الوقت- تحاول واشنطن شنَّ حربٍ على إيران، يمكن وصفها بالحرب المالية. ولعل أبرز أدواتها الجديدة، قيام أمريكا بسرقة ملياري دولار من أموال الشعب الإيراني المُجمدة منذ سنوات في واشنطن تحت حجة علاقة طهران بتفجيراتٍ استهدفت أمريكيين عام 1983 في بيروت. وهو الأمر الذي أحدث ضجة عالمية، لضعف الدليل الأمريكي خصوصاً أنه صدر من محكمةٍ محلية، ولأحقية الشعب الإيراني الرافض للمساس بحقوقه المشروعة. فيما أثبت هذا التصرف، حكمة القيادة الإيرانية لا سيما المُرشد، في تأكيده على الدوام، رفض إعتبار الطرف الأمريكي أهلاً للثقة. فماذا في القرار الأمريكي؟ وما هي دلالاته؟
قرار المحكمة الأمريكية
أصدرت المحكمة العليا الأميركية قراراً يطالب إيران بدفع تعويضات بقيمة ملياري دولار من أموال لها مجمدة في الولايات المتحدة. وتُروِّج واشنطن لأحقيتها في ذلك، من خلال الحديث عن أن أُسر ضحايا أميركيين يطالبون بها. في وقتٍ تحاول واشنطن من خلال إتهام طهران بضلوعها في التفجيرات التي استهدفت الكتيبتين الأمريكية والفرنسية في القوة المتعددة الجنسيات في بيروت عام 1983. واتخذت القرار أعلى هيئة قضائية أميركية بتأييد 6 أصوات ومعارضة اثنين. مع الإشارة الى أن هذا القرار، يدعم مرسوماً اصدره الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" مطلع 2012، ويحول دون نقل الأموال، فضلاً عن تصويتٍ للكونغرس بعد بضعة أشهر على قانون يُجيز حجزها. في المقابل رفع البنك المركزي الإيراني دعوى أمام المحكمة العليا مؤكداً أن الكونغرس تجاوز دوره وانتهك فصل السلطات عبر تبني قانون يرمي تحديداً للتدخل في ملف جنائي.
تحليلٌ ودلالات
لا شك أن قرار المحكمة الأمريكية بالتعويض لأسر الضحايا الأمريكيين، هو من الأمور التي تُعتبر حقاً للمواطنيين الأمريكيين ويجب تسويته مع السلطات المعنية في البلاد. لكن القيام بتحصيل هذا الحق من خلال أموال مجمدة لدولةٍ أخرى، يحتاج لإعادة النظر، خصوصاً أنه يُعتبر خرقاً واضحاً للقوانين الدولية، ويمكن وصفه بالسرقة العلنية. وهنا لا بد من إيضاح التالي:
- إن الفعلة الأمريكية لا تتصف بأقل من السرقة، خصوصاً وأن الإدعاءات الأمريكية لا تُجيز لها القيام بسحب أموال دولةٍ أخرى. كما أن محكمة أمريكية محلية، لا تُعتبر مُخوَّلة بإصدار أحكام على نطاق دولي، وتتسم بصفة الحالة الدولية. الى جانب أن الحكم صدر بالإعتماد على رواية ناقصة.
- وهنا يظهر جلياً حجم التناقض الأمريكي في إصدار الأحكام. ففي وقتٍ يعرف الجميع لا سيما الحقوقيون، بأن التصرف الأمريكي تجاه طهران غير قانوني، يتساءل الكثيرون عن السبب الحقيقي الذي يدفع بدولةٍ مثل أمريكا، لفرض هكذا قرار على طهران، في هذا التوقيت، وبإستخدام هذا الأسلوب بالذات.
- وربطاً بالقرار الذي صدر، فإن مزاعم المحكمة تنتقص الى الدقة والموضوعية، الى جانب أنها لا تمتلك دليلاً واضحاً، بل اعتمدت في اتهامها، على الدعايات الإعلامية، والرأي السياسي الداعم لفرض عقوباتٍ مالية على إيران. وهو ما يجب فصله عن القضايا التي تختص بالعلاقات الدولية.
- وإذا أردنا الحديث بلغة الأمريكيين، فنجد أنهم أكثر الأطراف التي تتصف بالجريمة، والتي يمكن إدانتها، لا سيما بسبب إرهابها العلني في كلٍ من أفغانستان والعراق. وهو الأمر الذي اعترف به الجيش الأمريكي بين شهري أيلول من العام 2015 وشباط من العام 2016. كما أن التقارير العسكرية وبالتحديد الروسية، فضحت الأمريكيين في استهدافهم للمدنيين في سوريا، خلال غاراتهم التي قادوها تحت عنوان التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
- ولعل الحديث عن هذه المسألة يطول، خصوصاً عندما نتطرق الى السمعة الدولية لأمريكا لا سيما فيما يخص علاقتها بجرائم الحرب، تحت مُسمى الحرب على الإرهاب. وهنا ولأن الإحصاءات تُعتبر خير دليلٍ للمصداقية من الناحية العلمية، نُشير الى ما أصدرته منظمة أطباء للمسؤولية الإجتماعيّة "Physicians for Social Responsibility"، ومقرها واشنطن، والتي نشرت بداية العالم الحالي، دراسة مفادها أن عدد ضحايا "الحرب على الإرهاب" والذين قتلوا خلال عشر سنوات، منذ هجمات 11 أيلول، يزيد عن 1.3 مليون إنسان، بل وقد يصل إلى 2 مليون. ويستعرض التقرير، المكوّن من 97 صفحة مِن قبل المنظمة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، عدد ضحايا هذه الحرب والتي تقودها أمريكا في العراق وأفغانستان وباكستان. كما تجدر الإشارة الى أن التقرير أُعدَّ من قبل فريق من المتخصصين العاملين بمجال الصحة العامة في المنظمة، مِن ضمنهم د. روبرت جولد، مدير قسم التعليم والتوعية الصحية والمهنية في المركز الطبي في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو. ومع ذلك، فقد تم التعتيم كلياً على التقرير مِن قِبل وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزيّة، بالرغم من أن التقرير هو الأول مِن نوعه الذي تقوم به منظمة رائدة في مجال الصحة العامة لتقديم إحصاء علمي دقيق لعدد ضحايا ما يُسمى "الحرب على الإرهاب" والتي تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا.
- بالإضافة الى كل ما تقدم فقد أثبتت التحقيقات والتي قامت بها السلطات الإيرانية، مسؤولية واشنطن المباشرة عن إغتيال أمريكا للعلماء النووين الإيرانيين، الى جانب تأمينها الدعم لبعض الحركات المُنافقة والتي تحاول النيل من الجمهورية الإسلامية. الأمر الذي يضحد حق واشنطن في الإدعاء، ويجعلها بصفة المُتهم تجاه إيران. في وقتٍ يُعتبر فيه الإتهام الأمريكي، ترويجاً سياسياً ينتقص للأدلة.
- كما تُثبت سياسة الطرف الأمريكي، صحة توجيهات قائد الثورة في إيران الإمام السيد "على الخامنئي"، والذي طالما حذَّر من محاولات واشنطن الخبيثة، خصوصاً بأنها طرفٌ لا يمكن الوثوق به. وهو الأمر الذي يتعاطى على أساسه المسؤولون الإيرانيون.
إذن يكاد يصف البعض سياسة واشنطن تجاه إيران بالغباء السياسي. فالقيام بالترويج الدعائي والسياسي لعلاقة طهران بتفجيرات بيروت 1983، لن يقود الى أي نتيجة. وهو يأتي ضمن مسار كيل التُهم لإيران، والتي لا يكاد يمضي يومٌ إلا ونجدها تتصف بالإرهاب على لسان المسؤوليين الأمريكيين. في حين تُعتبر سرقة أموال الشعب الإيراني، غباءاً آخر، لن يكون أصعب على طهران من العقوبات التي فُرضت عليها لسنوات. وهو الأمر الذي يعني أن النتيجة ستكون حتماً لصالح الطرف الإيراني. في حين يجب التأكيد على صحة السياسة الإيرانية الحذرة تجاه واشنطن، فحين تقوم أمريكا بسرقة أموال الشعب الإيراني، فهي تثبت مجدداً أنها ليست أهلاً للثقة.