الوقت: كان الأمن شاغلاً سياسياً وحكومياً في العراق منذ بداية عام 2003 عندما تمت الإطاحة بالنظام البعثي. وواجهت البلاد أزمات سياسية داخلية في أوقات مختلفة، فضلاً عن هجمات الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وأهم مثال على ذلك ظهور تنظيم داعش الإرهابي. بعد تدمير دولة الخلافة المزعومة لداعش، نرى أيضًا أن البقايا الخفية لهذه المجموعة الإرهابية مازالت تشكل تهديدًا لأمن العراق.
في الوضع الجديد، جعلت داعش، بمساعدة مجموعات سرية أجنبية، وخاصة الأمريكيين، مناطق ما يسمى بـ "المناطق المتنازع عليها" محوراً لأنشطتها. وتعرف المناطق المتنازع عليها بأنها مجموعة من الأراضي تقع في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى، وهناك خلاف بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق على السيادة على هذه المناطق. في العقدين الماضيين، واجهت هذه المناطق دائمًا فراغًا أمنيًا بسبب الخلافات بين أربيل وبغداد، ولكن في الوضع الجديد، لاحظ داعش هذه الثغرات الأمنية ونشهد تحركات واسعة للتنظيم في هذه المناطق. ومع ذلك، أصبحت التوترات الأخيرة مع تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق المتنازع عليها محط تركيز التعاون الأمني بين أربيل وبغداد.
محاولات داعش ترسيخ وجوده في المناطق المتنازع عليها بعد طرده من المناطق التي يسيطر عليها الحشد الشعبي
بدأ تنظيم داعش الإرهابي، بعد أن فقد قوته في مناطق مختلفة من العراق، مرحلة جديدة من أنشطته التخريبية والإرهابية، والتي تعرف بالمرحلة السرية أو تشكيل الخلايا السرية. على الرغم من كونها تحت الأرض على شكل خلايا مخفية، إلا أن قوات الحشد الشعبي في أنحاء مختلفة من العراق في العامين الماضيين لعبت دورًا مهمًا في قمع وتدمير فلول داعش، مما أدى إلى الحد من تواجدها في مناطق وسط وشرق وجنوب العراق، ولذا اختارت الجماعة الإرهابية ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها التي نشهد فيها نوعا من ضعف السلطة كمحور جديد لأنشطتها السرية. وفي هذا الصدد، أكد رشاد كلالي، أحد قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني، في حديثه، أن نحو 400 من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية يتمركزون ويختبئون في مرتفعات منطقة "قره جوخ" جنوب شرق محافظة نينوى. في الواقع، هذه العناصر لها طرقها الخاصة التي يسافرون من خلالها إلى كركوك، وخاصة إلى الحويجة والدباس وجزيرة نينوى، ويتلقون مساعدات من هذه المناطق. في الواقع، هذه القوات تغزو الحدود بين محافظات نينوى الثلاث وكركوك وصلاح الدين، وتستغل عملياً فراغ السلطة في المنطقة. تجلى تزايد نشاط الجماعة الإرهابية في مناطق مختلفة من محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى في شكل أعمال اعتداء على أبراج الكهرباء واعتداءات طائفية على قوات الأمن العراقية، كقضية مهمة لمسؤولي الحكومة المركزية العراقية والمحلية في كردستان.
الآثار الإيجابية لاتفاقية أربيل - بغداد الأمنية
بالنظر إلى فراغ السلطة في المناطق المتنازع عليها، والتي أصبحت ملاذًا آمنًا للإرهابيين، توصلت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان إلى اتفاق أمني مهم لتنسيق القتال ضد داعش وخلاياها المتخفية. وفي هذا الصدد، أعلنت لجنة التنسيق العسكرية بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كوردستان في 12 آب / أغسطس 2021 عن التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل قوات أمنية في المناطقة الفاصلة بينهما من قوات من الجانبين. وناقش الاتفاق بين أربيل وبغداد إقامة مراكز تنسيق مشتركة بين قوات البيشمركة والجيش العراقي في محافظات ديالى وكركوك ونينوى ومنطقة مخمور. وبحسب الاتفاقية الثنائية، فقد تم إنشاء ستة مراكز تنسيق بين الجانبين، تضم ضباطًا من الجيش العراقي وقوات البيشمركة، مع قاعدتين رئيسيتين في بغداد وأربيل، وأربعة أخرى في خانقين، محافظة ديالى، كركوك، مخمور، وكسك في محافظة نينوى. بالإضافة إلى ذلك، أعلن اللواء تحسين خفاجي، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، مؤخرًا عن تعاون أمني مكثف مع قوات الأمن التابعة لحكومة إقليم كردستان لتبادل المعلومات حول مخابئ الإرهابيين. وتشير الدلائل إلى أن هدف التعاون هو تنسيق العمليات الأمنية لحماية أبراج القوة من خلال نصب كمائن للمخربين، وكذلك تنسيق عمليات المخابرات العسكرية. يمكن اعتبار الاتفاقية الأمنية الأخيرة للجنة التنسيق العسكرية بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان خطوة إيجابية ومهمة للغاية في هذه المرحلة في مكافحة الإرهاب والسيطرة على انعدام الأمن في العراق. لا يمكن لاتفاق كهذا أن يلعب فقط دوراً هاماً في الحد من انعدام الأمن في المناطق المتنازع عليها المشار إليها في المادة 140 من الدستور العراقي، ولكن أيضاً في منع الهجمات الإرهابية عشية شهر محرم.
الحقيقة أنه في السنوات الماضية استخدمت الجماعات الإرهابية والمتطرفة كل قوتها وأدواتها لمهاجمة مراسم العزاء مع بداية شهر محرم، ولكن في الوضع الجديد، فإن الاتفاقية الأمنية بين أربيل وبغداد تعزز الأمن في الشريط الحدودي المحافظات الشيعية أهم من أي وقت مضى. بشكل عام، فإن أي اتفاق تنسيق وأمن بين الأكراد والحكومة المركزية سيكون خطوة إيجابية نحو إرساء الاستقرار وتعزيز الشعور بالتعاطف والتقارب بين الشعب العراقي.