الوقت - بعد مرور ثلاثة أشهر على بدء هجمات حزب الله اللبناني شمال الأراضي المحتلة دعماً لأهل غزة، تتباين الروايات بين قيادات حزب الله وقادة الصهاينة حول عدد قتلی المحتلين، الأمر الذي زاد من حالة عدم اليقين المحيطة بهذه القضية.
رغم أن حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، تحاول دائماً مصادرة نتائج الصراع مع حزب الله لصالح الصهاينة، إلا أن الإحصائيات التي أعلنها حزب الله تقدم وجهة نظر مختلفة تماماً عما يحدث على أرض المعركة في الجبهة الشمالية.
حيث قدّم السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، مساء الجمعة الماضي، في كلمته حول التوتر بين هذا الحزب والكيان الصهيوني في الأشهر الأخيرة، إحصائيات عن هجمات المقاومة على الأراضي المحتلة، وقال: "في شريط مساحته أكثر من 100 كيلومتر وعلى مدى أكثر من 90 يوماً، تم استهداف جميع نقاط العدو الحدودية وعدد كبير من قواعده رداً على الهجمات على المدنيين. وقد تعرض موقع حدودي إسرائيلي للقصف عدة مرات، ولم يبق منه شيء".
وأكد نصرالله: "تم استهداف تجهيزات فنية واستخباراتية في كل مناطق العدو، وهذه الاستهدافات تقدر بمئات ملايين الدولارات من قبل المقاومة، وفي المرحلة الثانية، فر جنود العدو باتجاه المستوطنات المخلاة وفي محيط المواقع، بسبب الخوف من قوات المقاومة وهجومها على بعض المواقع".
وأشار الأمين العام لحزب الله: "تصلنا معلومات وصور وفيديوهات جيدة ودقيقة عن مواقع العدو وتمركزه، لأنه تم تدمير عدد كبير من دبابات وآليات العدو، واليوم يختبئ الضباط والجنود، وقد حاول العدو تعويض خسائره الفنية بطائراته المسيرة وطائرات الاستطلاع".
وفي إشارة إلى أن العدو يمارس رقابةً إعلاميةً مشددةً على قتلاه وجرحاه في الجبهة الشمالية، أضاف السيد نصر الله: "لكن خبراء العدو يقولون إن العدد الحقيقي للقتلى، هو ثلاثة أضعاف ما يعلنه جيش الاحتلال، وحسب الإحصائيات المستندة إلى مصادر وزارة الصحة الصهيونية، فقد تم استهداف أكثر من 2000 موقع في الجبهة الشمالية".
ورداً على من يتساءل عن احتمال وقوع مواجهة في جنوب لبنان، قال نصر الله: "لو كنتم تعلمون حجم الخسائر البشرية وآليات العدو، لما سمحتم لأنفسكم بالحديث عن احتمال حدوث صراع في الجبهة الشمالية".
وأوضح: "كنا نستهدف أهدافاً عسكريةً وضباطاً وجنوداً، وإذا قصفنا المنازل كان ذلك رداً على استهداف المدنيين لدينا"، وذكر أن أحد وزراء الحرب الصهاينة وصف ما يحدث في الجبهة الشمالية بأنه إهانة لـ "إسرائيل"، وقال إن "التهجير سيشكل ضغطاً سياسياً وأمنياً على حكومة العدو".
وبعد ساعات من خطاب نصر الله، أطلقت المقاومة اللبنانية 62 صاروخاً على قاعدة ميرون الجوية، رداً على اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ورفاقه في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وجاء في بيان حزب الله، أن قاعدة ميرون هي مركز الإدارة والمراقبة والسيطرة الجوي الوحيد في شمال "إسرائيل"، ولا يوجد بديل آخر لها.
تجدر الإشارة إلى أن قاعدة ميرون تقع على قمة جبال "الجرمق"، أعلى جبل في فلسطين المحتلة، وتنشط في تنظيم وتنسيق وإدارة جميع العمليات الجوية تجاه سوريا ولبنان وتركيا وقبرص، والجزء الشمالي من الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر هذه القاعدة المركز الرئيسي لعمليات التشويش الإلكتروني في الاتجاهات المذكورة، ويعمل في هذه القاعدة عدد كبير من نخبة الضباط والجنود الصهاينة.
وكان هذا الهجوم أكبر عملية صاروخية لحزب الله ضد الأراضي المحتلة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من حرب غزة، وكان بمثابة تحذير للکيان الصهيوني من أن حزب الله سيرد على أي مغامرة لهذا الکيان، ويبدو أن هذا الهجوم كان ثقيلاً ومؤلماً، لدرجة أن الصهاينة أصيبوا بالصدمة ولم يتفاعلوا معه.
والسبب في أن عدد قتلی الصهاينة في هجمات حزب الله ليس كبيراً جداً، هو أن قوات المقاومة استهدفت فقط مواقع جيش الاحتلال والمعدات العسكرية لهذا الکيان في الأشهر الثلاثة الماضية، وامتنعت عن مهاجمة المدنيين.
ومع ذلك، فإن الکيان الإسرائيلي، الذي لا يلتزم بأي حقوق إنسانية وقانونية، قام أيضاً بالاعتداء على المواطنين اللبنانيين، وإذا بدأ حزب الله عملياته ضد المدنيين مثل الاحتلال، فإن خسائر المستوطنين سوف تتزايد أيضاً.
وحسب السيد حسن نصر الله، فإن سلطات تل أبيب تطبق رقابةً إعلاميةً مشددةً على الإحصائيات الفعلية لقتلی القوات العسكرية في الجبهة الشمالية، من أجل منع الرعب بين المستوطنين، وعدم تأثير هذا الموضوع سلبياً على التطورات الميدانية في غزة.
رواية نتنياهو المتناقضة
من أجل إظهار أن لديها زمام المبادرة ميدانياً ضد حزب الله، لجأت السلطات الصهيونية إلى التهديد لإقناع الرأي العام الداخلي بأنه لا يوجد ما يدعو للقلق.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الجمعة الماضي في خضم الحرب في غزة، في لقاء مع عاموس هوكشتاين، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، التزام "إسرائيل" وتصميمها على تغيير الحدود مع لبنان.
وقال نتنياهو في هذا اللقاء: "نحن مصممون على إجراء تغييرات جوهرية على حدودنا مع لبنان، وضمان سلامة المواطنين واستعادة السلام إلى منطقتنا الشمالية".
وزعم نتنياهو في هذا اللقاء أن "أمن شعبنا له الأولوية الأولى، وسنستمر حتى يتحقق هذا الهدف، سواء عبر الوسائل الدبلوماسية أو غيرها".
وبينما تعاني تل أبيب من خلافات داخلية، أكد نتنياهو، في إشارة إلى الأحداث الأخيرة، على وحدة "إسرائيل" وتصميمها الذي لا يتزعزع، وقال: "بعد أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، إسرائيل أكثر تصميماً ووحدةً من أي وقت مضى، وسيشهد جيراننا عزمنا في الجنوب والشمال وفي جميع أنحاء العالم".
حقائق تدحض ادعاءات تل أبيب
رغم أن نتنياهو يدعي أن كل شيء على الحدود مع لبنان يسير وفق رغبات الصهاينة، إلا أن الأحداث الأمنية في الأراضي المحتلة تثبت عكس ذلك.
والحدث الأهم الذي يدحض مواقف نتنياهو، هو هروب المستوطنين من المناطق الشمالية، الذين رغم مرور ثلاثة أشهر على بدء هجمات حزب الله، ما زالوا خائفين من صواريخ حزب الله، ولم يعودوا إلى منازلهم.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأسبوع الماضي، أن حوالي 230 ألف إسرائيلي نزحوا من المستوطنات الشمالية نتيجةً لهجمات حزب الله.
وقالت هذه الصحيفة إنه إلى جانب ذلك، يعاني المستوطنون من مشاكل اقتصادية كبيرة، ولا تقتصر آثار الحرب في هذه المنطقة على الوضع الأمني فحسب، بل تتعلق أيضاً بأوضاع الإسرائيليين النفسية والاقتصادية، كما أعلنت القناة 13 الصهيونية، أن المستوطنين في الجبهة الشمالية على وشك الانهيار على مستويات مختلفة.
وفي وقت سابق، أعلن موشيه دافيدوفيتش، رئيس مجلس مستوطنات الجليل الأعلى، أن سكان الشمال لن يعودوا أبدًا إلى منازلهم مع وجود تهديد حزب الله، وتظهر مثل هذه التقارير أن ظلال تهديدات حزب الله على الأراضي المحتلة لا تزال قائمةً، وأن خطط حكومة نتنياهو لتقديم رشاوى مقابل عودة المستوطنين لم تنجح.
والسبب الآخر الذي يمكن الإشارة إليه في رفض مزاعم سلطات تل أبيب بتحقيق مكاسب على الحدود اللبنانية، هو مناشدة نتنياهو السلطات الأمريكية والأوروبية، لخفض مستوى التوتر مع حزب الله بمساعدة هذه الدول.
ويشير وجود هوكشتاين في تل أبيب، الذي كان من المفترض أن يتوجه إلى بيروت بعد لقائه نتنياهو، إلى لجوء حكومة تل أبيب المتطرفة إلى الآلية السياسية لاتفاق الحدود، واستخدام أداة الضغط التي تستخدمها واشنطن على بيروت لوقف العمليات العسكرية لحزب الله، وفي الواقع، فقد اشتكى نتنياهو لأمريكا، بصفتها الوسيط في الاتفاق، من عدم التزام حزب الله بالاتفاقيات الأمنية.
ولذلك، فإن طلب تل أبيب من واشنطن الدخول في الصراع مع حزب الله، يظهر أن الکيان الإسرائيلي لا يملك القوة اللازمة لمهاجمة لبنان ومواجهة فصائل المقاومة في هذا البلد، والتحذيرات الفارغة من إعادة لبنان إلى العصر الحجري ليست أكثر من وهم.
لأن الصهاينة أنفسهم اعترفوا مراراً وتكراراً بأنهم لا يملكون القدرة على التعامل مع حزب الله، وإيماناً منهم بوعود نصر الله الصادقة، فقد حذروا من عواقب الصراع على الجبهة الشمالية.
لقد توصلت حكومة نتنياهو إلى نتيجة مفادها بأن الحرب في غزة أصبحت مستنقعاً للجيش الصهيوني، وربما للمستقبل السياسي للحكومة المتشددة، ولهذا السبب فهي لا تريد الدخول في مستنقع جديد بالدخول في الحرب مع حزب الله، والتي سيكون الخروج منها أصعب بكثير وأكثر تكلفةً من قطاع غزة.