الوقت_ بالتزامن مع ارتفاع احتملات انهيار السلطة الفلسطينية والتنبؤ بذلك على أكثر من صعيد وجهة سياسيّة، كثر الحديث مؤخراً عن مبادرات أردنية ذات بعد بيروقراطي ودبلوماسي وسياسي وحتى أمني في عمق معادلة الأزمة الفلسطينية مع الاحتلال، لإعادة تاهيل وتدريب قوات أمنية فلسطينية على أمل مساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية في تمكين أجهزتها وأذرعها الأمنية مجددا في ظل الازمة الحادة التي تواجهها، ورسم صورة سوداوية لتداعيات انهيار السلطة من التدهور في الأوضاع الأمنية، في وقت تعيش الأوساط الإسرائيليّة على كل مستوياتها، حالة ذعر شديدة، نتيجة تصاعد موجات عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل لا يشبه أيّ مرحلة سابقة أبداً، ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه الذين يحاولون إبادة الشعب الفلسطينيّ في أرضه وخارجها، الشيء الذي أدى إلى خالق حالة جديدة من المقاومة، وبما أن تل أبيب لم تنجح حتى بمُساعدة من الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة الفلسطينيّة في رام الله في وأدها، يبدو أن الأمور تأخذ مسارات أخرى في هذا الخصوص.
هدف إسرائيليّ خبيث
في الوقت الذي عاشت فيه أجهزة الأمن لدى الكيان والسلطة ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين وبالأخص الإسرائيليين، نظرًا لكثافة عمليات المقاومة ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، وعلى أمل الاقتراب من الخطة التي ضغط من أجلها ويريدها وزير الخارجية الامريكي توني بلينكن الذي يصر على عودة الأجهزة الأمنية التابعة لرام الله لمواجهة المقاومين وخصوصا في مدينتي نابلس وجنين، والمقصود بالتحديد كل من مجموعة "عرين الأسود" و "كتيبة جنين"، حيث يرغب العدو ومن خلفه مواجهة المقاومة التي تتطور كماً ونوعاً.
وبالاستناد إلى أنّ التقارير الإعلامية التي تحدثت عن مبادرة مصرية أردنية - أمنية غامضة يعتقد ان لها علاقة بإعادة تاهيل وتدريب مكونات الأجهزة الامنية الفلسطينية وبصورة تعالج الملاحظات الامنية اللوجستية التي تحتفظ بها المستويات الامنية الصهيونية، تكون حكومة رام الله قد فتحت كل أبواب التعاون مع "إسرائيل" واستخدمت جميع الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، مستجدية العدو الباغي لأنّها تعتبر مقاومته أمراً خاطئاً، على الرغم من أنّ التعامل الإسرائيليّ مع السلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عباس يتم بإذلال واستعباد وباعترافها، ومع ذلك مستمرة في التنسيق مع قاتل الأطفال وملاحقة المقاومين في الضفة الغربية التي شهدت تفعيل كل وسائل المقاومة بوجه الكيان العنصريّ وعصاباته، وذلك سيراً في منهج الخنوع الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة والاستحقار أمام الفلسطينيين والمحتلين على حد سواء.
وتشير المعلومات إلى أن الدول العربية تضغط مع واشنطن على السلطة الوطنية الفلسطينية بصورة توحي بان المطلوب من الأطراف العربية في المحيط وفي الداخل الفلسطيني بعد الان امريكيا، هو حل مشكلة ومعضلة تل أبيب في المدن التي يوجد فيها مجموعات مقاومة مسلحة نشطة في الأراضي المحتلة والضفة الغربية وأبرزها نابلس وجنين، وخلف الكواليس يتم طبعا تمرير وتبرير هذه التفاهمات والهرولات على اساس ان الفراغ الذي خلفته الاختراقات الصهيونية للمدن الفلسطينية ووقف التنسيق الأمني بين السلطة وكيان العدو يمكن ان تلجأ لتعبئته طهران وحلفاؤها في المنطقة، وقد لاحظ الجميع أن عاصمتين عربيتين مثل القاهرة وعمان ينخرطان بشكل واضح وملموس في الترتيبات الأمنية التابعة للبيت الأبيض تحت عنوان برنامج التهدئة والبحث عن ما يمكن تسميته "أفقا سياسيا مفقودا" والعمل على منع التأزيم واندلاع حالة فوضى و انهيار النظام القانوني في الاراضي المسلوبة إسرائيليا علما بان فصائل المقاومة في كل الأحوال هي الهدف الأول والأخير من كل هذه الترتيبات بصرف النظر عن مدى استمراريتها ونتائجها.
ولا شك بأن السلطة انهارت بنظر الجميع وليست بانتظار الانهيار، وخاصة أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية لديها احتياجات ملحة من الصعب تلبيتها في ظل حكومة اليمين الاسرائيلي الحالية، وهي احتياجات على مقدار التحولات الحادة التي جرت في المجتمع الفلسطيني مؤخرا، وازدادت التحديات في الاجهزة الامنية الفلسطينية مع ضيق الأفق والإمكانات ومع استمرار الاعتداءات والتجاوزات الوحشية الاسرائيلية في هذا السياق، بعد أن ساهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بتطبيق مشاريع الكيان الغاصب التي تهدف إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة من خلال التعاون اللامحدود مع الإسرائيليين، ومن منا لا يعرف أنّ السلطة الفلسطينيّة سقطت سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، والمشكلة تكمن في السلطة الفلسطينيّة ذاتها التي أثبتت التجارب الكثيرة أنّها لن تكون في يوم من الأيام ممثلاً شرعيّاً لمطالب الفلسطينيين الذين يعيشون الويلات بسببها على أراضيهم المسلوبة.
مصالحة ضمن حركة فتح
من المهم التذكير بما ورد على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الاردن يعتبر قوة لتعزيز الاستقرار في الشرق الاوسط، ما يثبت وجود دور أردنيّ في إعادة تاهيل ورعاية وتدريب القوات او الاجهزة الامنية الفلسطينية، وهو دور قديم للغاية لكن الوظيفة السياسية التي يخدمها في هذه المرحلة تثير الغموض والجدل حتى وسط المسؤولين الاردنيين، مع وجود مخاوف بالجملة وهواجس من الانخراط في ترتيبات أمريكية - صهيونية ذات بعد أمني يمكن ان تجعل عمان ودون أي مبرر وطني مرتبط بمصالح الاردن الاساسية والعليا طرفا في التناقضات الفلسطينية الداخلية، وخاصة في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية متفق عليها لانتقال السلطة بعد عباس ولا على صعيد ضمانات من حكومة العدو الحالية التي تتميز بإعلان حربها بكل جوارحها على الشعب الفلسطيني، كما تتخذ المزيد من العقوبات الجماعية ضده في أرضه.
وفي هذا الإطار، يتم الحديث عن معلومات تؤكّد قيام دول عربيّة عدّة من بينها الإمارات ومصر بإجراء مصالحة داخل حركة "فتح"، وهو موضوع سبق ان طرحته القيادة السياسية الأردنية وبقوة ايضا، وعلى اساس ان واحدة من الخطوات الاولى الأساسية في منع انهيار النظام القانوني في الضفة الغربية هي منع او وضع حد للنزاع بين أقطاب حركة فتح الكبار –كما تقول تقارير-، وبناء على ذلك برزت تسريبات تحدثت عن مصالحات نوقشت وتم تنفيذ جزء منها بين أقطاب حركة فتح حتى الان، او عن مبادرات لمصالحات قوية وكبيرة بين قادة حركة فتح الكبار ومن بينها واحدة تخص القيادي المقيم في الإمارات محمد دحلان و الرئيس عباس بصفة اساسية، وهي تسريبات تتعلق بمصالحة جرت فعلا او نوقشت حسب العديد من المصادر وان كانت لم يتم الاعلان عنها بشكل رسميّ بعد.
ومن الجدير بالذكر أنّ تنقية الأجواء بين أقطاب حركة فتح أصبح فجاة جزءا من المشروع الأمريكي الجديد الداعي أو الذي يرفع شعار التهدئة العامة، وهي خطوة ينظر لها في الأردن ومصر اليوم باعتبارها أساسية عند الانتقال لمحطة مهمة في برنامج التهدئة العامة وتثبيت حالة الاستقرار ومنع انتفاضة مسلحة جديدة، وهي الخطوة المصنفة باعتبارها إعادة تأهيل وتدريب الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، لكن الخطة الموضوعة وفي الجزء الاردني والمصري على الأقل تتعلق بتدريب نحو 10 الى 12 الف رجل أمن او عنصر أمن فلسطيني جديد وإعادة تأهيلهم وتزويدهم بأسلحة خاصة وتدريبات خصوصية للاشتباك تحت قاعدة حفظ النظام حيث تتقلص او تنتهي الاختراقات والاعتداءات الإسرائيلية وكالعادة دون ضمانات حقيقيةـ ومن المرجح حسب المعلومات ان يتناصف كل من الاردن ومصر هذه الاعداد في إطار برامج تأهيل وتدريب خاصة.
إذاً، الأجدر بالسلطة الفلسطينية أن تكون في موقع الدفاع عن شعبها الذي فعل وسائل المقاومة نتيجة الإجرام الإسرائيلي بإمكانات بسيطة هزت عروش القيادات الإسرائيليّة على مختلف الصُعد، ليرتدع الكيان ويتوقف عند حده، وليس الاتجاه لأن تكون سداً منيعاً في وجه "الانعتاق الفلسطينيّ" وسبباً في حرب داخلية، في صف الاحتلال وآلته العسكرية، حيث إنّ أكبر دليل على "الغباء السياسيّ" المطبق للسلطة المنهارة أساساً في عيون أبنائها هو نص إعلان (الدولة الإسرائيليّة) المزعومة، والذي يدعي أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في "إسرائيل" وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسيّة فيها، فأي منهج ذلك الذي تسير عليه!.