الوقت_ بعد 10 سنوات من الحرب على سوريا، وفي ظل الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة المأساويّة التي تعيشها البلاد، وتوصف بـ "حرب لقمة العيش"، شدّد المبعوث الأمميّ إلى سوريا، غير بيدرسون، على ضرورة إيجاد عمليّة سياسيّة مع تكثيف الجهود الدوليّة لإنهاء الأزمة السورية، متحدثاً أنّ الهجمات الإرهابيّة لا تزال متواصلة وجهود مكافحة التطرف لا تزال ضرورية في سوريا، بيد أنّ الأمل لدى السوريين بالمبعوثين الدوليين أصبح ضئيلاً جداً، خاصة أنّهم شهدوا أربعة مبعوثين أمميين، وفشلوا بشكل كامل في إنهاء مأساتهم، نتيجة لأسباب عدة أبرزها دوليّ شلّت مهامهم، ومنعتهم من تحقيق أيّ اختراق يمكن أن يساعد في وقف الحرب الشعواء وإحداث اتفاق سياسيّ يستند إلى الإرادة الشعبيّة في سورية.
ملّ الشعب السوريّ من المتفرجين على جراحاته والمقيدين دوليّاً والفاشلين في محاولة نجدتهم من الإرهاب والاحتلال والحصار والمقاطعة، وبعد أن أشبعوا السوريين بالوعود الكاذبة، التي لم يتحقق منها أيّ شيء على الأرض، ناهيك عن الأخطاء السياسيّة الجمّة في حل تلك الأزمة المتفاقمة، حيث إنّ السوريين اعتادوا بشكل كبير على التعبير عن الأسف والتنديد المتكرر والمستمر.
ومؤخراً، أعرب المبعوث الأمميّ الخاص إلى سوريا عن قلقه البالغ من تصاعد العنف في أجزاء من البلاد، ودعا جميع الأطراف المعنية للعمل معاً لدفع الحل السياسيّ، وفي اجتماع لمجلس الأمن الدوليّ، قال بيدرسون: "لسوء الحظ، حدث تصعيد للعنف مؤخراً في أجزاء كثيرة من البلاد، لا سيما في محافظة درعا"، متحدثاً أنّ الانتشار العسكريّ الكبير والقصف المكثف والاشتباكات البريّة أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين وتشريدهم.
وفي هذا الخصوص، أوضح المسؤول الأمميّ أنّه خلال الشهرين الماضيين، أسفرت الغارات الجويّة والتفجيرات في شمال غرب سوريا، لا سيما في محافظات إدلب واللاذقية وحلب وحماة، عن سقوط ضحايا مدنيين، لذلك دعا بيدرسون الدول المحوريّة في الصراع السوريّ إلى التنفيذ المستمر والمراجعة في مناقشات صريحة وجادة حول مجموعة من الخطوات الملموسة والمتبادلة والمحددة بشكل متبادل على أساس الواقعيّة والدقة.
وإنّ دعوة المسؤول الأمميّ روسيا والولايات المتحدة إلى التعاون مع الدول الرئيسيّة بما يتجاوز النهج الإنسانيّ في التعامل مع سوريا، تأتي نتيجة لتوقف الناس في سوريا على طوابير يوميّة طويلة للحصول على القليل من السلع الأساسيّة، بسبب تدمير المصانع والزراعة ووطأة العقوبات الغربيّة على التجارة السوريّة، وتشديد العقوبات الأمريكيّة عبر ما يعرف بـ "قانون قيصر" الذي زاد طين المعاناة بلة في البلاد، لأنّه حظر التعامل مع جميع المصارف السوريّة، كما نص القانون أيضاً على معاقبة أيّ شركة أجنبيّة تتعامل مع دمشق، وبالرغم من مزاعم واشنطن أنّها استثنت الأغذية والأدويّة من الحظر، فإن الواقع يؤكّد أنّ منع التحويلات الماليّة يعيق بشكل كبير وصول أيّة سلعة إلى البلد الذي دمرته الحرب، الشيء الذي دفع بالكثيرين لانتقاد الحصار الأمريكيّ الجائر بمن فيهم أصدقاء البيت الأبيض، كونه يعيق العمل مع سوريا ويعقد عودتها إلى محيطها العربيّ، وفقاً لتعبير وزير الخارجيّة الإماراتيّ، عبدالله بن زايد آل نهيان.
لذلك، كرر بيدرسون أنّه "من الضروريّ تجنب أيّ آثار بشريّة مدمرة للعقوبات التي تؤدي إلى تفاقم محنة الشعب السوريّ"، حيث إنّ الناس العاديين دفعوا ثمن العقوبات بالدرجة الأولى، فيما تتزايد الصعوبات اليوميّة للسوريين نتيجة لحصارهم وسرقة نفطهم من قبل أمريكا ووكلائها، ويدفع أبناء هذا البلد يوماً بعد آخر ثمناً باهظاً في حرب مستمرة حرقت الأخضر واليابس، ودمرت اقتصادهم ومقومات عيشهم الأساسيّة حتى.
ختاماً، من الضروريّ التأكيد على أنّ العالم لم يهتم لرأي السوريين في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، ولم يأبه لإرادتهم في نتائج تلك الانتخابات، لذلك ما فائدة "التعاطف الإسلاميّ" إذا لم يحترموا خيار الشعب السوريّ للمضي قدماً والخروف من نفق الأزمة المظلم، حيث أنهك الشعب السوريّ من الغلاء الفاحش والأوضاع المأساويّة والعقوبات التي تستهدف حياته وصحته ولقمة عيشه بشكل مباشر، وإنّ الشيء الوحيد الذي يمكن أن يضع حداً للحرب في سوريا بعد أن تحمل السوريون الكثير من المآسي في واحدة من أشد الحروب الدمويّة التي مرت في تاريخ البلاد، هو الرضوخ لقرار السوريين، عبر تدخل ايجابيّ واضح في هذا الملف وتوفير مظلة لسوريا بما يمكّنها من تجاوز عثرتها الحالية، خاصة وأنّ الملف السوري من الملفات الأكثر تعقيداَ بالمنطقة، بالنظر إلى تواجد قوات عسكريّة لعدّة دول على أراضيها، ويجب التكاتف الدوليّ لمساعدتها، وليس لإبادة شعبها.