الوقت - فيما کان المراقبون السياسيون ووسائل الإعلام يتطلعون إلى نزع فتيل التوتر بين تركيا ومصر، علقت القاهرة بشكل غير متوقع المحادثات بشأن تطبيع العلاقات مع أنقرة.
وعلى الرغم من أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد كشف عن إرادته القوية للدخول في عملية خفض التصعيد، ولکن حقيقة الأمر هي أن مستوى التوترات والخلافات كبير جداً، لدرجة أنه لا يمكن القول بسهولة إن الاتفاق بين الجانبين محتمل.
الأمل في التهدئة.. من إقامة اتصالات دبلوماسية إلى تعليق المفاوضات
قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة في عام 2013، بعد انقلاب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس السابق محمد مرسي.
وفي السنوات التالية، وعلى الرغم من تصاعد التوترات بين الجانبين، وخاصةً بعد تصاعد الأزمة الليبية واصطفاف البلدين ضد بعضهما البعض، كانت قضية خفض التصعيد وإقامة العلاقات بين الجانبين مطروحةً دائمًا.
في غضون ذلك، وضعت حكومة القاهرة ثلاثة شروط رئيسة لتهدئة التوترات مع أنقرة، وهي: أولاً، احترام إرادة الشعب المصري، وثانيًا، الالتزام بمبادئ العلاقات الدولية، بما في ذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وثالثاً: احترام العلاقات ومراعاة حسن الجوار بين الدول.
ومع ذلك، وبعد قرابة 8 سنوات من البرودة والتوتر في العلاقات بين البلدين، في 4 مارس 2017، أعلن وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" عن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
في الوقت نفسه، أعلنت تركيا استعدادها لتحديد الحدود البحرية بشرق البحر المتوسط، إذا تحسنت العلاقات مع القاهرة. وبالتزامن مع ذلك، أفادت وسائل الإعلام بعقد اجتماع بين المسؤولين السياسيين والأمنيين والعسكريين في البلدين للتوصل إلى اتفاق شامل، حول قضايا مثل الأزمة في ليبيا والإخوان المسلمين والبحر الأبيض المتوسط.
ولكن على عكس التوقعات، علَّقت الحكومة المصرية في بيان لها محادثات تطبيع العلاقات مع تركيا في 10 أبريل 2021، احتجاجاً على تأخر تركيا في تلبية مطالب القاهرة بشأن قادة الإخوان المسلمين وطرد المرتزقة الأتراك من ليبيا.
وزعمت مصادر إخبارية أن أنقرة طلبت من القاهرة مزيدًا من الوقت لسحب مستشاريها العسكريين والعناصر الموالية لتركيا من ليبيا، فيما شددت القاهرة على ضرورة الانسحاب الفوري لهذه العناصر من ليبيا.
كما أوقفت أنقرة أنشطة الإخوان المسلمين إلى حد ما، لكن القاهرة دعت إلى التحرك الدائم وتسليم "يحيى موسى" و"علاء السماحي"، فردَّت تركيا بالقول إنها بحاجة إلى وقت.
فشل جهود أردوغان في شمال إفريقيا
على الرغم من أن أردوغان توجَّه إلى تهدئة التوترات مع مصر من أجل تحقيق نجاح سياسي في السياسة الداخلية والخارجية، إلا أنه يبدو أنه سيواجه عقبتين رئيسيتين في تنفيذ مقاربته هذه.
ليبيا ومسألة الخروج الحساسة: استثمرت تركيا مليارات الدولارات في ليبيا على مدى السنوات القليلة الماضية، تقدر قيمتها بنحو 30 مليار دولار.
کما أن تركيا ومن الناحية الجيوسياسية والجيو اقتصادية، تعتبر المنطقة الجغرافية الليبية معقلًا للتسلل والمنافسة مع الدول العربية والغربية مثل السعودية والإمارات والکيان الصهيوني وحتى أوروبا في القرن الأفريقي.
لذلك، فإن منطق الواقعية السياسية يظهر أن قضية انسحاب تركيا الفوري من ليبيا، هي نظرة سطحية أكثر من كونها مبنيةً على حقائق ميدانية.
على مستوى آخر، يمكن تقييم قضية الوجود التركي في ليبيا بأنها مسألة الهيبة والمصداقية لسياسة تركيا الخارجية ونفوذها وقوتها على الصعيدين الإقليمي وعبر الإقليمي.
حيث يدرك أردوغان والمسؤولون الأتراك الآخرون جيدًا أن أي انسحاب سريع من ليبيا وسحب الدعم من حلفائهم، تحت عنوان حكومة الوفاق الوطني، يعني بالنسبة لهم قبول الهزيمة السياسية.
وسينظر المراقبون السياسيون ووسائل الإعلام إلى هذا الأمر على أنه فشل لحزب العدالة والتنمية في إدارة السياسة الخارجية، وعلى المستوى المحلي في تركيا أيضاً فيمكن أن يكون له آثار سلبية كبيرة على قواعد الحزب الشعبية.
ولذلك، لا يبدو أن أردوغان مستعد للرضوخ للابتزاز وقبول مثل هذه الهزيمة المريرة في هذا الوقت. لأنه بالنسبة له، يمكن أن تكون هذه لعبة خاسر-خاسر في مجال السياسة الخارجية والسياسة الداخلية.
على صعيد آخر، من الضروري الانتباه إلى حقيقة أن دعم الحركات التابعة للإخوان المسلمين في مختلف البلدان الإسلامية، هو المحور الرئيس لسياسة تركيا الخارجية في الوقت الحاضر.
على مر السنين، بنت أنقرة هيكل نفوذها الإقليمي الرئيس من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين. لذلك، في الوقت الحاضر، يبدو أن طلب المصريين بانسحاب سريع وغير مشروط لأنقرة من ليبيا والتوقف عن دعم حكومة الوفاق الوطني التي يحكمها الإخوان، أمر مستحيل وغير محتمل.
البحر الأبيض المتوسط مرکز لإحياء العثمانية الجديدة: منذ بداية تشكيل حدودها الجديدة في الأراضي الحالية، لم تخف الحكومة التركية ميلها إلى استعادة نفوذ الدولة العثمانية وحدودها السيادية، بالرجوع إلى الميثاق الوطني (1920).
في غضون ذلك، كان حوض البحر الأبيض المتوسط المركز الرئيس للتأثير والعمق الاستراتيجي للإمبراطورية العثمانية في الماضي، وفي السنوات الأخيرة حاولت حكومة أردوغان إحياء الدور الرئيس للإمبراطورية العثمانية في هذه المنطقة.
وفي هذا الصدد، نرى أنه في ديسمبر 2019، وقعت الحكومة التركية اتفاقيةً مع حکومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة "فايز السراج"، لاستكشاف موارد البحر الأبيض المتوسط.
وحسب أردوغان، وفقاً للاتفاق مع ليبيا، يمكن لتركيا التنقيب في مياه ليبيا للکشف عن حقول النفط والغاز، وهذا لا يتعارض مع القانون الدولي. وحجة الحكومة التركية هي أن الجهات الفاعلة الدولية الأخرى لم تعد قادرةً على إجراء عمليات الحفر والاستكشاف في هذه المنطقة.
وعلى وجه التحديد، لا يُسمح للجزء اليوناني من قبرص ومصر والکيان الإسرائيلي واليونان ببناء خط أنابيب غاز من هذه المنطقة، دون الحصول على إذن من تركيا.
وهذا يعني أن البحر الأبيض المتوسط يعتبر المركز الرئيس للقوة والنفوذ البحري لتركيا، وهو المكان الرئيس لتركيا للتنافس مع منافسيها الإقليميين مثل اليونان وقبرص ومصر وإلخ.
ولذلك، لا يوجد منطق عقلاني يبرر قبول السلطات التركية لطلب القاهرة بمغادرة ليبيا، وربما تقليص الحركة في البحر المتوسط في المستقبل. ونتيجةً لذلك، سنلاحظ أن التوترات حول البحر الأبيض المتوسط ستظل قويةً.
بشكل عام، ونظرًا للعقبات والوضع الحالي، يبدو أن أي حل وسط بين أنقرة والقاهرة مستبعد جداً. کما أن مستقبل التسوية بين الجانبين غامض أكثر من كونه قائمًا على منطق أو خارطة طريق مبدئية، ولا يمكن حل هذه القضية على المدى القصير على الأقل.