الوقت- مؤخراً عادت إلى الواجهة الأخبار التي تتحدث عن الخلافات السعودية الإماراتية حول تقاسم النفوذ في اليمن، و لاسيما بعد التدخل البري المباشر للقوات الخليجية والإماراتية بشكل خاص، وسيطرة المليشيات الموالية لهادي على مدينة عدن، التي تحولت إلى ساحة صراع بين الحلفاء. وقد تطور الخلاف بين الجانبين ليصل إلى حالة الصراع الدموي، حيث استهدفت غارات جوية مجهولة المصدر قوات من الحراك الجنوبي موالية للسعودية في عدن وأبين، ولقد قالت مصادر يمنية إن الإمارات هي من تقف خلفها، ما وصفه البعض بأنه مساعٍ ممنهجة لتطهير أماكن نفوذ الإمارات من أي قوى سعودية وازنة في الميدان، الأمر الذي يعنون لفصل جديد من فصول الصراع الإماراتي السعودي على اليمن. وقبل عدة أيام اتهم العديد من قادة المجلس الانتقالي الجنوبي جماعة الاخوان المسلمين الموالية للسعودية بتنفيذ عمليات عسكرية في محافظة شبوة، وقالت إن هذه القوات الاخوانية عملت خلال الفترة الماضية على نسف اتفاق الرياض الذي تم التوقيع عليه في نوفمبر 2019.
الجدير بالذكر أن المجلس الانتقالي الجنوبي وجّه العديد من الاتهامات لحكومة الارتزاق بعد فترة وجيزة من تشكيلها بموجب ما يسمى "اتفاق الرياض" وجّهوا العديد من الاتهامات للرئيس اليمني المستقيل "عبد ربه منصور هادي" بالانحياز في قرارات مهمة اتخذها خلال الفترة القليلة الماضية. وقال المجلس الانتقالي الجنوبي، إن "هذه الخطوة تهدف إلى إثارة مواجهة من شأنها أن تؤدي إلى إفشال اتفاق الرياض". وأكد المجلس الانتقالي الجنوبي بالقول، "اننا سنمنع تنفيذ أي قرار أساسي تم اتخاذه دون استشارة مسبقة معنا". وطالب المجلس الجنوبي، تحالف العدوان السعودي بتحمل مسؤولياته كداعم رئيس لاتفاق الرياض. وفي وقت سابق، شدد المجلس الانتقالي الجنوبي على أن المجلس سيتخذ الإجراء المناسب إذا لم يتم النظر في قرارات الرئيس اليمني المستقيل "عبد ربه منصور هادي" دون اتفاق مسبق. وشدد المجلس الانتقالي الجنوبي على استحالة متابعة قرارات "منصور هادي" والموافقة عليها. وأضاف المجلس إن "قرارات منصور هادي الانفرادية تعني انقلاباً خطيراً وانتهاكاً لبنود اتفاق الرياض، مضيفاً، بالقول "ندين الجهود المستمرة لمنع إتمام هذا الاتفاق".
وعقب مرور نحو 3 أسابيع على وصول الحكومة اليمنية الموالية للسعودية والإمارات إلى عدن، لاحت في الأفق أزمة جديدة اعادت تأزيم الموقف بين الرئاسة اليمنية و"الانتقالي"، وخصوصاً مع إعلان الأخير إنشاء قوة جديدة خارج إطار الحكومة الشرعية التي يشاركون فيها. ولعل القرارات الأخيرة التي أصدرها الرئيس اليمني المستقيل "منصور هادي" بتعيينات داخل الحكم في البلاد قد أعطت "الانتقالي فرصة للحصول على ذريعة للهروب من التزاماته، وسط تساؤلات عن الموقف السعودي "الراعي لاتفاق الرياض" من هذه الخطوات. وفي مخالفة لاتفاق الرياض، الذي تم التوقيع عليه في نوفمبر 2019، بين حكومة الفنادق الموالية للرياض والمجلس الانتقالي الذي تدعمه الإمارات، استحدث الأخير قوات جديدة في العاصمة المؤقتة عدن جنوبي البلاد، في ظل خلاف مع الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي". ولقد أصدر ما يسمى قائد قوات الإسناد والدعم والأحزمة الأمنية، التابعة للمجلس الانتقالي الانفصالي، قبل عدة أيام قراراً باستحداث قوات حزام طوق عدن بقيادة المقدم "ناجي اليهري" والرائد "محمد يسلم الصبيحي" رئيساً لأركانها. ويأتي الكشف عن تلك القوات في ظل رفض المجلس تعيينات أصدرها الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي"، في 15 يناير 2020.
وقبل عدة أيام دعا المجلس الانتقالي الجنوبي، ممثليه في مباحثات استكمال تنفيذ اتفاق الرياض إلى إيقاف كل أشكال التواصل والاتصال المباشر مع الطرف الآخر، حتى يتم وضع ملف محافظة شبوة في صدارة أولويات تنفيذ اتفاق الرياض، ومعالجة الأوضاع فيها بشكل كامل. وشدد المتحدث الرسمي للمجلس الانتقالي الجنوبي "علي عبدالله الكثيري"، على أن ما جرى في شبوة اليوم من قبل مليشيا الشرعية الإخوانية، يُعد نسفًا لاتفاق الرياض ولجهود استكمال تنفيذه. وأشار إلى أن مليشيات الإخوان المحتلة لمحافظة شبوة، واصلت ممارسات الإرهاب والترويع والعدوان ضد أبناء المحافظة، حيث اقتحمت تلك المليشيات المستقدمة من مأرب والجوف صباح اليوم ساحة الفعالية الشعبية السلمية في منطقة عبدان. ولفت إلى أن الفعالية كانت سلمية للتعبير عن تطلعات أبناء محافظة شبوة، ورفضهم للنهج العدواني القمعي الذي تمارسه تلك المليشيات من خلال عمليات التقطع والحرابة، واقتحامات القرى والمنازل والاختطافات المستمرة ضد أبناء شبوة والجنوب عمومًا. ونقل تحية المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى أبناء شبوة على صمودهم وثباتهم في مواجهة القوة الإخوانية الغاشمة، داعيًا إياهم إلى مواصلة دورهم النضالي في التعبير عن تطلعاتهم على الوجه الذي يحقق لشبوة وأبنائها الخلاص من مليشيات الإخوان وأذرعها الإرهابية.
أسباب الصراع الإماراتي السعودي على اليمن
هناك عدة أسباب دفعت نحو التنافس والصراع بين السعودية والإمارات على النفوذ في اليمن نذكر منها:
الف) موقع اليمن الاستراتيجي: حيث إن سيطرة السعودية على اليمن بما له من موقع استراتيجي مطل على البحر الأحمر من جهة، والمحيط الهندي من جهة أخرى، سيحقق للسعودية امتيازات اقتصادية كبرى، وهو ما سيزيد من فرص هيمنة السعودية على مجلس التعاون، واقصاء أكبر للدور الإماراتي.
ب) زعامة "العالم العربي السني": يبدو أن الإمارات غير مرتاحة لمساعي السعودية تقاسم زعامة "العالم العربي السني" مع تركيا، حيث تجد نفسها جديرة بلعب هذا الدور بدلاً من تركيا التي تسعى لاحياء "الخلافة العثمانية"، وفق تصريح أدلى به وزير الإمارات للشؤون الخارجية.
ج) عداء الامارات التقليدي للإخوان المسلمين: حيث تخشى الامارات من تنامي نفوذ حزب الاصلاح في اليمن، الذي يحظى بدعم سعودي سخي، وخاصة في ظل تحسن علاقة السعودية مع الإخوان بعد مجيء الملك سلمان بن عبدالعزيز للسلطة.
د) المخاوف الإماراتية من مشروع مدينة النور: ويتضمن بناء مدينة وجسر يربط بين اليمن وجيبوتي، أي بين قارتي آسيا وأفريقيا، ما يشكل ممراً تجارياً عالمياً مهماً قد يؤثر على الدور الريادي الذي تلعبه الإمارات عبر ميناء دبي، وهو ما يشكل مصدر قلق للإمارات. حيث تخشى الإمارات أن تفقد أهم ركائزها الاقتصادية المعتمدة علی ميناء دبي.
ه) مطامع السعودية في النفط اليمني: حيث تسعى السعودية للسيطرة على حقل "واعد" النفطي الممتد من محافظة الجوف في اليمن، وحتى صحراء الربع الخالي، ويقع في معظمه ضمن الأراضي اليمنية، حيث سيكون بمقدور السعودية من خلال السيطرة على هذا الحقل، زيادة انتاجها النفطي إضافة إلى تأمين تصدير نفطها عبر بحر العرب بدلا من مضيق هرمز على الخليج الفارسي.
ويرى مراقبون أن دول تحالف العدوان السعودي الإماراتي تسعى لشرعنة وجودها الاستعماري بالمحافظات الجنوبية والشرقية، من خلال ما يُسمى باتفاق الرياض وتشكيل حكومة صورية في جنوب اليمن ولقد اتخذت دول العدوان من اتفاق الرياض أداة للتدخل العسكري في مدينة عدن حيث نقلت الرياض الآلاف من الجنود السعوديين إليها وأنشأت مليشيات موالية لها في محافظتي عدن وأبين، وعملت على السيطرة على محافظة المهرة خلال الفترة الماضية .وبالمجمل يمكن القول بأن الصراع الحاصل اليوم بين تحالف القوى المعتدية على اليمن، لم يكن مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية لتحالف مبني على مصالح قائمة على قهر شعب فقير ومظلوم، واجهاض ثورته، ورفض خروجه من تحت الوصاية الخليجية. كما أن التحالف مع القاعدة واستخدام ورقة الارهاب، لا يمكن أن يجلب الأمن والاستقرار لا لليمن ولا حتى لسائر الدول الخليجية، بل إن هذه الآلام لا شك ستكون عاملاً موحداً للشعب اليمني، وسبباً لاتحاد القوى السياسية الجنوبية والشمالية لمواجهة العدو الواحد، وتحقيق سيادة اليمن الذي يستحق أبناؤه العيش الكريم.