الوقت- أفرغت صناديق الاقتراع الكولومبيّة ما في جعبتها حول اتفاق السلام مع متمردي جبهة فارك حيث أفضت نتائج الاستفتاء إلى نتيجة غير متوقّعة وأظهرت النتائج النهائية أن 50.23% من الكولومبيين صوتوا بـ"لا" رفضا لاتفاق السلام، مقابل 49.76% صوتوا بـ"نعم"، وذلك خلافاً لآخر استطلاع أجراه معهد ايبسوسنابوليون فرانكو نعم" 66% و "لا" 34%.
ويكشف فشل الاتفاق الذي جاء لينهي 52 عاما من الحرب ويدعو مقاتلي جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) للعودة للاندماج في المجتمع وتشكيل حزب سياسي، الواقع الكولومبي اليوم حيث أن شريحة كبيرة من المجتمع الكولومبي الذي خسر 260 ألف شخص على يد هذه المنظّمة، لا تزال ترفض الاتفاق الاندماج مع هذه المنظمة لأن " المتمردين يجب أن يدفعوا ثمن جرائمهم في السجون وألا يحصلوا على مقاعد برلمانية على الإطلاق"، مقابل رأي آخر يرى أن سلاما منقوصا أفضل من الحرب.
لم تكن خطوة الاستفتاء وليدة الصدفة، بل جاءت بعد أربعة سنوات من المفاوضات التي توصّلت إلى اتفاق النهائي حصل على إشادة في مختلف أنحاء العالم، إلا أن الشعب أسقط الاتفاق الذي كان يرمي إلى السماح لحركة فارك- التي تأسست كحركة ثورية للمزارعين في عام 1964- بالمنافسة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2018، وبالتالي تتحوّل هذه المنظّمة التي ما تزال تضم 5765 مقاتلا، الى حزب سياسي بعد أن تسلم أسلحتها تحت إشراف الأمم المتحدة التي تحققت حتى الآن من إتلاف فارك قبل أيام (السبت) 620 كلغ من المتفجرات.
تضارب الآراء
فقد قاد الرئيس السابق الذي لا يزال يتمتع بنفوذ ألفارو أوريبي معسكر الرافضين للاتفاق وقال إن المتمردين يجب أن يدفعوا ثمن جرائمهم في السجون وألا يحصلوا على مقاعد برلمانية على الإطلاق. إلا أن حركة "جيش التحرير الوطني" ثانية حركات التمرد في كولومبيا، دعت إلى مواصلة السعي إلى حل تفاوضي للنزاع المسلح في كولومبيا، إلا أن معارضي الاتفاق يعتقدون أنه متساهل أكثر مما يجب مع متمردي فارك من خلال السماح لهم بالاندماج في المجتمع مرة أخرى وإنشاء حزب سياسي والإفلات من أحكام بالسجن.
بين الفشل والنجاح
رغم فشل الاتفاق، إلا أنه عند الدخول في النسب التي أسقطت الاتفاق بأغلبية ضئيلة جداً، يتّضح أن المجتمع يسير نحو الاتفاق في المرحلة اللاحقة ريثما تتهيّئ الأرضية المناسبة له، وفي حال أقدمت (فارك)، التي انخفضت أعداد مقاتليها إلى نحو سبعة آلاف في الأعوام الأخيرة، ووافقت على تسليم أسلحتها والمنافسة على السلطة في صناديق الاقتراع بدلا من استخدام الرصاص، أقدمت على خطوات حسن نيّة فإن أي اتفاق مقبل سيفضي إلى نتيجة إيجابية رغم أنه "غير ملزم".
لا شكّ في أن نتيجة الاستفتاء تلقي غموضاً على عملية السلام في المنطقة، حيث بات الوضع ضبابياً بعد رفض الاتفاق الذي كان ينظر إليه كخطوة حاسمة لإنهاء صراع استمر عقودا وكبد البلاد خسائر بشرية ومادية كبيرة، فهل ستعود المنظّمة التي موّلت على مدى عقود أطول صراع في الأميركيتين من خلال الاتجار في المخدرات والخطف والابتزاز مما نشر شعورا بالخوف بين معظم الكولومبيين؟ هل ستكبّد هذه المنظّمة الكولومبيين خسائر جديدة تتجاوز حدود الـ 260 ألف قتيل و45 لف مفقود و6,9 ملايين مهجر؟
كثيرة هي الدلائل التي تشير إلى تعديل الاتفاق حيث ترغب هذه الحركة بممارسة الحياة السياسية وقطع عزلتها، إلا أن طي صفحة نزاع استمر أكثر من نصف قرن أمرٌ يتطلّب حالياً المزيد من الوقت، أو إقدام هذه الحركة على تقديم تنازلات. ففي أول رد فعل بعد رفض اتفاق السلام، قال رودريجو لوندونو زعيم جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) إن فارك تؤكد رغبتها في السلام على الرغم من عدم الموافقة على الاتفاق الذي وقعته مع الحكومة في الآونة الأخيرة . وقال لوندونو الذي يشتهر باسمه الحركي تيموشينكو إن "فارك تؤكد رغبتها في استخدام الكلمات فقط كسلاح لبناء المستقبل. كذلك، أوضحت الحركة في وقت سابق "أنها ستقدم تعويضات مادية لضحايا النزاع المسلح، في إطار اتفاق السلام الموقع مع الحكومة الكولومبية"، الأمر الذي يزيد من فرصة نجاح الاتفاق.
كذلك، الرئيس خوان مانويل سانتوس الذي تعد هذه النتيجة هزيمة كبيرة بالنسبة إليه حيث رهن مستقبله السياسي على إنهاء الحرب الدائرة منذ 50 عاما، سيمضي قدماً في عملية السلام، لاسيّما أن أمريكا اللاتينية أبدت أسفها تجاه رفض الناخبين الكولومبيين لاتفاق السلام وقد حثّت بوجوتا على مواصلة السعي لإنهاء أطول صراع في الأمريكيتين.