الوقت_ في الوقت الذي تحاول فيه حكومة رئيس الوزراء العراقيّ، مصطفى الكاظمي، إيجاد السلام في المنطقة بما ينعكس على أوضاعها البلاد الداخليّة، وإعادة تأثير العراق كقوة إقليميّة هامة في الشرق الأوسط عبر أخذ المبادرة في محاولة حل بعض المشكلات العالقة منذ سنوات وبالأخص فيما يتعلق بالملف السوريّ، تستعد بغداد لاستضافة قمة دول الجوار أواخر شهر أغسطس/ آب الجاري، بمشاركة قادة الدول المجاورة للعراق، إضافة إلى دول عربيّة وأوروبيّة من بينها فرنسا، لمناقشة التحديات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة التي تواجهها دول المنطقة، ومحاول إعادة المياه إلى مجاريها بين بعض الدول التي تعيش علاقات متوترة للغاية.
بشكل رسميّ ، لم توجه الدعوة إلى الحكومة السوريّة بعد على الرغم من أنها من أهم دول الجوار، ولها امتداد جغرافيّ وتاريخيّ وشعبيّ مع بلاد الرافدين، إضافة إلى التحديات المشتركة في الكثير من القضايا، وأبرزها قضيّة الجماعات والتنظيمات الإرهابيّة المسلحة المدعومة خارجيّاً بشكل غير محدود، مع وجود قوات أجنبيّة محتلة، خاصة في الأجزاء الشماليّة للبلدين.
وتصطدم الرغبة العراقيّة في توجيه الدعوة إلى سوريا بالرفض من قبل دول عدة، ربما بسبب عدم رغبتهم في تهدئة الأجواء وتحسين الوضع الأمنيّ في المنطقة، والدليل على ذلك ما أشار إليه عضو لجنة العلاقات الخارجيّة في البرلمان العراقيّ، النائب عامر الفائز، حول أنّ حكومة الكاظمي تحاول إقناع كل من باريس والرياض وأبوظبي من أجل توجيه الدعوة لدمشق للمشاركة في قمة "دول جوار العراق"، وتقوم بإجراء مشاورات واسعة مع بعض الأطراف الإقليميّة والدوليّة، لإقناعها بأهميّة وضرورة المشاركة السورية باعتبارها من أكثر الدول المعنيّة بهذا المؤتمر، ولا يجوز الاستمرار في عزلها عربيّاً.
وفي هذا الصدد، إن مشاركة دمشق في قمة بغداد، يفتح الباب أمام تحسن كبير في المنطقة على جميع النواحي، حيث إنّ حلحلة المشاكل مع سوريا وفيها يعني تغيراً كبيراً في الظروف السياسيّة الحاليّة، لأنّ الجمهوريّة السوريّة هي محور استقطاب هام بين دول الخليج من جهة وتركيا من جهة أخرى إضافة إلى أنّ تداعيات نجاح القمة في العراق ستمتد إلى لبنان الغارق بالمشاكل الاقتصاديّة والسياسيّة، ودول المغرب العربيّ كذلك.
وفي ظل الضغوط المفروضة على حكومة بغداد لتعدل عن رغبتها في توجيه الدعوة لجارتها الغربيّة، من غير المعروف حتى اللحظة ما إذا كانت سوريا التي تعيش أوضاعاً معيشيّة واقتصاديّة مأساويّة ستحضر القمة أم لا، رغم الأهميّة القصوى ذلك بالإضافة إلى أنّ سوريا هي "حجر الزاوية" في استقرار وأمن المنطقة، كما أنّ القمة في الأساس ستعقد بحسب ما أعلن عنها لتصفية الأجواء على المستويين الإقليميّ والداخليّ للعراق، لكن يخشى أعداء دمشق أن يكون حضورها في قمة دول جوار العراق، ستكون بمثابة اعتراف واضح وصريح بانتصارها السياسيّ كما العسكريّ وطعنة في خاصرة "المعارضة السورية" المشتتة والمنقسمة على ذاتها بشكل لا يوصف.
وبالتزامن مع تحول مؤتمر بغداد إلى اجتماع إقليميّ يضم وفوداً من عدة دول وربما بحضور الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبيّ، يحاول رئيس الوزراء العراقيّ منذ استلامه السلطة في مايو/ أيار 2020، إخراج بلاده من بؤرة الصراع والعودة به إلى حاضنته العربية، واستعادة دوره العربيّ والإقليميّ ليتمكن من النهوض بالأعباء والمسؤوليات الوطنية والقوميّة، ومن هذا المنطلق قام بالعديد من الجوالات العربيّة والدوليّة، واستضاف العديد من اللقاءات الإقليميّة، كما احتضن مؤخراً ما يعرف بـ "قمة الشام الجديدة" مع مصر والأردن.
نتيجة لما ذُكر، إنّ الخطوة الجديدة للعراق جاءت بعد غياب طويل عن الساحة السياسيّة، وأعقبت ظهوراً كبيراً للعراق في عدة ملفات بعد أن أخذ دور "نقطة الوصل" من خلال دور هام في تخفيف حدة الخلافات الإقليميّة، وفي حال حضرت سوريا من المؤكد أن بغداد ستنجح في أهدافها، وستعيد نفسها إلى الدور القياديّ العربيّ وتنأى بنفسها عن الصراعات الإقليميّة، عبر استكمال جهود العراق في تطبيع العلاقات بين دول الجوار، وبالأخص بين إيران والسعودية، وبين أنقرة وعدة دول عربية، ليبقى التحدي الأبرز بالنسبة للعراق جمع قادة بعض الدول والوصول إلى هدف تحقيق الاستقرار الإقليميّ المنشود، بما يمكن بالفعل من مواجهة التحديات الكثيرة في الشرق الأوسط، بدءاً من تهديدات الإرهاب ومروراً بسرطان الاحتلال وليس انتهاءاً عند المشكلات الاقتصاديّة.