الوقت- يشهد لبنان في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه تداخلاً غير مسبوق بين الضغوط الإقليمية والدولية، حيث تتكالب عليه الأزمات والمؤامرات التي يقودها الكيان الصهيوني مدعومًا بالإدارة الأمريكية، وسط كل هذا الصخب، يبرز موقف المقاومة – ممثلة بحزب الله – كصمام أمان ونقطة ارتكاز لوحدة الوطن وحفظ هويته واستقلاله، تحذيرات محمود قماطي، القيادي البارز في حزب الله، تعكس إدراكًا وطنيًا عميقًا بأن المخاطر لم تعد محصورة عند حدود لبنان، بل باتت تستهدف كينونته السياسية والاجتماعية وثقافة العيش المشترك فيه، في مشهد تتعاظم فيه التهديدات بالحصار ونزع السلاح، يظل خيار المقاومة ضرورة وطنية لا غنى للبنان عنها، مهما تعددت الذرائع واختلفت الضغوط.
المؤامرات الصهيونية.. تهديد وجودي واستهداف لكل مكونات لبنان
منذ سنوات، يحاول الكيان الصهيوني، بمساعدة الإدارة الأمريكية وبعض القوى الدولية، أن يفرض إرادته على لبنان عبر الضغوط والممارسات السياسية والاقتصادية والأمنية، لم تعد خطط العدو تقتصر على اعتداءات ميدانية أو طمع في الجغرافيا اللبنانية، بل توسعت المخططات لتنال من جوهر الدولة، وتسعى لتنفيذ مشروع تقسيم أو زعزعة النسيج الوطني تحت يافطة "الأمن القومي"، تصريحات قادة العدو الأخيرة خير دليل على استراتيجيتهم الجديدة القائمة على شل منظومة قوة لبنان، ونزع العناصر التي تردعهم وتؤجل أحلامهم التوسعية، هناك اليوم محاولة ممنهجة لنزع سلاح المقاومة وخلخلة البيئة الحاضنة لها، بغية إضعاف البلاد أمام أي عدوان مقبل، وفرض شروط "السلام" وفق الإرادة الصهيونية، ما يجعل من التهديد المطروح خطرًا حقيقيًا يطال الكل اللبناني دون استثناء.
وحدة الصف الوطني.. الضامن الوحيد في مواجهة الخطر الداهم
يشدد قماطي على أن الوحدة الوطنية هي السبيل الأوحد للنجاة، سواء في بعدها السياسي أم الاجتماعي، هذا الطرح يكتسب أهمية بالغة مقارنة بحجم الانقسامات الطائفية والسياسية التي عصفت بلبنان عقودًا، وكرّست الثغرات في جدار مناعته الداخلية، إذ أصبحت المؤامرات تستغل أدنى انقسام لإحداث شرخ عميق يتيح لها تمرير مشاريع التفتيت، إن احتشاد الفرقاء اللبنانيين، وطي صفحة الأحقاد والعصبيات الضيقة، من شأنه أن يرسل رسالة واضحة للعدو بأن لبنان المنهك سياسياً واقتصادياً، ما زال يملك عناصر صموده الأهم: شعب يرفض الاستسلام، وجيش يتمسك بالسيادة، ومقاومة مؤمنة بأن التنازل بداية السقوط، لذلك، فالرهان على تعزيز الشراكة الوطنية الكبرى وتحصين الجبهة الداخلية هو الرد العملي الأقوى لمخططات الكيان الصهيوني.
المقاومة.. حاجة وطنية لا تُقهر أمام المكائد والمشاريع الدولية
خلاصة التجربة، أن المقاومة أثبتت نفسها كحاجة وطنية لا تقبل المساومة أو الاجتزاء، فهي لم تعد مجرد مشروع عسكري أو رد فعل ظرفي، بل تحولت إلى رافعة سياسية ونفسية تعيد الاعتبار لفكرة "لبنان القوي السيد الحر"، في كل استحقاق مفصلي مر به لبنان، كانت المقاومة حاضرة بقوة القرار والقيمة الاستراتيجية، إلى جانب الجيش والأجهزة الأمنية، كل المحاولات الصهيونية لتحييد هذا الدور أو انتزاع سلاحه باءت بالفشل، ببساطة لأن الدرس الأكثر رسوخًا في العقل اللبناني هو أنه لا أمن ولا سيادة من دون مقاومة فعّالة، ومهما اشتدت المؤامرات وتعددت أدواتها، ستظل هذه المقاومة هي الضمانة الصلبة لحقوق لبنان ومستقبل أجياله.
المقاومة والمجتمع.. عمق الجذور واستمرار الالتفاف الشعبي
من خلال التحولات العاصفة التي تواجه لبنان، تبرز المقاومة ليست فقط كحاجز دفاعي سياسي وعسكري، بل كحالة وعي متجذرة في وجدان المجتمع اللبناني، لقد تمكنت المقاومة، بفضل عقيدتها وثباتها في الميدان، من بناء علاقة عضوية مع شرائح واسعة من الشعب بكل طوائفه ومناطقه، في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة والانقسامات السياسية الحادة، لا تزال المقاومة تحتفظ بمكانة راسخة في الضمير الشعبي، حيث يُنظَر إليها كخط الدفاع الأخير عن الوطن وحصنه أمام مشاريع التفتيت والهيمنة.
تشهد مختلف المناطق اللبنانية تزايد مظاهر الدعم الشعبي عبر الفعاليات المدنية والتعبئة الثقافية والإعلامية التي تؤكد أن المقاومة لم تعد حالًا طارئًا، بل صارت جزءاً من الهوية الوطنية اللبنانية، ولعلّ هذا الشعور الجَمْعي بالانتماء والإيمان بالمقاومة هو ما أفشل الكثير من مخططات العدو ونزع عنها غطاء الشرعية المفتعلة لمطالبه بنزع سلاحها، من هنا، يقف المجتمع اللبناني أمام تحدٍ تاريخي، يطالب فيه الجميع بتحصين الجبهة الداخلية وتثبيت معادلة الشعب والجيش والمقاومة، كي يبقى لبنان قادرًا على مواجهة أي تهديد، مهما تعقدت الظروف أو تنوعت أدوات الاستهداف.
في الختام، لقد أفرزت التحديات المتواصلة التي تواجه لبنان وعيًا وطنيًا جديدًا لدى القوى الحية فيه، رسّخ أن المقاومة لم تعد خيارًا ظرفيًا، بل قدرًا تاريخيًا وضرورة وجودية، أمام ضخامة المخاطر التي يمثلها الكيان الصهيوني ومحاولات فرض الهيمنة ونزع عناصر القوة، يثبت اللبنانيون مجددًا أن وحدتهم أكبر من أي انقسامات وأن مقاومتهم ليست فقط ردة فعل بل تعبيراً عن إرادة جماعية للبقاء والعيش بكرامة، المعركة اليوم لم تعد على الحدود أو في دهاليز السياسة فقط، بل على صورة لبنان المستقبل، حيث المقاومة باقية محورًا لرؤية وطن حر وراية عالية في زمن امتلأ بالمحن والتحديات، ومع كل جولة ضغوط أو ابتزاز، يبقى لبنان، بجيشه وشعبه ومقاومته، أقوى من أن يُهزم أو يُروّض.