الوقت- رغم الإدانات الدولية لاغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الذي اغتيل الأربعاء الماضي في طهران، إلا أن بعض الدول العربية التي ينبغي أن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني التزمت الصمت أمام هذه الجريمة.
صمت غريب يدل على أن مصالح التسوية أهم عندهم من قضية فلسطين، وأعلن موقع فلسطيني أن الدول العربية الأربع "الإمارات والبحرين والمغرب وموريتانيا" لم تستنكر هذا الحادث.
وفي السنوات الأخيرة، سلكت هذه الدول طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني ضد رغبة الرأي العام، وكانت تأمل أن تجد لنفسها مكانا في المنطقة من خلال الصداقة مع المحتلين.
ومن المثير للاهتمام أن حكام الإمارات والبحرين، الذين كانوا رواد المصالحة في منطقة الخليج، زعموا أن تطبيع العلاقات يتماشى مع دعم الشعب الفلسطيني، وحاولوا تهدئة الغضب الشعبي مع هذه الادعاءات.
وبالإضافة إلى إعادة فتح سفارة الكيان الصهيوني، كانت الإمارات والبحرين قد وقعتا اتفاقيات أمنية مع هذا الكيان، وتم تمهيد الطريق لتعزيز التعاون عندما أسقطت حماس، في ال 7 من تشرين الأول/أكتوبر، كل خيوط مؤيدي التطبيع، وبقيت الاستراتيجية الإقليمية القائمة على تسوية البحرين والإمارات بعد عملية اقتحام الأقصى واحتدام النظرة المناهضة للصهيونية في العالم العربي عقيمة، وعمليا لم تكن الإنجازات التي سعت إليها هذه الدول بعد دخولها وادي التطبيع قد نُفذت.
وقبل اقتحام الأقصى، كانت السعودية أيضا تتخذ خطوات نحو التطبيع، وكان هناك احتمال لتوقيع اتفاق بين الجانبين بوساطة الولايات المتحدة، وكانت دول عربية أخرى في المنطقة تتطلع أيضا إلى استكمال هذا المشروع وخططهم لتشكيل تحالف إقليمي وتنفيذ مكافحة المقاومة بشكل رئيسي، وكان كل شيء جاهزا للتسوية، ولكن دمرت حرب غزة كل هذه المشاريع.
وكانت الإمارات تعول على مساعدات "إسرائيل" لتعزيز موقفها الجيوسياسي، لكن الآن بعد وقوف المجتمع الدولي إلى جانب الشعب الفلسطيني بسبب الجرائم الصهيونية في غزة، لا يمكنهم الاستمرار في طريق التطبيع.
ولذلك، ومع ضعف مشروع التطبيع بعد عملية حماس، غضب الحكام العرب من قيادات هذه الحركة، لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق الأهداف التي وضعوها، ويحملون قيادات حماس مسؤولية هذا الفشل، والآن، وبسبب الوضع الكارثي في غزة، أصبحت الأوضاع في المنطقة لدرجة أنه لا تجرؤ أي دولة عربية على الحديث عن تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وحكام الإمارات، الذين يرون أحلامهم تتحطم، يعتبرون حماس السبب في فشل مخططاتهم.
الأمل بانتصار "إسرائيل"
لقد رأى حكام الإمارات والبحرين أنفسهم وكأنهم وقعوا في فخ حماس ولم يكن هناك ما يمكنهم فعله وفشلت خططهم سياسيا، لذلك كانوا يأملون في الجانب الأمني من الحرب في غزة.
وتوقعت هذه الدول أن يتمكن الجيش الصهيوني من احتلال غزة والقضاء على حماس، وإزالة إحدى العقبات الرئيسية أمام تطبيع العلاقات، لكنها لم تفعل شيئا في هذا المشروع.
والآن، وعلى الرغم من حشد مئات الآلاف من الأشخاص وتجهيزهم بالأسلحة الغربية الحديثة، فإن الجيش الإسرائيلي يائس ضد جماعات المقاومة وغير قادر على الخروج من هذه الأزمة التي صنعها بنفسه.
إن هزيمة الكيان الصهيوني في المنطقة ستغير كل المعادلات لمصلحة فصائل المقاومة، وستفشل المخططات التي استثمرها الحكام العرب المتصالحون.
نقطة أخرى في عدم إدانة بعض العرب لاغتيال هنية هي أن حماس كانت ذات توجهات إخوانية، وكان هذا الموضوع يعتبر تهديدا للإمارات والبحرين.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، صنفت الإمارات جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية وكثفت القتال ضد هذه الجماعة، ولذلك، تم إدراج حماس بشكل غير مباشر في قائمة الجماعات الإرهابية من قبل الإمارات، وبالتالي، من وجهة نظر حكام أبوظبي، فإن اغتيال تل أبيب لقادة حماس لا يحتاج إلى إدانة.
زيادة النفقات العربية
أرادت الإمارات والبحرين، اللتان ثملتا باتفاقات إبراهام، أن تكونا في طليعة النظام الأمني الجديد في المنطقة وبالتالي الحصول على فوائد سياسية واقتصادية خاصة، لكن حرب غزة فرضت تكاليف إضافية على أكتاف هذه الدول.
أراد حكام هذه الدول من خلال التسوية تشكيل تحالف ضد إيران بمساعدة "إسرائيل" من أجل منع نفوذ هذا البلد في المنطقة، ولكن الآن بسبب دعم إيران الواسع لشعب غزة وتنفيذ عملية "الوعد الحق" ضد الاحتلال الأراضي، قد اكتسبت المزيد من القبول بين الدول الإسلامية، لقد جلبت إيران ومحور المقاومة المتاعب للصهاينة من خلال استبعاد العرب من المشهد السياسي والأمني في المنطقة.
إن قيام الغربيين بإرسال رسائل إلى إيران كل يوم لإقناع فصائل المقاومة بخفض التوتر وعدم القيام بأي عمل ضد الأراضي المحتلة، هو مؤشر على موقع إيران المتفوق في غرب آسيا، والذي أفشل كل جهود الجانب العبري العربي الغربي، ولذلك فإن العرب الذين أرادوا قطع يد إيران وأذرعها القوية في المنطقة، بعد حرب غزة، عليهم أن يواجهوا إيران التي أصبحت أقوى بكثير من ذي قبل، والذين أنفقوا أموالاً طائلة لإضعاف إيران المنافسة.
الإمارات، التي كانت في السنوات الأخيرة في صدارة العالم العربي، اعتقدت أنها تستطيع بمساعدة الكيان الصهيوني زيادة ثقلها للتأثير على الصراع الفلسطيني، لكن هذه الدولة الآن تعتبر خائنة لقضية القدس وللفلسطينيين.
وفي تصرف وقح، وصفت الإمارات عملية حماس بأنها جريمة، حتى أن بعض المصادر أعلنت أن هذه الدولة تساعد هذا الكيان من خلال إرسال مقاتلين إلى "إسرائيل" لقتل الفلسطينيين في غزة.
كما قامت الإمارات، بمساعدة المملكة العربية السعودية والأردن، ببناء جسر لإرسال البضائع الصهيونية من الخليج الفارسي إلى الأراضي المحتلة حتى لا يقع المحتلون في مشاكل بسبب التوترات في البحر الأحمر.
ويرى المتفقون العرب أن دعم جرائم الكيان الصهيوني في غزة ومحاولة انتصاره على فصائل المقاومة سيتجه نحو تأمين مصالحهم الأمنية، لكن الواقع أن زعماء تل أبيب هم من يلعبون بالنار والواضح أنها لعبة خاسرة مزدوجة أن يكون العرب مع كيان الاحتلال الذي سيفقد شرعيته أمام الرأي العام، وسيواجه تحديات أمنية إضافية مع تصاعد الأزمة وانتشار الحرب.