الوقت- شيعت جماهير غفيرة من أبناء الشعب الفلسطيني في محافظة نابلس السبت، جثامين ثلاثة شهداء من عرين الأسود بنابلس، سلمتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي يوم الجمعة، بعد احتجاز دام 55 يومًا.
وانطلق موكب تشييع الشهداء: عدي عثمان الشامي، وجهاد محمد الشامي، ومحمد رعد دبيك، من أمام مستشفى رفيديا باتجاه دوار الشهداء، وسط هتافات غاضبة ومنددة بجرائم الاحتلال المتواصلة في حق أبناء الشعب الفلسطيني.
وتزامن ذلك، مع تشييع مقاومَيْن استشهدا الجمعة برصاص الاحتلال أثناء اقتحام مخيم نور شمس في طولكرم شمالي الضفة الغربية، وإعلان فصائل العمل الوطني إضرابا شاملا في المحافظة حدادًا على الشهيدين.
بن غفير يعتبر هذه الخطوة "خطأ جسيما"
من ناحيته، اعتبر وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، الجمعة، أن قرار وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت، إعادة جثث شهداء “عرين الأسود” الـ3 “خطأ جسيما سندفع ثمنه باهظًا”، وانتقد القرار بشدة، مضيفًا إنه “لم يفت الأوان بعد لانتهاج سياسة أمنية قوية وحازمة”.
وأشار الوزير الإسرائيلي إلى أن حزب “القوة اليهودية” -الذي يتزعمه- سيظل ممتنعًا عن التصويت للقرارات الحكومية في الكنيست (البرلمان) “حتى تغير الحكومة الإسرائيلية اتجاهها وتتمسك بالسياسة التي انتخبت من أجلها”.
وأعلن بن غفير الخميس الماضي امتناعه ونواب حزبه عن التصويت في الكنيست لصالح القرارات الحكومية، رغم أنه جزء من الائتلاف الحكومي، وذلك احتجاجًا على الرد الذي وصفه بأنه “ضعيف” للجيش الإسرائيلي على إطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة الأسبوع الماضي.
وفي 12 مارس/ آذار الماضي، أعلنت مجموعة “عرين الأسود” المسلحة أن 3 من مقاتليها استشهدوا في اشتباك مع جيش الاحتلال الإسرائيلي على حاجز صرة جنوب غرب نابلس.
وسبق أن أعلنت مجموعات “عرين الأسود”، التي تضم مقاومين من مختلف الفصائل الفلسطينية، مسؤوليتها عن عدة عمليات في مناطق بالضفة الغربية المحتلة.
وظهرت مجموعة عرين الأسود عام 2022 في البلدة القديمة بمدينة نابلس، وتكوّنت من مسلحين يتبعون عدة فصائل فلسطينية على غرار “كتيبة جنين” وتطلق على نفسها “كتيبة نابلس”.
وفي سبتمبر/ أيلول 2019، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا يجيز للقائد العسكري الإسرائيلي احتجاز جثامين فلسطينيين استشهدوا برصاص الجيش ودفنهم مؤقتًا، لاستعمالهم “أوراق تفاوض مستقبلية”.
ومع تسليم جثامين الشهداء قال بسام حماد عضو لجنة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين، إن أعداد الجثامين التي تحتجزها "إسرائيل" تزيد ولا تقل، حيث بلغت حتى اليوم 133 شهيداً من بينهم 12 أسيرا شهيدا ارتقوا في سجون الاحتلال ، إضافة لـ256 من مقابر الأرقام.
وبين حماد أن جثمان الشهيد عدنان أضيف لقائمة الجثامين المحتجزة، حيث استشهد عدنان ولم تتم محاكمته أو توجيه تهمة له، حيث بات احتجاز جثمانه "قضية سياسية بحتة".
وأوضح حماد، أن "الإسرائيليين" متعنتون ويرفضون الإفراج عن جثامين الشهداء من بينهم عدنان، لافتاً إلى أن هناك إهمالا في التحرك تجاه قضية الجثامين.
وقال:" سكوتنا عن ملف الشهداء المحتجزة جثامينهم يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل للاستمرار في هذا الملف، وكل رئيس وزراء جديد يشدد على هذه القضية ويطالب وزير حربه أن يبقي الملف مفتوحاً".
وأشار حماد إلى أهمية إنهاء ملف الشهداء وخاصةً لدى ذوي الشهداء وأمهاتهم اللاتي عرفن باستشهاد أبنائهن عبر الرواية الصهيونية، ولديهم خشية من سرقة أعضاء أبنائهن الشهداء.
تاريخ حافل بالتطرف لابن غفير
برز اسم بن غفير في كل الأحزاب اليهودية المتطرفة بدءا من "موليدت"، الذي دعا إلى تهجير المواطنين العرب من إسرائيل، مرورا بحزب "كاخ" المصنف إرهابيا بالقانون الإسرائيلي، وصولا إلى حزب "الصهيونية الدينية" الذي أدخله إلى الكنيست في إبريل/نيسان 2021 بعد محاولات فاشلة.
وعندما بلغ سن 18 عاما، تم إعفاؤه من الخدمة الإلزامية بالجيش الإسرائيلي، بسبب مواقفه اليمينية المتشددة.
وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في إبريل/نيسان 2018: "طوّر بن غفير سمعة كافية باعتباره محرضًا مراهقًا، ليتم حرمانه من الخدمة في الجيش، وهي شارة العار التي يرتديها حتى يومنا هذا".
ونقلت عن بن غفير قوله: "الجيش الإسرائيلي خسر، عندما لم يأخذني".
محامي المتطرفين وقتلة الفلسطينيين
درس بن غفير القانون، ولكنّ نقابة المحامين في إسرائيل رفضت طلب العضوية، بسبب سجله الجنائي، ولكن بعد احتجاجات قادها بنفسها، تم السماح له بالانتساب للنقابة.
ففي شهر يناير/كانون الثاني 2011، كتب موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي: "رفضت اللجنة المركزية لنقابة المحامين الإسرائيلية طلبا من الناشط اليميني إيتمار بن غفير للحصول على إذن، للتخصص كمحام".
وأضاف: "تخرج بن غفير في كلية الحقوق قبل نحو ثلاث سنوات (2008 آنذاك)، ولكن بما أن لديه سجلا جنائيا لتورطه في مظاهرات وأنشطة لليمين المتطرف، فإنه مطالب بالحصول على موافقة اللجنة، قبل أن يتمكن من التخصص (كمحامٍ).. كان هناك اعتراض قوي على السماح لابن غفير بالتخصص".
ولكن في شهر يونيو/حزيران 2012، قالت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية: "اجتاز الناشط اليميني المتطرف امتحانات نقابة المحامين بعد صراع طويل".
ومع حصوله على شهادة مزاولة المحاماة، برز بن غفير كمدافع عن عناصر اليمين المتشدد المتهمين بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين، بما فيهم جماعة "لاهافا" اليمينية المتهمة بتنفيذ هجمات ضد فلسطينيين.
وبدورها، فقد أشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في إبريل/نيسان 2018، إلى أن قائمة موكليه، كمحام، شملت "المشتبه بهم في قضايا الإرهاب اليهودي وجرائم الكراهية في إسرائيل".
وقالت آنذاك: "بن غفير يدافع أمام المحاكم، كمحام، عن اثنين من المراهقين المزعوم تورطهم في هجوم بقرية دوما بالضفة الغربية، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد عائلة دوابشة".
وكان مستوطنون قد ألقوا مواد حارقة على منزل عائلة دوابشة، وهم نيام، في يوليو/تموز 2015، ما أدى إلى مقتل أب وأم وطفل يبلغ من العمر (18 شهرا)، إضافة إلى التسبب بحروق كبيرة لطفل عمره 4 سنوات.
وأشارت "هآرتس" إلى أن بن غفير دافع أمام القضاء، أيضا عن المستوطن دانيال بينر، من مستوطنة "تبوح" (شمالي الضفة الغربية) الذي تم احتجازه لرقصه بسلاح، في مقطع زفاف مثير للجدل احتفالًا بالهجوم على عائلة دوابشة.
كما مثّل موكلا آخر، طعن يهوديًا، بعد أن ظن أنه عربي، ومستوطنا كان متهمًا بإضرام النار في كنيسة، إضافة إلى مراهق يشتبه في مهاجمته الحاخام أريك أشرمان، من منظمة "حاخامات من أجل حقوق الإنسان"، الرافضة للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وغزة وقالت هآرتس، إن بن غفير يدافع عن المتطرفين، دون مقابل.
وفي هذا الصدد نقلت عنه قوله: "إنني لا أفعل ذلك من أجل المال، في أفضل السيناريوهات، أُغطي نفقات الوقود الخاصة بي. السبب في أنني أفعل ذلك هو أنني أؤمن حقًا أنني بحاجة لمساعدة هؤلاء الأشخاص ".
ودافع بن غفير أيضا عن "شبان التلال"، وهم مستوطنون متهمون بالاستيلاء على أراض فلسطينية خاصة، والاعتداء على فلسطينيين، الذين وصفهم بأنهم: "ملح الأرض. هؤلاء الأطفال الذين يسكنون قمم تلال يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هم أكبر الصهاينة الموجودين".
بن غفير امتداد لحزب كاخ الإرهابي
ويقول المحامي خالد زبارقة، من مدينة اللد: "بن غفير هو متطرف ينتمي إلى المجموعات الإسرائيلية المتطرفة، التي تقوم بعمليات إرهابية ضد الفلسطينيين سواء حرق المزروعات وقتل الفلسطينيين".
ويضيف زبارقة: "هو ينتمي إلى حزب (كاخ) الذي أسسه مئير كهانا، وهو ينتمي إلى أفكار هذا الحزب، وأيديولوجية هذا الحزب المحظور الذي يدعو إلى طرد العرب وتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية بالكامل".
وتابع: "هو متطرف، يعتمد على العنف وعلى نشر الفوضى في تنفيذ مخططاته وأيديولوجيته، هو يحمل أيديولوجية خطيرة جدا، تستهدف الوجود العربي بشكل مباشر".
وأكمل: "هو يعتقد أن يهودية الدولة، بمفهومه، تعتمد بالأساس على طرد العرب وإقامة دولة يهودية وهو يحمل أفكارا متطرفة جدا".
ويقول مركز "مساواة" لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل (غير حكومي) على موقعه الإلكتروني: "كان إيتمار بن غفير جزءًا من حزب (كاخ)، الراديكالي، والذي حظرته الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف في عام 1994".
وأضاف: "على الرغم من الادعاء بأن حزبه المتطرف، لا يتبع نفس الخط الحزبي مثل حزب كاخ، فإنه ما يزال يؤيد ويدفع نفس السياسات".
وتابع: "لقد دعا بن غفير إلى طرد المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يدّعي أنهم ليسوا موالين للدولة، وكانت هناك صورة معلقة في منزله له مع باروخ غولدشتاين، الذي ذبح 29 مسلمًا في الحرم الإبراهيمي عام 1994، لكنه أزالها من أجل الترشح لعضوية الكنيست".
وتابع: "وزّع بن غفير إعلانات تحرض على أعضاء الكنيست العرب الفلسطينيين، قائلا إنهم "قنبلة موقوتة"، ووزع ملصقات كتب عليها "إما نحن أو هم .. اطردوا العدو العربي. (زعيم حزب كاخ مائير) كهانا على حق".
وذكرت الصحيفة أن شهرة بن غفير بدأت قبل أسابيع قليلة من اغتيال رئيس الوزراء الراحل، اسحاق رابين، في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، إذ ظهر على شاشة التلفزيون في ذلك الوقت، وهو يلوّح بقطعة مسروقة من سيارة رابين، وهو يهدد: "وصلنا إلى سيارته، وسنصل إليه أيضًا".
وكان متطرف إسرائيلي، يدعى إيغال عامير اغتال رابين في وسط تل أبيب، بداعي توصله إلى اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين عام 1993.
وأضافت الصحيفة: "تم توجيه الاتهام إليه أكثر من 50 مرة، بارتكاب أشكال مختلفة من التحريض، لكنه يعتقد أنه قد يكون لديه رقم قياسي وطني في أحكام البراءة، حيث تم إسقاط جميع التهم الموجهة إليه تقريبًا، في نهاية المطاف".
وعن استيطانه وعائلته بالضفة الغربية يكرر بن غفير قوله للإعلام الإسرائيلي: "أعتقد أننا في مهمة خطيرة، هناك".
أمام كل تلك المعطيات، من الضروري التحرك وطنياً وعربياً ودولياً نحو تدويل قضية جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال، وإحالة ملفهم لمحكمة الجنايات الدولية والأمم المتحدة باعتبار استمرار احتجازهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني، باعتبارها "ورقة ضغط" لإجبار الاحتلال على الإفراج عن جثامين الشهداء وإغلاق هذا الملف نهائياً.