الوقت- الطاقة اليوم هي التي تحدد السياسات وتبني الاقتصادات ولأجلها تشن الحروب وتصنع السلامات تستطيع بأن ترفع دول الى أعلى الدرجات وفي المقابل تستطيع بأن تكون العامل الأكبر لإنهيار الدول والحضارات. النفط والغاز الطبيعي اليوم هما المصدر الرئيسي للطاقة العالمية وأسواقها دائماً ماشهدت ازدحاماً وإقبالاً كبيراً وشهد السوق العالمية نوسانات حادة في أسعار النفط كادت أن تؤدي الى كارثة اقتصادية على مستوى الاقتصادات العملاقة وعلى مستوى البشرية.
بالمقارنة بين إفلاس البنوك وانهيار الأسواق والاقتصادات تملك الأزمات النفطية قدرة كبرى لا مثيل لها في إركاع عمالقة الطاقة والاقتصاد. فهم العالم بأن توقف ضخ النفط في السوق العالمية وارتفاع أسعار النفط بشكل مفاجئ له آثار سلبية كبيرة على جميع الدول كما فعلت السعودية في عام 1973 ميلادي عندما قطعت النفط عن الغرب وأيضاً العكس صحيح عندما يزداد ضخ النفط الى السوق العالمية وتصل الأسواق الى مرحلة الإشباع تهبط أسعاره بشكل كبير كما حدث سنة 1986 أدى ذلك الى إيجاد فرصة جيدة للدول المستهلكة بحيث أنه لكل 10% بالمئة هبوط في أسعار النفط يقابله نمو اقتصادي بين 0.1 و0.5 بالمئة للدول المستهلكة.
خسر النفط مايقارب الـ 75% من قيمته خلال السنة والنصف الماضية وقد وصل سعر البرميل الواحد الى 27 دولاراً بعد أن لامس عتبة الـ 110 دولارات للبرميل الواحد وهذا الهبوط لم يكن له منافع كبيرة كما حدث في الثمانينات من القرن الماضي. صحيحٌ بأن الدول المستهلكة للنفط كانت أكثر المستفيدين ولكن بالمقابل تلقت اقتصادات الدول المنتجة ضربة قاسية جداً. هذا وستنتقل الآثار السلبية لهبوط أسعار النفط الى أسواق المال ومن الممكن بأن تؤدي الى فقدان ثقة المستهلكين بالأسواق وإيجاد خلل بالتعاملات المالية والاقتصادية وبالتالي أزمة اقتصادية عالمية كما حدث في عام 2008.
الاقتصاد النفطي الجديد
يغرق العالم اليوم بالنفط و تستخدم السعودية الحد الأقصى من قدرتها على إنتاج النفط. يعتقد الجميع بأن السعوديين يهدفون الى إخراج المنتجين الذين يستخرجون النفط بتكاليف عالية من الأسواق العالمية و من هذه الشركات التي تقوم بإنتاج النفط في أمريكا والتي رفعت إنتاجها من 5000000 ملايين برميل يومياً في 2008 الى 9000000 ملايين برميل يوماً في الوقت الحالي.
وأيضاً تقوم السعودية بتهيئة نفسها لما يمكن أن يعترضها في طريق المنافسة مع إيران لها في المنطقة التي عادت وبقوة الى السوق العالمية بعد رفع العقوبات الدولية عنها الأسبوع الماضي حيث أكدت إيران بأن لديها الإمكانية لرفع إنتاجها إلى 4 ملايين برميل يومياً على الرغم من سعي السعودية الحثيث إلى السيطرة على أسواق النفط إلا أنها فشلت في الاستحواذ والهيمنة على سوق النفط العالمية ومايزال المنتجون يقاومون للحفاظ على حصتهم في الأسواق العالمية.
لا يرغب الكثير من المنتجين للنفط الصخري بعد أن قاموا بزيادة الإنتاج بخفض إنتاجهم من أجل رفع أسعار النفط حتى يستفيد المنتجون الآخرون من ازدياد أسعار النفط وطالما أن أسعار النفط الحالية تقوم بتغطية نفقاتهم اليومية فلن يتوقفوا عن إنتاجهم للنفط لصالح المنتجين الآخرين.
ومن جهة أخرى، النفط الرخيص يمكن أن يؤدي الى تعطيل الكثير من مشاريع الاكتشاف والحفر والاستخراج عندما كانت قيمة النفط الخام أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد فقد كان من المنطقي بأن يتم التنقيب عن النفط في الأماكن البعيدة كالقطب المتجمد الشمالي وأفريقيا الغربية أو في أعماق السواحل البرازيلية فكلما هبطت أسعار النفط أكثر قلت معها بالتوازي الاستثمارات في هذا المجال نظراً للتكاليف العالية والأسعار المتدنية حيث توقفت مشاريع بقيمة 380 مليار دولار خلال الـ 18 شهر الماضية.
هذا الأمر أدي إلى انخفاض مؤشرات الشراء الأمريكية بشكل ملحوظ وفي البرازيل أثرت أسعار النفط المتدنية بشكل كبير على الشركة الوطنية "بتروبراز" التي أثارت موجة من الاتهامات بين المسؤلين هناك على خلفية قضايا تتعلق بالفساد.
لا أحد يستفيد من بقاء أسعار النفط في الحد الأدنى لها على الرغم من أن ظاهر الأمر هو فائدة للدول المستهلكة للنفط كالصين والهند ولكن الاقتصاد العالمي لن يتحمل هذه الأسعار المتدنية والركود في الأسواق و يمكن أن يؤدي إلى انهيار البنوك الكبرى وإفلاس العديد من الدول حيث لا نستطيع بأن ندرك حجم الكارثة التي نحن مقبلون عليها في حال استمرت بعض الدول بسياسة اللعب بالنار وعدم الاكتراث لحجم الآثار التي يمكن أن تسببها الأزمة النفطية العالمية.