الوقت- على بعد أيّام من المؤتمر المزمع عقده بشأن سوريا بين الثالث والعشرين والخامس والعشرين من الشهر الجاري في العاصمة الكازاخستانية "أستانة"، كشفت الخلافات الميدانيّة التي نشبت بين"فتح الشام" و"الأحرار" عمق الصراع بين فصائل المعارضة المسلّحة على الأراضي السوريّة.
الخلافات القديمة بين "جفش" (جبهة النصرة سابقاً) وحركة أحرار الشام التي تعود إلى أواخر العام 2015، وذلك بعد إعلان "جند الأقصى" في تشرين الأول 2016 انضمامه لـ"فتح الشام" بعد خلاف واقتتال مع "أحرار الشام، سطع نجمها مجدّداً في ظل تبادل الإتهامات بين العمالة وحرب التصفيّة، الأمر الذي أدّى إلى معارك جديدة اليوم الخميس في ريف إدلب.
انتصار حلب بوابة الخلافات
المرحلة الجديدة من الخلافات، بدأت على وقع انتصار حلب حيث اقنعت أنقرة أحرار الشام بضرورة مغادرة الأحياء الشرقية، وقد حاولت الحركة فرض هذا التوجه على الجبهة عبر الإقناع لكنها لم تتمكن من ذلك، الا حين تقدم الجيش السوري وحاصر الفصائل في ثلاث أحياء في حلب، عندها أصبح خيار الأحرار هو الأقوى وتمكنت الحركة من تنفيذ قرارها.
هذا الخلاف عاد مجدّداً في وادي بردى الذي اتخذته حركة "أحرار الشام" ذريعة لمقاطعة المفاوضات، وهو ما أردّه مراقبون لخشيتها من "جفش"، فبعد دخول الروس على خط الوسطة لإبعاد المسلحين عن نبع مياه الفيجة الذي يغذي دمشق، وجدت الوساطة الروسية اذانا صاغية عند "أحرار الشام" وتم التوافق على خروج ما سماه الاتفاق بالغرباء. وبالفعل بدأ تنفيذ الإتفاق وسلم عدد من المسلحين سلاحهم أمام الكاميرات وطلبوا تسوية اوضاعهم وبقائهم في المنطقة إلا أن عناصر جبهة النصرة اعتبروا أن الاتفاق لا يعنيهم وقرروا مواصلة القتال .
"جفش" تقتحم حواجز "أحرار الشام" وتعتقل 40 مسلّح
ارتفاع حدّة الإتهامات السياسية بين الحركتين تُرجم ميدانيّاً عبر معارك جديدة، دارت اليوم الخميس، بين حركة "أحرار الشام" من جهة وبين جبهة "فتح الشام" (النصرة سابقاً) من جهة ثانية، في ريف إدلب الغربي.
وأوضحت وسائل إعلامية نقلاً عن مصادر معارضة، إن مسلحين من "فتح الشام" اقتحموا حاجزي الزعينية ومعبر خربة الجوز بريف مدينة جسر الشغور غرب إدلب، حيث يسيطر "أحرار الشام"، واعتقلوا جميع عناصرهما، بعد اشتباكات خفيفة، وذلك إثر اتهامات للحركة بخطف عنصراً من الجبهة.
أوضحت المصادر أنّ "عدد العناصر الذين اعتقلتهم (فتح الشام) يقدر بنحو أربعين".
وتمكنت الجبهة إثر الهجوم من السيطرة على العديد من النقاط الخاضعة لسيطرة "أحرار الشام"، في جبل الديموس وبلدة الجانودية، على حد قول المصادر.
أحرار الشام: الجولاني يشنّ حملة تصفيات داخليّة في "جفش"
المعارك الميدانية جاءت تكريساً لأخرى سياسيّة، فقد شككت "أحرار الشام" في القتلى الكثر من جبهة "فتح الشام" جراء قصف التحالف الدولي والذي كان أبرزهم في مدينة سراقب، حيث أكدت الحركة أن جثث قتلى فتح الشام تؤكد أنهم لم يموتوا بسبب أي قصف بل قتلوا من خلال "أبو محمد الجولاني" في ضوء التصفيات الداخلية التي يقوم بها داخل الحركة لطرد المعارضين له منها والاحتفاظ بمن يدينون له بالولاء.
النصرة: أحرار الشام عميلة لتركيا وأمريكا
وفي سياق القصف السياسي بين الحركتين، اتهمت النصرة الحركة بتسليم الجانب التركي ومنه الى الأمريكي نقاط وخرائط مراكز قيادة الجبهة حيث قامت الطائرات الأمريكية مؤخرا بتنفيذ غارات على ادلب وريفها تمكنت خلالها من تصفية قادة من الصف الأول في النصرة. وفي حين يؤكد مراقبون قيام أحرار الشام بتسليم الخرائط، يوضح آخرون أنّه ليس من السهل أن تتخذ الحركة خيارا عسكريا مباشرا يؤدي إلى الصدام مع جبهة النصرة في جغرافية عسكرية مختلطة ومعقدة .
إشكال فردي، خلاف فكريّ أم حرب زعامات؟
لم تكن تصريحات الحركتين، سوى انعكاس لما وصلت إليه حالة افتراق الخيارات بين التنظيمين الذين قاتلا معا في أغلب الجبهات على الأرض السورية. المعارك الميدانية لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت بعد حرب الإتهامات المتبادلة التي وصلت إلى حد الاتهامات المتبادلة بالعمالة للأمريكان، ما يؤكد أن الخلاف ليس إشكالاً فرديّاً، إنّما خلاف فكري وفق المسؤول العسكري في حركة "أحرار الشام" حسام سلامة الذي هاجمته حسابات جبهة النصرة على وسائل التواصل الإجتماعي قبل أشهر داعيةً إلى قتله.
لا تنحصر الخلافات بالشقّ الفكري، بل هناك أشبه ما يكون بحرب "زعامات" حيث ترى حركة احرار الشام أنّ أبو محمد الجولاني يعدّ السبب الرئيسي وراء تلك الأزمة العنيفة بسبب إصراره على الاندماج مع حركة أحرار الشام بشروطه الخاصة وعلى رأسها أن يصبح هو القائد العام الجديد للحركة الجديدة، وأن يتولى نوابه المناصب الأساسية.