الوقت- منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعيش سكان قطاع غزة تحت وطأة إبادة جماعية تمارسها إسرائيل بدعم مباشر من الولايات المتحدة، في واحدة من أكثر مراحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي دمويةً ووحشيةً، وبينما تتجه الأنظار إلى المجازر والقصف، تتوارى خلف أرقام الضحايا مأساة صامتة تتفاقم يومًا بعد يوم: المجاعة التي تفتك بأرواح الأطفال، وتُهلك مرضى السرطان، وتحوّل مراكز توزيع المساعدات إلى مصائد موت تستهدف الجوعى بدلاً من إنقاذهم.
أطفال يموتون جوعًا
حسب بيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، بلغ عدد الأطفال الذين قضوا جراء سوء التغذية إلى 69 طفلًا، في حين وصل إجمالي عدد من فقدوا حياتهم بسبب نقص الغذاء والدواء إلى 620 ضحية، هذا الرقم المفجع لا يُعبّر فقط عن عجز في الإمدادات، بل يكشف عن سياسة تجويع ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة السكان، وفرض الاستسلام تحت وطأة الحاجة الحيوية للبقاء.
المجاعة في غزة ليست نتيجة كارثة طبيعية، بل هي فعل متعمد، فالحصار الإسرائيلي المُطبق منذ أكثر من 139 يومًا أدى إلى منع دخول أكثر من 76,450 شاحنة مساعدات إنسانية ووقود، حسب البيان الرسمي، كما تم استهداف 42 مخزنًا غذائيًا و75 مركز توزيع مساعدات وشن 121 هجومًا على قوافل إغاثة، ما يؤكد الطبيعة المنهجية لهذا الحصار.
مرضى السرطان: الموت بين أنياب الجوع
في قلب هذه المأساة الإنسانية يقف 12,500 مريض سرطان، يكافحون للبقاء في ظل انعدام الرعاية الصحية ونقص الدواء والغذاء، حسب وزارة الصحة في غزة، فإن المستشفيات تستقبل يوميًا مئات الحالات التي تعاني من الهزال الحاد، ومن بينهم مرضى سرطان يحتاجون تغذية خاصة لتقوية مناعتهم ومقاومة العلاج، وهو ما يُعد مستحيلًا في الظروف الحالية.
الجوع لا يُضعف أجساد هؤلاء المرضى فحسب، بل يقضي عليهم بصمت، فالمصابون بأنواع متقدمة من السرطان، مثل اللوكيميا أو سرطانات الدماغ والجهاز الهضمي، يحتاجون تغذية دقيقة ومستمرة، ومن دونها، يتسارع انهيار أجسامهم، وتصبح العلاجات الكيميائية والإشعاعية قاتلة بدلًا من أن تكون علاجًا.
أحد الأطباء في مستشفى الشفاء في غزة، الدكتور محمد أبو سلمية، أكد أن هناك أعراضًا خطيرة تظهر على المرضى بسبب الجوع الحاد، منها فقدان الذاكرة والإجهاد المزمن، بل الوفاة في بعض الحالات.
مصائد الموت: المساعدات هدف للقتل
في مشهد يناقض كل القوانين والأعراف الدولية، تحوّلت مراكز توزيع المساعدات الإنسانية إلى مناطق قنص وقتل جماعي، وفق الإحصائيات الرسمية، استُشهد 877 مدنيًا وأصيب أكثر من 5666 آخرين أثناء انتظارهم لاستلام مساعدات غذائية، فيما لا يزال 42 شخصًا في عداد المفقودين، هذا يحدث في مناطق تُفترض أنها "إنسانية"، وتحت إشراف ما تسمى "المؤسسة الأمريكية-الإسرائيلية للمساعدات".
حركة الجهاد الإسلامي وصفت هذه المراكز بأنها "مصائد موت مسلحة" أنشأها جيش الاحتلال لتصفية المدنيين الجوعى. هذا الاستهداف ليس عشوائيًا، بل يأتي في سياق خطة منهجية تُضيّق خيارات البقاء على السكان، ليصبح الطعام نفسه فخًا قاتلًا.
النساء الحوامل وكبار السن: فئات منسية تحت سيف الجوع
المأساة لا تتوقف عند الأطفال ومرضى السرطان، إذ تُظهر التقارير أن 60,000 امرأة حامل مهددات بفقدان حياتهن أو أجنّتهن نتيجة انعدام الرعاية الطبية وسوء التغذية، كما أن كبار السن يعانون من الهزال الشديد، وسط تحذيرات من انهيار تام للبنية الصحية.
الجوع في غزة لم يعد مسألة إنسانية فحسب، بل أصبح سلاحًا سياسيً، منظمة الصحة العالمية حذّرت من انهيار القطاع الصحي، وارتفاع نسبة سوء التغذية بنسبة 20% في شهر واحد فقط، وهو رقم مرعب يكشف تسارع الانهيار الغذائي في القطاع.
صمت دولي وتواطؤ غربي
في مواجهة هذه المجاعة المنظمة، تتصاعد أصوات الغضب من التواطؤ الدولي، وخصوصًا من الولايات المتحدة، ألمانيا وفرنسا، الذين اتُّهِموا بأنهم شركاء في الجريمة عبر دعمهم السياسي والعسكري والاقتصادي للاحتلال، المكتب الإعلامي في غزة حمّل هذه الدول مسؤولية مباشرة عن استمرار الحصار والمجازر.
ورغم بعض التصريحات الأوروبية المطالبة بـ"تحسين الوضع"، مثل ما أعلنه المستشار الألماني فريدريش ميرتس أو وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، إلا أن الضغط السياسي الحقيقي غائب، والمعابر لا تزال مغلقة، والمساعدات لا تدخل.
إبادة جماعية تُمارَس أمام أعين العالم
تُجمِع معظم المنظمات الحقوقية الدولية أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية مُتكاملة الأركان، فـ"إسرائيل"، بدعم أمريكي، تنتهج سياسة القتل والتجويع والتدمير والتهجير، متجاهلة بشكل صارخ قرارات محكمة العدل الدولية والنداءات الإنسانية.
خلف هذه الأرقام المؤلمة يقف 198 ألف شهيد وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 11 ألف مفقود، ومئات آلاف المشردين، في ظل حصار تام ومجاعة متصاعدة تفتك بالسكان.
هل يتحرك الضمير الإنساني؟
المجاعة التي تجتاح غزة لم تعد مجرد مأساة إنسانية، بل هي جريمة ممنهجة تُرتكب يوميًا أمام أنظار العالم، يموت الأطفال وهم يبحثون عن كسرة خبز، ويُستهدف مرضى السرطان في أجسادهم الواهية، وتُحوّل مراكز المساعدات إلى ميادين إعدام جماعي.
أمام هذه الفظائع، تبدو الإدانات الدولية خجولة، والحلول غائبة، لكن التاريخ لن ينسى، والضمير الإنساني مطالب اليوم بأكثر من مجرد تعاطف، التحرك العاجل لفتح المعابر، وإدخال الغذاء والدواء، وإنهاء الحصار لم يعد خيارًا، بل واجبًا إنسانيًا وأخلاقيً، فغزة تختنق... وتصرخ: أنقذونا.