخذ البلاد إلى المجهول عبر إشعالهم للنار وتجاوزهم لـ" الخطوط الحمر".
الكثير من علامات الاستفهام في التوقيت والشكل والمضمون تطرح نفسها، فلماذا قرر نظام آل خليفة التصعيد بهذا الشكل الجنوني؟ وهل تدرك الحكومة البحرينية أبعاد هذه الخطوة وتداعياتها الكبرى على النظام؟ وهل هناك علاقة ما مع تل أبيب في هذا القرار؟
تأتي الهجمة الجديدة وسط تحذير العديد من القوى من إمكانيّة حصول الانفجار في حال تجاوزَ النظام الخطوط الحمر، انفجار تسعى إليه المنامة والرياض على حدّ سواء، كما يبدو على الأرض.
يتساءل البعض عن أسباب إصرار الشريحة الأكبر من الشعب البحريني على الاستمرار بالسلمية، وهي تساؤلات ارتفع منسوبها في الآونة الأخيرة، بدءاً من الهجوم الأول مروراً بإعدام الشبان الثلاثة ووصولاً إلى الهجوم الأخير.
لا شكّ أن سلمية المواجهة هي الخيار الأنسب، رغم اقتناع بعض البحرينيين بعدم جدواها بعد تجربة ناهزت السنوات الست، ومن ضمنها "سرايا الأشتر" و "سرايا المختار" التي تدعوا للسير بنهج المقاومة في المواجهة القائمة مع النظام. قناعة السلمية التي باتت ضبابيّة لشريحة كبيرة من الشعب البحريني، لاسيّما بعد الهجوم على رمز البحرين الشيخ عيسى قاسم، تعود لبريقها السابق في ظل وجود القيادة الحاليّة المتمثّلة بشخص آية الله قاسم وبعض كبار العلماء في البحرين، وفي حال تجاوز الخطوط الحمراء، فلا بد للمعادلة أن تنقلب رأساً على عقب.
هناك من يعتقد، من المؤيدين قبل المعارضين، أن بقاء الشعبين السعودي والبحريني على نهجهم السلمي بعد إعدام الشيخ النمر واعتقال الشيخ قاسم يعدّ سبباً رئيسياً فيما يحصل اليوم، فلو شاهد النظام حينها "العين الحمرا" لأعاد حساباته، هذا الكلام يبدو واقعيّاً للوهلة الأولى إلى أن سياسة "الصبر الاستراتيجي" هدفت منذ اليوم الأول لسحب كافّة الذرائع من النظام، ولكن هذا لا يعني أبداً أنّه لا يوجد للصبر حدود.
لا أخفيكم سرّاً أنني أخشى من إقدام السلطات البحرينية على خطوة متهوّرة عبر فض اعتصام الدراز بالقوة، والاعتداء على منزل الشيخ قاسم، خاصّة في ظل إعلان ما يسمّى "التعاون الإقليمي" في الحكومة الصهيونية تساحي هنغبي عن علاقات اقتصادية وأمنية مع البحرين، والحديث عن تدريب هذه القوّات لتلك، إلا أن بيان العلماء الذين أكّدوا أن "الدفاع حتى الموت" عن الزعيم الديني آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم هو الموقف الشرعي الذي أعلنته المرجعية الدينية إلى شعب البحرين، قد يعيد الحسابات البحرينية من جديد، لاسيّما عندما يشاهدون غداً الأحد مسيرة الأكفان.
إن ما يجري من مستجدّات في الملف البحريني يؤكد أن البلد يسير نحو الانفجار وقلب الطاولة على الجميع، وهنا لا بد من التذكير بالتالي:
أولاً: إن التهجم على الشيخ عيسى قاسم، هو بطبيعة الحال تهجّم على مقام المرجعيّة الدينية، وبالتالي، لا بد للنظام البحريني أن يعدّ نفسه للمواجهة مع ردود أفعال المرجعيّة. أولى هذه الردود صدرت عن المرجع الديني العراقي آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري الذي دعا إلى الدفاع عن آية الله الشيخ عيسى قاسم إلى حد الموت، مطالباً الشعب البحريني بالدفاع عن سماحة أية الله الشيخ عيسى قاسم بكل ما في وسعهم و إلى حد الموت .
ثانياً: ربّما يعتقد النظام البحريني أو غيره أن تهديدات "الخطوط الحمراء" و"الانفجار" لا تعدو عن كونها "فقاعات إعلاميّة، ولكن حبذا لو يطالع النظام البحريني قدرة المرجعية الدينية على المواجهة الخشنة، فيما لو قرّرت ذلك. نذكّر النظام بفتوى آية الله الميرزا حسن الشيرازي التي أصدرها قبل 129 عام، ونعيش ذكراها هذه الأيام، حول تحريم استعمال التنباك، ما أجبر الشاه القاجاري تحت ضغط الجماهير بقيادة العلماء إلى الإعلان عن إلغاء الامتياز كاملاً. الميرزا الشيرازي قد كتب في رسالته: "بسم الله الرحمن الرحيم، استعمال التنباك والتتن حرام بأي نحو كان، ومن استعمله كمن حارب الإمام عجل الله فرجه. محمد حسن الحسيني الشيرازي"، ثم أعقبها الميرزا بالفتوى الأخرى: (إذا لم يُلغ امتياز التنباكو بشكل كامل، سأعلن الجهاد العام خلال ثمان وأربعين ساعة) ما أجبر النظام الملكي في ايران على الرضوخ للفتوى.
ثالثاً: يبدو أن النظام البحريني غير مهتم بتجارب التاريخ في هذا السياق، كما يبدو، لذلك نحيله إلى تجربة معاصرة في العراق اسمها "الحشد الشعبي" الذي تأسس بناءً على الفتوى الدينية التي صدرت عن المرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني، وإن اللبيب من الإشارة يفهمُ.
كما كانت فتوى الميرزا الشيرزي، وكذلك فتوى السيد السيستاني، بمثابة "القنبلة" من حيث تأثيرها على المجتمع الإيراني، فإن أي فتوى للمرجعيّة الدينية في هذا السياق الواقع نفسه، لذلك ندعو، للمرّة الألف، النظام البحريني إلى التعقّل لأن إراقة الدماء لا تصب في صالح أيّ من الأطراف، ولكن كما يقول الشاعر: إذا لم تكن إلا الأسنّة مركباً، فما حيلة المضطرِّ إلا ركوبها..