الوقت- تشهد غزة مرحلة حرجة، مع تصاعد الخلافات حول المرحلة الثانية من خطة ترامب لإنهاء الحرب في القطاع، الولايات المتحدة تسعى للبدء بسرعة، معتبرة الوقت عاملاً حاسماً لتحقيق الاستقرار، بينما مصر، كوسيط إقليمي محوري، تؤكد على ضرورة دخول قوة عربية دولية لضمان وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، في المقابل، يتخذ الكيان الصهيوني موقفًا صارمًا يرفض أي تدخل خارجي قبل تسليم جثث جنوده الأسرى، مدعيًا أن حماس قادرة على ذلك من دون مساعدة خارجية، هذه التباينات تعكس تعقيد المشهد السياسي والأمني، حيث تتقاطع المصالح الأمريكية مع المخاوف المصرية من تأثير الحضور الأجنبي، ورغبة الكيان الصهيوني في الحفاظ على مصالحه الأمنية، كما تلعب الدول العربية والإسلامية الأخرى، مثل قطر والأردن وتركيا، دورًا في تحديد شكل الحضور العربي الدولي، بينما لم تحدد الإمارات والمغرب موقفهما بعد، واقع كهذا يضع الوسطاء في مواجهة تحديات كبيرة لتحقيق أي تقدم ملموس، ويؤكد أن الخلافات الاستراتيجية بين القوى الفاعلة على الساحة الفلسطينية ما زالت عميقة وتتطلب حلولًا دقيقة وحساسة.
تصادم الرؤى الأمريكية والمصرية
يشهد المشهد السياسي في غزة تصادمًا واضحًا بين الرؤية الأمريكية والرؤية المصرية للمرحلة الثانية من خطة ترامب، فالولايات المتحدة تسعى للبدء بسرعة، معتبرة أن الوقت عامل حاسم لتجنب تفاقم الأزمة الإنسانية والعسكرية، مصر، من جانبها، ترى أن إدخال قوة عربية دولية خطوة أساسية لضمان نجاح وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وتؤكد أن أي اتفاق بدون حضور رقابي عربي قد يكون هشًا وسريع التفكك.
هذا الاختلاف يعكس تباين أولويات الدولتين: واشنطن تركز على أهدافها الاستراتيجية، والقاهرة على استقرار المنطقة وأمنها، ويبرز الدور المصري كوسيط محوري يسعى لتوحيد الرؤى، من خلال حشد الدعم العربي وإقناع الأطراف الدولية بأهمية المشاركة العربية الفاعلة، ومع ذلك، يواجه إدخال هذه القوة تحديات لوجستية وسياسية كبيرة، تتعلق بتنسيق التحركات العسكرية وضمان قبولها من جميع الفصائل، ما يجعل التوصل إلى حل سريع صعبًا للغاية ويزيد من تعقيد المفاوضات.
صرامة الكيان الصهيوني وتأثيرها على التفاوض
يعكس موقف الكيان الصهيوني تشددًا أمنيًا وسياسيًا في التعامل مع المرحلة الثانية من خطة ترامب، حيث يرفض دخول أي قوات عربية دولية قبل تسليم جثث الجنود الأسرى، هذا الموقف يعكس مخاوف تل أبيب من فقدان السيطرة على مجريات الأحداث، ويبرز أهمية قضية الجنود الأسرى كأداة ضغط في المفاوضات.
الكيان الصهيوني يرى أن حماس قادرة على تنفيذ الالتزامات دون مساعدة خارجية، ويعتبر أي تدخل أجنبي قد يعقد التوازن العسكري والسياسي على الأرض، الخلاف حول هذه النقطة يزيد من صعوبة الوصول إلى اتفاق شامل، ويضع الوسطاء أمام تحدٍ حقيقي للتوفيق بين مطالب الكيان الصهيوني وضرورات الحضور الإقليمي والدولي، كما أن أي إدخال لقوات دون موافقة تل أبيب قد يؤدي إلى توترات إضافية، ما يجعل المرحلة الثانية من الخطة حساسة جدًا من الناحية الأمنية والسياسية.
الدور العربي المحوري بين التأثير والتنسيق
تلعب الدول العربية والإسلامية دورًا متناميًا في تحديد مصير المرحلة الثانية من خطة ترامب، مصر وقطر والأردن وتركيا أبرز الدول الراغبة في إرسال قوة عربية دولية إلى غزة، لتعزيز استقرار القطاع وحماية المدنيين، هذه المبادرة تعكس رغبة الدول العربية في تعزيز نفوذها الإقليمي وتحقيق توازن سياسي وأمني مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، في المقابل، لم تحدد الإمارات والمغرب موقفهما بعد، ما يخلق حالة من الغموض حول حجم الدعم العربي المحتمل، التنسيق العربي المشترك يصبح عاملًا حاسمًا لإنجاح الخطة، خاصة مع حاجة الوسيط المصري لتوحيد المواقف وتحقيق توافق بين الأطراف. ورغم ذلك، يبقى التحدي في التنسيق مع مصالح الكيان الصهيوني وواشنطن لضمان عدم خرق الخطوط الحمراء وإثارة نزاع جديد.
التحديات الإنسانية والأمنية على الأرض
تمثل المرحلة الثانية من خطة ترامب تحديًا مزدوجًا: أمنيًا وإنسانيًا، فالكيان الصهيوني يرفض أي تدخل أجنبي قبل تسليم جثث الجنود، بينما تتصاعد الأزمة الإنسانية في غزة بسبب نقص الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، هذا الواقع يضع الوسطاء، وعلى رأسهم مصر، أمام تحديات ضخمة، إذ يجب عليهم الموازنة بين ضمان الأمن وحماية المدنيين والضغط على الكيان الصهيوني لتنفيذ التزامات الاتفاق، بالإضافة إلى ذلك، يفرض تدخل القوى الإقليمية والدولية تحديات لوجستية معقدة، من تنسيق التحركات العسكرية وضمان سلامة القوات، وصولًا إلى الالتزام بالاتفاقيات الدولية، أي فشل في التعامل مع هذه التحديات سيؤدي إلى تأجيل المرحلة الثانية وربما تصعيد جديد يزيد من معاناة غزة ويعقد المشهد السياسي الإقليمي والدولي.
في النهاية، تسلط الخلافات بين الولايات المتحدة ومصر والكيان الصهيوني الضوء على مدى التعقيد في إدارة الأزمة الفلسطينية، المرحلة الثانية من خطة ترامب تواجه عقبات كبيرة، بدءًا من موقف الكيان الصهيوني المتشدد، مرورًا بتنسيق الدول العربية، وصولًا إلى التحديات الأمنية والإنسانية على الأرض. الفجوة بين الرؤية الأمريكية الساعية للتنفيذ السريع والرؤية المصرية الراغبة في وجود قوة عربية دولية تعكس صدام مصالح إقليمية ودولية، ومع ذلك، يبقى الوسيط المصري محورًا قادرًا على تقريب وجهات النظر وتعزيز الدور العربي في تسهيل الوصول إلى اتفاق مستدام، ولتحقيق أي تقدم ملموس، إن هذا التحدي يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الوسطاء والدول المعنية على تجاوز الخلافات السياسية وتحقيق توازن دقيق بين المصالح الاستراتيجية والأمن الإنساني، وهو ما سيحدد مستقبل الاستقرار في غزة والمنطقة بأسرها.
