الوقت - بيروت الخميس، بغداد بالأمس، باريس اليوم، والآتي أعظم، تلك هي هجمات تنظيم داعش الإرهابي خلال اليومين الماضيين، والتي حملت عنوان مشتركاً هو "سلسلة تفجيرات إرهابية".
حالة من الذهول تجتاح المنطقة والعالم بسبب ارتفاع وتيرة التفجيرات التي تستهدف المدنيين الأبرياء بدءاً من برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية، مروراً بحسينية الصدر في بغداد، وصولاً إلى العاصمة الفرنسية باريس التي تعرّضت لأسوء هجوم إرهابي مساء الجمعة، حصد أكثر من 160 قتيل ومئات الجرحى، 80 منهم في حال الخطر.
حالة الذهول هذه ظهرت على وجه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي ظهر بوجه مكفهر وممتقع بعد مباراة فرنسا وألمانيا، وهو يدلي ببيانه المقتضب الذي أعلن فيه إعلان حالة الطوارىء في عموم فرنسا بعد ليلة دامية عاشتها العاصمة باريس. لا يكفي بكاء هولاند ووقوفه على الأطلال، بل يجب أن يُترجم كلام الرئيس الفرنسي الذي توعّد بحرب بلا هوادة ضد الإرهاب على أرض الواقع خشية إستمرار هذه الهجمات الإرهابية.
لم يكن الرئيس الفرنسي الذي ندّد -في بيان للإليزيه – بتفجير الضاحية "الدنيء"، وأعرب عن تعازيه لأسر وأقارب الضحايا، ليُدرك أن الوجهة المقبلة لهجمات التنظيم الإرهابي هي بلاده، ما يدعو اليوم وأكثر من أي موقت مضى لإيجاد إستراتيجية موحّدة للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي.
السؤل الذي يطرح نفسه في ظل بروز هذه المتغيّرات الجديدة، هو إلى أين؟. بعبارة آخرى، ما هي الخطوات الإجرائية الفاعلة التي يجب إتخاذها للقضاء على التنظيم الإرهابي مع ظهور قواعد إشتباك جديدة على الأراض السورية؟
خطوات إجرائية
لا شك في أن الخطوات الفاعلة لمواجهة هذا التنظيم الإرهابي تبدأ بالإنتقال من القول إلى الفعل، وبالتالي لا نريد مسرحية رئاسية على شاكلة شارلي إيبدو، بل المطلوب أن تنفذ هذه "المسرحية" اليوم على الأراضي السورية والعراقية، وفي كل معقل من معاقل تنظيم داعش الإرهابي.
الإنتقال إلى الخطوات الإجرائية يعني "بداية النهاية" لهذا التنظيم الإرهابي، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى جملة من الإجراءات الفاعلة، أبرزها:
أولاً: وضع الخلاف القائم بين مختلف الأقطاب الدولية حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد جانباً بغية تضافر الجهود للقضاء على التنظيم الإرهابي، مقابل إيجاد هدنة مؤقتة في مختلف المناطق التي تتواجد فيها جماعات مسلحة آخرى (غير تنظيم داعش الإرهابي) والحصول على ضمانات روسيّة بوقف إستهداف هذه الجماعات مقابل إلتزام الأخيرة بالهدنة ريثما تنتهي قضيّة داعش من ناحية، والحصول على ضمانات تركية بتأجيل قضيّة المنطقة العازلة في الأرضي السورية من ناحية آخرى.
ثانياً: التعاطي مع الأزمتين السورية والعراقية ضمن إطار واحد أو نظام واحد، وفق نظرية أنظمة الأنظمة system of systems(sos)، عبر إيجاد غرفة عمليات مشتركة وفاعلة بإعتبار أن التنظيم الإرهابي يتعاطى مع الجبهتين السورية والعراقية ضمن إطار واحد. إن رؤية الجبهتين السورية والعراقية كجبهة واحدة كفيلة بتقويض قدرات تنظيم داعش بصورة أكبر، إلا أنها في الوقت عينه تتطلب مزيداً من تضافرالجهود الإقليمية والدولية.
ثالثاً: يتوجّب على كافّة الدول العمل بشكل جاد على تجفيف منابع التنظيم الإقتصادية والبشرية. إقتصاديا، يتوجّب معاقبة كافّة الدول أو المنظمات التي تعمد لشراء النفط من داعش بسعر زهيد، تركيا على سبيل المثال. وبشرياً، لا بد من إغلاق الحدود ما فعل هولاند اليوم في فرنسا، ومن ثم فصل داعش إلى قطعتين في سوريا والعراق، إضافةً إلى تأمين الدعم للقوات التي تواجه داعش في مدينة الرقّة التي "تذبح بصمت"، كذلك لا بد من إعادة جذب العشائر في شمال شرق سورياً إلى الصف المقابل لداعش خاصةً أنها تشكّل حوالي الـ90 % من السكان هناك. إن فتح أكثر من جبهة على داعش في كلّ من سوريا والعراق سيقوّض المورد البشري الضخم للتنظيم ويعرّضه للإستنزاف السريع، وهذا الأمر يعطي هامشا أكبر لسكان الرقّة وكافّة الفصائل التي تنتظر الفرصة المناسبة للإنقضاض على التنظيم دون أن تتعرّض لما تعرّضت له عشيرة الشعيطات التي خسرت حوال الـ800 من أبنائها على يد داعش الإرهابي.
ربّما تختلف المدن التي تتعرّض للهجمات الداعشية، سواء بيروت أو بغداد أو باريس أو أي عاصمة آخرى، إلا أن هذا لا يعني إختلاف الإرهاب أو فالعدو نفسه والحداد نفسه من باريس إلى بيروت. سنرى قريباً سير العديد من دول العالم على خطى حزب الله في سوريا، ولسان حالهم يردّد أن تصل متأخراً خيراً من أن لا تصل.