الوقت - مع اقتراب الجمعة الأخيرة من شهر رمضان، تستعد شعوب العالم لإحياء يوم القدس العالمي، المناسبة السنوية التي أطلقها الإمام الخميني (رض) عام 1979، تأكيدًا على مركزية القضية الفلسطينية ورفض الاحتلال الإسرائيلي، وفي هذا العام، تأتي الفعاليات في ظل واقع متفجر في فلسطين، وخاصة بعد العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، ما يجعل إحياء المناسبة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
تحضيرات واسعة ومسيرات عالمية
تشهد عواصم ومدن رئيسية في إيران، العراق، اليمن، سوريا، لبنان، البحرين، باكستان، وتركيا استعدادات مكثفة لتنظيم مسيرات جماهيرية ومؤتمرات تضامنية، إضافةً إلى عدد من الفعاليات في أوروبا وأمريكا للتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني ورفض جرائم الاحتلال، وقد انطلقت بالفعل حملات إلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تؤكد على تجديد العهد مع المقاومة، ورفض الظلم، وتوحيد صفوف الشعوب المستضعفة في مواجهة الهيمنة العالمية.
وفي القدس المحتلة، ورغم التشديدات الأمنية الإسرائيلية، يواصل الفلسطينيون التحضيرات لإحياء يومهم الخاص، مجددين العهد على مواصلة النضال حتى التحرير.
الإمام الخامنئي: مسيرات يوم القدس أكثر أهمية هذا العام
اعتبر قائد الثورة الإسلامية في إيران، آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، أن مسيرات هذا العام تحمل أهمية خاصة نظرًا إلى تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة ومحاولات التعتيم الإعلامي على الجرائم الصهيونية، وأكد في كلمته المتلفزة أن يوم القدس يمثل رمزًا لوحدة الشعوب الإسلامية في وجه الاحتلال، ودليلًا على صمود الشعب الإيراني في دعمه المستمر لفلسطين.
وأشار إلى أن المشاركة الجماهيرية الواسعة في المسيرات تفند مزاعم الدعاية الغربية التي تحاول تصوير وجود انقسامات داخل المجتمعات المناهضة للصهيونية، معتبرًا أن الشعوب الحرة، في كل مكان، باتت تدرك أن "إسرائيل" ليست سوى كيان استعماري وظيفي قائم على القتل والتهجير بدعم غربي مباشر.
القدس.. من شعار إلى استراتيجية مواجهة
في العقود الماضية، نظر البعض إلى يوم القدس على أنه مجرد مناسبة رمزية، لكنه بات اليوم محطة أساسية في معركة الوعي العالمي ضد المشروع الصهيوني، فالقضية الفلسطينية ليست نزاعًا محليًا، بل تعبيراً عن صراع أعمق بين الشعوب المستضعفة وقوى الاستعمار، حيث زرع الاحتلال الإسرائيلي كأداة لإجهاض أي مشروع استقلال حقيقي في المنطقة.
ورغم عقود من التضليل الإعلامي الغربي الذي حاول تصوير "إسرائيل" على أنها "واحة الديمقراطية" وسط العالم العربي، فإن المقاومة الفلسطينية استطاعت قلب المعادلات، وكشفت أن الكيان الصهيوني ليس سوى "نمر من ورق" يعتمد بالكامل على الدعم الأمريكي والأوروبي للبقاء.
عملية طوفان الأقصى: زلزال في معادلات الصراع
لم تكن عملية "طوفان الأقصى" مجرد معركة عسكرية، بل لحظة مفصلية أثبتت هشاشة "الجيش الإسرائيلي"، الذي فشل في التصدي لمقاتلين يحملون أسلحة خفيفة رغم تفوقه التكنولوجي والاستخباراتي، كما كشفت العملية عن حجم التواطؤ الأمريكي-الأوروبي في دعم جرائم الاحتلال، حيث لم تتوقف واشنطن عن إرسال الأسلحة والقنابل الذكية، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية.
المقاومة مقابل التطبيع: سقوط الأقنعة
في وقت تستعد فيه الشعوب لإحياء يوم القدس، يقف المطبعون في موقف محرج. فكيف يمكن الحديث عن "سلام" مع كيان يرتكب المجازر اليومية بحق الفلسطينيين؟ لقد أثبتت الأحداث أن "اتفاقيات أبراهام" لم تحقق أي فائدة سوى تعميق الهيمنة الإسرائيلية، بينما بقيت الدول المطبعة عاجزة حتى عن التنديد بالمجازر خوفًا من إغضاب واشنطن وتل أبيب.
نهاية الهيمنة الأمريكية.. تحول في موازين القوى
للمرة الأولى منذ عقود، يشهد النظام العالمي تحولات جذرية، حيث لم تعد الولايات المتحدة قادرة على فرض سياساتها كما في السابق. فبينما تدعم واشنطن "إسرائيل" بلا قيود، نجد دولًا مثل جنوب إفريقيا وتركيا والبرازيل تتخذ مواقف أكثر استقلالية في دعم فلسطين، ما يعكس إدراكًا متزايدًا بأن عصر الهيمنة الأمريكية المطلقة بدأ في الأفول.
ما العمل؟ استراتيجيات لمواجهة المشروع الصهيوني
إن مواجهة المشروع الصهيوني تتطلب خطة شاملة تجمع بين الوعي والمقاومة والعمل السياسي والاقتصادي، ومن أبرز الخطوات المطلوبة:
تعزيز ثقافة المقاومة: عبر المناهج التعليمية والإعلام والفعاليات الثقافية، لتأكيد أن الاحتلال ليس قدرًا محتومًا.
توسيع حملات المقاطعة: لم يعد مقبولًا استمرار العلاقات التجارية مع كيان يمارس الإبادة الجماعية.
تحقيق استقلال القرار العربي: إنهاء التبعية للسياسات الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بفلسطين.
فضح دور الغرب في دعم الاحتلال: فالدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، هي شريك رئيسي في الجرائم ضد الفلسطينيين.
توحيد قوى المقاومة: لأن الانتصار الحقيقي لا يكون إلا بوحدة الصفوف، سياسيًا وعسكريًا.
القدس.. عنوان الصراع الأبدي
يوم القدس العالمي ليس مجرد مناسبة، بل هو تأكيد على أن الاحتلال الإسرائيلي مشروع استعماري إلى زوال، تمامًا كما انهارت أنظمة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والمطلوب اليوم أن تستعد الشعوب العربية والإسلامية لليوم الذي يصبح فيه تحرير فلسطين واقعًا، لا مجرد حلم.
إنها مسألة وقت، وليست مسألة "إمكانية".