الوقت- تزدحم افكارنا وتوجهاتنا وقنواتنا التلفزيونية بين الازمة في سوريا والقضاء على داعش في العراق والتفجيرات الارهابية في افغانستان والحرب على الارهاب في جارتها باكستان، والحرب في اوكرانيا، وفي ظل هذه الضوضاء الخبرية يسطر ابناء الشعب الفلسطيني اروع الملاحم البطولية في دفاعهم عن وطنهم، فخلال العام الحالي فقط قتل اكثر من ثلاثين مستوطنا جراء العمليات الفدائية الفلسطينية، التي استشهد خلالها اكثر من مئة شهيد فلسطيني، ورغم جبروت الاحتلال وارهابه بحق الفدائيين والاسرى وذويهم، الا ان ابناء الشعب الفلسطيني يصرون على تقديم الغالي والنفيس فداء لوطنهم.
في عام 2017 خرج ابناء عمومة ثلاثة بجبروت الفاتحين وصمود المقدسيين وعزيمة الفلسطينيين يضعون حدا لتشتت افكارنا وانتماءاتنا ويقولون القدس قضيتنا الاولى والاخيرة. ابناء عمومة ثلاثة يحملون نفس الاسم محمد جبارين، واكبرهم لم يتجاوز الثلاثين من عمره، يحملون احلاما كثيرة ومن يرى صورهم واشكالهم يعلم انهم من شباب جيلنا الجيل الذي يعشق السهر والسفر والمرح ويعشق ويحب ويستمع الى الاغاني العاطفية وغيرها من الامور، ولكن بالوقت نفسه يحملون داخلهم قضية طاهرة وحقيقية لم تستطع الة الغرب والعرب الاعلامية تشويهها وحرفها، ويحملون بوصلة اصيلة داخل صدورهم لم تستطع الة الحرب الاسرائيلية حرقها او العبث بها، فقاموا بعملية استشهادية هزت الارض ومن عليها، ونفضت عنا غباء العرب السياسي وحروب البسوس التي لم تنته ولن تنتهي، وقالت هنا فلسطين.
ابناء الجبارين لم يرضوا ان تذهب دماؤهم فقط من اجل قتل جنديين للاحتلال، بل ارادوا ان توحد هذه الدماء الفلسطينيين حول الاقصى تحديدا، فاختاروا المكان والزمان المناسبين، وجروا الاحتلال الى مصيدة التي نصبوها له، ووقع فيها بكل هدوء، وقرر اتخاذ اجراءات ضد المسجد الاقصى المبارك ليغير من معالمه ويضعه تحت عينه، وتوقع ان يمشي الامر، ولكن انتفضت القدس وانتفض عرب 48 وانتفضت الضفة وغزة ضده، وكانت جمعة غضب فلسطينية بامتياز، هزت هي الاخرى العرب وضمائرهم وللمرة الاولى تتوحد قنوات (الجزيرة والعربية والاخبارية السورية والعالم والمصرية والميادين) في بث حي ومباشر لحدث واحد وهو انتفاضة الفلسطينيين ضد الاحتلال في القدس.
الاحتلال ارعد وازبد وتوعد وهدد وزجر وزمجر وقمع وقتل ومارس ارهابه المعهود، وتوقع انه يوم وسينجلي، وما ان حل الظلام وتنفس المحتل الصعداء او هكذا توهم، حتى خرج الشاب عمر عبد الجليل سانا سكينه فهاجم مستوطنة وقتل ثلاثة مستوطنين، ليقول للاسرائيلي ان هذه ارضنا وعرضنا ولن نتخلى عنها.
الكفاح الفلسطيني المسلح مر بعدة مراحل منها ما اصاب ومنها ما اخطأ، ولكن هؤلاء الشباب يختلفون كثيرا عن غيرهم، حيث انهم نشؤوا والاحتلال بين جنبيهم، لا يتلقون دعما خارجيا لا ماليا ولا حتى معنويا، حيث ان الكثير من المحطات والصحف الناطقة بالعربية تتهمهم بالانتحار والجنون وغيرها من المصطلحات التي هم اكبر واشرف منها. ورغم الظروف القاسية التي تدفع اي شاب للسفر وهجرة ارضه والعمل في الخارج من اجل حياة افضل ، اصر هؤلاء الفتية على رفضها والتمسك بالارض والزود عنها حتى الشهادة.
بمثل هذه العزيمة سننتصر وبمثل هذه القوة سنحرر الاقصى، ومن لم تهزه عملية الجبارين او عبد الجليل، فليبحث لنفسه عن غرفة في مستشفى للامراض النفسية لانه مريض بفقدان الوطنية والانسانية، قضايا الامة جميعها صغيرة امام القضية الفلسطينية.
نحن نعيش الان الحالة نفسها قبل نصر حرب تشرين 1973، وفي قراءة سريعة لاسباب هذه الحرب نرى أنها أتت بعد حربين، ذلوا فيها وهزموا شر هزيمة، الاولى في عام 1948 وهزمت فيها ستة جيوش عربية، ولكن رفض العرب الاعتراف بالهزيمة واسموها نكبة، والحرب الثانية كانت في عام 1967 والتي اطلق عليها حرب الايام الستة، والتي قد تم فيها تدمير الجيش المصري بشكل كامل وهو في قواعده، وذهبت القدس والجولان وسيناء واجزاء من الاردن، وتوسع الاحتلال بشكل رهيب جدا، واحتل مناطق لم يكن يحلم الوصول اليها، ولكن اذا شاهدنا الواقع العربي ما قبل عام الـ67 نرى أنه كان هزيلا وخطابه السياسي لم يكن موحدا ولم تكن هناك بوصلة حقيقية، وكانت الخلافات تضربه بالعمق وبالصميم، ونرى الدول العربية تتدخل بشؤون بعضها الداخلية، وتتآمر مع الغرب لإسقاط بعض الانظمة العربية وابرزها دور النظام السعودي الذي لعب دورا بارزا في محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر اكثر من مرة، اضافة الى التحارب العربي - العربي على ارض عربية، مثل الحرب بين السعودية ومصر على ارض اليمن، ومحاولات احباط الوحدة المصرية السورية وغيرها من وقائع الاقتتال العربي العربي الامر الذي اضعف الجبهة الداخلية لهذه الدول وسهل مهمة الاحتلال في التقدم والاحتلال.
ولو شاهدنا احداث المنطقة الان لن تكون افضل حالا من عام 67 اي الوضع قبل حرب التحرير، وخصوصا على الصعيد العربي والانقسام الكبير والتدخلات العربية العربية والتطبيع وغيرها من الامور، وهنا نستطيع ان نراهن على الانكسار العربي الذي سيولد انفجارا رهيبا، كما ولد ذلك اكثر من مرة عبر تاريخنا، ونستطيع ايضا ان نراهن على الجيش السوري الذي لا يختلف اثنان على أنه أنهك في الحرب الارهابية المفروضة عليه، ولكنه لا يزال يخبىء الكثير والكثير، وهنا ايضا يحضرني نقل قول أحد أهم الجنرالات السوريين، الذي أكد لي ان سوريا تمتلك خططا واسلحة ستفاجئ اسرائيل ان اقدمت على اي عمل متهور، ونراهن على محور المقاومة والمقاومة الفلسطينية في هذه المواجهة المرتقبة.