الوقت - بعد انتخاب "دونالد ترامب" رئيساً لأمريكا بدأت تثار التساؤلات والتكهنات بشأن سياسته المستقبلية تجاه مختلف القضايا الداخلية والخارجية لاسيّما ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.
وانقسمت التكهنات في هذا المجال بين متفائلة ومتشائمة تبعاً للفرص والتحديات التي يعتقد أنها ستواجه ترامب في تعامله مع هذه القضايا ومن بينها ما يخص إيران وتحديداً ما يتعلق بالاتفاق النووي الذي أبرمته مع مجموعة (5+1) في تموز/يوليو 2015 ودخل حيز التنفيذ قبل أكثر من عشرة أشهر.
ويرى معظم المراقبين بأن التصريحات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية لا تعبر بالضرورة عن حقيقة السياسات التي سيعتمدها بعد دخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير القادم سواء إزاء إيران أو غيرها من الدول خصوصاً روسيا والسعودية والملفين العراقي والسوري.
ويعتقد المراقبون بأن التهديدات التي أطلقها ترامب ضد إيران والتي وصلت إلى حد التلويح بتمزيق الاتفاق النووي ستواجه الكثير من العقبات باعتبار أنّ هذا الاتفاق الذي حظي بتأييد مجلس الأمن والأمم المتحدة هو إتفاق دولي وليس بين بلدين كي يتمكن ترامب أو غيره من تغيير بعض بنوده أو نقضه، فضلاً عن عدم إمكانية تمزيقه، خصوصاً وأن إيران قد أكدت على لسان قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي بأنها ستحرق الاتفاق إذا ما أقدم ترامب أو غيره على تمزيقه.
كما يعتقد هؤلاء المراقبون بأن تأكيد ترامب على ضرورة الاهتمام بالاقتصاد الأمريكي والقضايا الداخلية الأخرى بدلاً من التدخل العسكري في الشرق الأوسط سيصب في مصلحة إيران وروسيا وسيمكنهما من توسيع نفوذهما في عموم المنطقة.
ورغم أن هذه التحليلات تبدو صحيحة إلى حد ما إلاّ أنها تفتقد في الواقع إلى الدقة وتغفل الكثير من الحقائق التي يجب أخذها بعين الاعتبار للوصول إلى التشخيص الصحيح للمواقف التي سيتخذها ترامب بشأن إيران وغيرها من الدول.
ومن هذه الأمور ما يتعلق بنظرة الإدارة الأمريكية تجاه القضايا المتعددة التي تخص المنطقة وفي مقدمتها الحرب على الإرهاب والجماعات المتطرفة وكيفية التعامل مع روسيا والسعودية والملفين العراقي والسوري.
كما ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار علاقة أمريكا بالاتحاد الأوروبي والخلافات التي لاتزال قائمة بين الجانبين بشأن الكثير من القضايا ومن بينها ما يتعلق بمستقبل حلف شمال الأطلسي "الناتو" ورؤية كل منهما للقضايا الأخرى وفي مقدمتها الاتفاق النووي مع إيران. فطاقم ترامب هو الوحيد الذي يلوّح بتمزيق هذا الاتفاق، في حين تؤكد باقي دول مجموعة (5+1) وهي روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بالتزامها بهذا الاتفاق، وهذا الأمر من شأنه أن يقوي موقف إيران ويضعف دون أدنى شك موقف أمريكا حيال هذا الموضوع.
وتجدر الإشارة في هذا المضمار إلى أن منسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي (فيدريكا موغريني) كانت قد نوّهت إلى أن الاتحاد سيقف بوجه أي محاولة لتغيير أو نقض الاتفاق النووي، وأكدت على أن هذا الاتفاق المتعدد الأطراف قد عقد في إطار الأمم المتحدة ولا يمكن لأي كان أن يلغيه بشكل منفرد، مشددة في الوقت نفسه على أنها تضطلع بمسؤولية مباشرة في هذا المجال باعتبارها رئيسة اللجنة المشتركة التي تشرف على هذا الاتفاق.
الأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه هو التصريحات التي أطلقها ترامب بشأن محاربة الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم "داعش" والتي أكد فيها أنه سيخصص جزءاً كبيراً من وقته ومساعيه لتحقيق تفوق في هذا المجال، إلى جانب تلويحه بإمكانية تقليص التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة خصوصاً في سوريا والعراق بعد الانتهاء من موضوع "داعش"، الأمر الذي سيتيح المجال لإيران لإعادة ترتيب أولوياتها والاستفادة من إمكانياتها لتطوير علاقاتها مع الدول الأخرى لاسيّما دول الجوار، وهذا يعني بالتالي بأن إيران ستكون هي الرابح الأكبر سواء نفذ ترامب تهديداته ضدها فيما يتعلق بالملف النووي أو إلتزم بتنفيذ وعوده في محاربة الإرهاب وتقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
وأمّا ما يرتبط بتصريحات ترامب إزاء علاقة أمريكا بالكيان الإسرائيلي وتأكيده على مواصلة دعم هذا الكيان في مختلف المجالات، فمن شأن هذا الأمر أن يضاعف من مستوى التوتر في المنطقة، خصوصاً إذا ما علمنا أنّ تل أبيب كانت رافضة لتوقيع الاتفاق النووي بين طهران والمجموعة السداسية الدولية وتنتظر الفرصة المناسبة لاستئناف تهديداتها ضد إيران، وهذا الأمر يرجح أن يلجأ ترامب إلى تصعيد الموقف مع طهران بحجة رفض الاتفاق النووي خدمة للكيان الإسرائيلي الذي يسعى لإبقاء التوتر في الشرق الأوسط لضمان أمنه على حساب أمن واستقرار دول وشعوب المنطقة.
ورغم هذه الحقائق تبقى مسألة العلاقة بين روسيا وأمريكا من جانب وبين الأخيرة والسعودية من جانب آخر تحظى بأهمية خاصة في رسم طبيعة المرحلة القادمة التي ستشهدها المنطقة. فترامب كان قد أكد مراراً عزمه على إقامة علاقات جيدة مع روسيا وأشاد بدورها في محاربة الإرهاب، في حين حذر السعودية من مواصلة دعمها للجماعات المتطرفة، ولكن رغم ذلك لا يمكن الجزم بأن علاقة واشنطن مع موسكو ستكون جيدة فعلاً بسبب وجود الكثير من الملفات العالقة بين الجانبين لاسيّما فيما يتعلق بالأزمة السورية، كما لا يمكن الجزم بأن علاقة واشنطن بالرياض ستكون متأزمة لوجود مصالح مشتركة بين الجانبين لاسيّما في الجانب الاقتصادي.
ختاماً ينبغي التأكيد على أن الفرص والتحديات التي ستواجه أمريكا في عهد ترامب ستبقى متأرجحة وغير واضحة المعالم إذا ما نظرنا إليها فقط من زاوية التصريحات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية ولم نأخذ بعين الاعتبار الحقائق الأخرى على أرض الواقع خصوصاً التي تتعلق بالاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية الدولية والعلاقة بين أمريكا وروسيا من جهة وبينها وبين السعودية من جهة أخرى، والتطورات الميدانية التي ستشهدها الأزمة السورية ونتيجة المعارك التي تخوضها القوات العراقية حالياً لتحرير مدينة الموصل من "داعش"، ومواقف الدول الإقليمية الأخرى من هذه القضايا وتحديداً تركيا التي تخشى من إمكانية إقامة منطقة حكم ذاتي لأكراد سوريا قرب حدودها وتسعى في الوقت نفسه إلى اقتطاع جزء من الأراضي العراقية والسورية بحجة تبعيتها لها أو بذريعة تشكيل حزام أمني لأراضيها المتاخمة للحدود السورية والعراقية في جنوب وجنوب شرق البلاد.