الوقت - تخوض القوات الحدودية لقرغيزستان وطاجيكستان اشتباكات بينهما في منطقة "باتكين" الحدودية منذ 28 أبريل 2021، ولا تزال هذه الصراعات مستمرةً بين قوى البلدين، رغم إرادة الدول الأخرى، وخاصةً روسيا الاتحادية.
وذكرت مصادر إخبارية أن الاشتباكات وقعت بعد أن حاول الجانب الطاجيكي تركيب كاميرات مراقبة على أعمدة خط النقل(الكهرباء في المنطقة الحدودية). فحاول الجانب القرغيزي أيضًا قطع الأعمدة، ما أدی إلی دخول قوات كلا البلدين معركةً ضد بعضهما البعض.
لكن بعد هذه الحادثة، وبحسب وزارة الصحة القرغيزية في 13 أبريل/نيسان، قُتل 13 مدنياً قرغيزياً وأصيب 121 آخرون في اشتباكات بين الجانبين.
لقد أدى اندلاع الصراع الحالي، أكثر من أي وقت مضى، إلى لفت الانتباه إلى جذور النزاع الحدودي بين طاجيكستان وقيرغيزستان.
كذلك، وتحت ضغط من موسكو، تشير الدلائل إلى أن المحادثات والمشاورات قد بدأت بين الرئيس الطاجيكي "إمام علي رحمن" والرئيس القرغيزي "صدير جاباروف" بشأن تنفيذ وقف إطلاق النار على الحدود، وانسحاب القوات إلى القواعد الدائمة المعينة.
تقسيمات الاتحاد السوفياتي والأزمة في آسيا الوسطى کالنار تحت الرماد
عند شرح وتحليل أسباب حدوث النزاعات والصراعات الحدودية بين طاجيكستان وقيرغيزستان، يجب أن يكون التركيز أكثر من أي شيء آخر على انهيار الوضع والتوترات التي خلفها انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
في روسيا القيصرية، أي في القرون القليلة الماضية، في منطقة آسيا الوسطى في القرنين التاسع عشر والعشرين، لم تكن هناك فكرة عن مستقبل الاستقلال وإنشاء حكومات جديدة في منطقة آسيا الوسطى.
وغيَّرت موسكو الحدود المحلية بين جمهوريات هذه المنطقة وفق سياساتها واستراتيجياتها، لأسباب مثل المركزية والاهتمام بالسيطرة الواسعة على هذه المنطقة؛ وفي كثير من الحالات، في تطبيق هذه التغييرات، لم تلتفت إلى التركيبة الديمغرافية وهوية سكان المنطقة.
ولكن بعد انهيار الكتلة الشرقية ونهاية حقبة الحرب الباردة في عام 1991، ظلت تحديات كبيرة أمام الجمهوريات المستقلة حديثًا، ولا تزال هذه التوترات تعصف بالحكومات في آسيا الوسطى على مختلف المستويات.
في غضون ذلك، لطالما اتهمت طاجيكستان وقيرغيزستان، على الرغم من مضيّ ما يقرب من ثلاثة عقود علی الاستقلال، بعضهما البعض بانتهاك الحدود وإلقاء اللوم على الجانب الآخر.
النزاعات الحدودية بين طاجيكستان وكازاخستان أكبر من الخلافات مع قيرغيزستان. اليوم، على سبيل المثال، يجد الطاجيك أنفسهم أكثر المتضررين من التقسيمات السابقة للمنطقة، لأن المقاطعات الطاجيكية في سمرقند وبخارى وسرخان داريا وجزء من وادي فرغانة قد تم التنازل عنها لأوزبكستان.
في الواقع، كانت السياسات الاشتراكية للحكومة السوفيتية في السنوات التي تلت عام 1919، دائمًا منصةً لتجاهل بنية الهوية في المنطقة وأساس الأزمة الحالية.
خلفيات وجذور النزاع الحدودي بين طاجيكستان وقيرغيزستان
كما نوقش في بداية هذا المقال، لا يمكن إرجاع السبب الجذري للصراع الحالي بين طاجيكستان وقيرغيزستان إلى نزاع أو حادثة سطحية في الأيام الأخيرة؛ بل يجب إرجاع هذه القضية إلى حقبة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991.
وبالنظر إلى ذلك، من المهم ملاحظة أن طاجيكستان تشترك في حدود طولها 972 كيلومترًا مع قيرغيزستان. ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي، اتفق الجانبان على ترسيم حوالي 520 كم من الخط الحدودي.
والأهم من ذلك هو حقيقة أن باقي الحدود بين البلدين لم يتم تحديدها، مما تسبب في اختلاف سكان المناطق الحدودية حول استخدام الموارد المائية والطرق والمراعي والأراضي؛ وفي أوقات مختلفة نشهد صراعات دامية بين مواطني البلدين.
في هذه الأثناء، لا شك أن أهم ما تركز عليه هذه الأزمة بين البلدين، هو الصراع على منطقة "فوروخ".
منطقة فوروخ هي جزء من طاجيكستان، والتي تواجه صعوبةً في التنقل في أجزاء أخرى من طاجيكستان، بسبب افتقارها إلى الارتباط الجغرافي بوطنها الأم. وقد جذبت هذه القضية أيضاً اهتماماً خاصاً من شعب قيرغيزستان.
في الأسابيع الأخيرة، كانت هناك تقارير في وسائل الإعلام عن اقتراح قيرغيزي لمبادلة منطقة فوروخ الإستراتيجية بمساحة مماثلة من الأرض في مناطق أخرى(12000 هكتار في منطقة باتكاند)، مما أثار رد فعل قويًا وغضبًا من الرأي العام الطاجيكي.
حتى أن مستوى رد الفعل كان لدرجة أن الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمان سافر في النهاية إلى مقاطعة صغد. وأثناء هذه الزيارة، وضع حدًا للشائعات في كلمة ألقاها، وذكر أنه لم يتم إجراء أي تبادل بخصوص فوروخ.
آفاق السلام ووقف إطلاق النار بين طاجيكستان وقيرغيزستان وسط ضغوط إقليمية وعالمية
بعد اندلاع الصراع بين طاجيكستان وقيرغيزستان، دعت الجهات الفاعلة الإقليمية وعبر الإقليمية على مختلف المستويات إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع بين البلدين.
وفي هذا الصدد، رأينا أن روسيا کانت الدولة الأولى التي دعت إلى إنهاء النزاع، وبدأت عملية الوساطة. كما دعا المسؤولون السياسيون من كازاخستان وإيران والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لآسيا الوسطى وحتى نائب الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار والاتفاق.
وبالتزامن مع هذه الجهود، أقيمت اتصالات بين وزارتي خارجية طاجيكستان وقيرغيزستان منذ اليوم الأول، وفي آخر التطورات، أجريت اتصالات هاتفية بين رئيسي البلدين أيضًا.
مجموع هذا الاتجاه يشير إلى أنه سيتم إعلان وقف إطلاق النار قريبًا، ولا سيما تحت ضغط من موسكو، ولکن على الرغم من وقف الخلافات الحدودية الحالية مؤقتًا، فلا يمكن اعتبار المشاكل الحدودية الرئيسية بين البلدين المتجاورين منتهيةً.
لأن جزءًا كبيرًا من حدود البلدين لم يتم تحديده بعد، ولم يتم حل المشكلات الرئيسية في مجال الوصول إلى الموارد المائية واستخدام المراعي وحركة المواطنين، وخاصةً القضايا الجغرافية والجيوسياسية. وهذا الأمر يثير مسألة النزاعات عبر الحدود كعامل محتمل في استئناف الأعمال العدائية.