الوقت- مجدداً تعود قضية سد النهضة الإثيوبيّ إلى الواجهة، في ظل فشل المفاوضات الثلاثيّة بين الخرطوم والقاهرة وأديس أبابا حول إمكانية التوصل إلى اتفاق عادل وملزم ودائم بشأن ملء سد النهضة وتشغيله والاطمئنان لمستوى الأمان فيه، وسط خلافات عميقة حول كمية المياه المتدفقة من السد سنوياً، ولا سيما خلال فترات الجفاف، إضافة إلى آلية ملء خزانه وتنسيق إثيوبيا مع مصر والسودان، ومؤخراً بعد قرار إثيوبيا المفاجئ بملء خزان السد على النيل الأزرق، اعتبرت الحكومة السودانية أن القرار الإثيوبيّ الفردي يعد تهديداً لأمنها القوميّ، ودعا وزير الري والموارد المائية السودانيّ، ياسر عباس، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقيّ إلى التوسط في النزاع بين الدول الثلاث بشأن هذه القضية.
استمراراً للنزاع المستمر بين السودان وإثيوبيا ومصر حول سد النهضة الواقع على النيل الأزرق، حذرت الخرطوم من أن مضي أثيوبيا قدماً في ملء خزان السد في يوليو/ تموز المقبل، سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان، فضلاً عن المساس بالزارعة وتوليد الكهرباء، عقب وصول المفاوضات بين الدول الثلاث عدة مرات إلى طريق مسدود، وكان وزير الري السودانيّ، ياسر عباس، قبل مدة، أكّد أنّه لا يمكن للسودان أن يستمر في هذه الدورة المفرغة من المباحثات الدائريّة إلى ما لا نهاية، فيما اتفقت مصر وإثيوبيا على أنّ اعتراضات السودان على إطار المحادثات كانت سبباً في المأزق الذي شهدته المحادثات حينها.
وقد بدأت أديس أبابا مرحلة ملء خزان السد العام المنصرم على الرغم من مطالبة مصر والسودان بأن يتم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة أولاً، ودخلت العواصم الثلاث في محادثات فاشلة بدأت العمل فيه عام 2011، في الوقت الذي ترى فيه إثيوبيا أنّ السد يشكل عاملاً رئيسيّاً في خططها لتصبح أكبر مصدّر للطاقة في إفريقيا، بحيث يوفر الكهرباء لـ65 مليون إثيوبيّ محرومين منها، في حين تخشى مصر التي تحصل على أكثر من 90 % من مياهها العذبة الشحيحة من نهر النيل، أن يؤدي السد إلى تدمير اقتصادها، ويشعر السودان بالقلق لما يمثله سد النهضة من تهديد مباشر لخزان مدينة "الروصيرص" الواقع في ولاية النيل الأزرق بالسودان على الضفة الشرقيّة لنهر النيل، إذا تم الملء والتشغيل دون اتفاق وتبادل يومي للبيانات.
وفي هذا الشأن، أشارت أديس أبابا في بيان لوزارة خارجيتها قبل مدة، إلى أنّه على الرغم من إصرار الخرطوم في السابق على عقد اجتماعات مع خبراء الاتحاد الإفريقيّ، فقد اعترض على اختصاصاتهم ورفض إشراكهم في الاجتماع، ما أدى إلى وقف المحادثات فعلياً، وقد استمر الخلاف الذي طال أمده بين الدول الثلاث حتى بعد بدء ملء الخزان خلف السد، الذي تبلغ تكلفة إنشائه 4 مليارات دولار، في تموز المنصرم.
وبحسب بيان سابق لوزارة الخارجية المصريّة، فإنّ السودان تمسك بضرورة تكليف الخبراء المُعينين من قبل مفوضية الاتحاد الإفريقيّ بطرح حلول للقضايا الخلافية، وهو الطرح الذي تحفظت عليه كل من مصر وإثيوبيا، بينما ذكر السودان أنّه اعترض على خطاب من إثيوبيا إلى الاتحاد الإفريقيّ، يوم 8 يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي أشار إلى عزم أديس أبابا على الاستمرار في الملء للعام الثاني في يوليو القادم بمقدار 13.5 مليار متر مكعب بغض النظر عن التوصل لاتفاق أو عدمه، بحسب وكالة الأنباء السودانيّة الرسميّة.
وقد أثارت التصريحات الإثيوبيّة حفيظة السودان بشكل كبير، حيث بيّن وزير الري السودانيّ، ياسر عباس، أنّ الخرطوم تقدمت باحتجاج شديد اللهجة لإثيوبيا والاتحاد الإفريقيّ، بعد إعلان أثيوبيا عزمها بدء الملء الثاني لخزان سد النهضة بغض النظر عن التوصل الى اتفاق أم لا، وأكّد الوزير السودانيّ أنّ أديس أبابا باعترافها غير ملزمة بتبادل المعلومات والبيانات والخطوات المتعلقة بملء الخزان وتشغيل السد.
ورفض وزير الري السودانيّ هذا الأمر وشدد على أنّ بلاده لن تتفاوض إلى ما لا نهاية خاصة وأنّ حياة ملايين الأشخاص والمنشآت معرضة للخطر إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، حيث يحرص السودان على الاستخدام العادل والمنصف لسد النهضة الإثيوبيّ، ويؤكّد دائماً أنّه ليس وسيطاً بل شريكاً أساسيّاً في مفاوضات سد النهضة، ويشير إلى أنّه لا حل إلا في التشاور واستمرار المفاوضات، مع ظل ما تسميه الخرطوم "الحرص الواضح" من الدول الثلاثة للوصول إلى اتفاق بشأن النقاط العالقة في تلك المفاوضات، التي تشكل الناحية القانونيّة حوالي70 أو 80 % منها في حال سيكون الاتفاق ملزماً، بحسب النظرة السودانيّة.
وقد عادت الخرطوم لمفاوضات سد النهضة على أمل أن يكون هناك دور أكبر لخبراء الاتحاد الإفريقيّ عملاَ بشعار الحلول الإفريقيّة لمشاكل القارة وأن يساعد الاتحاد بشكل أكبر في إيجاد شروط لعمل الخبراء ومهامهم فيما يلي سد النهضة، فيما قدم السودان اشتراطات لدولة جنوب إفريقيا باعتبار أنّها كانت رئيس الاتحاد الإفريقيّ الذي استلمه الآن دولة الكونغو الديمقراطية، للعودة لمفاوضات ذات جدوى، وأوضح السودان أنّه سيقوم بعمل دؤوب لإيضاح رؤيته آملاَ بأن تكون الدورة الجديدة للاتحاد الإفريقي في فبراير المقبل جولة أخرى لتحقيق ما تصبو إليه الخرطوم وإلا سيكون له خيارات فيما يلي هذا الملف.
يشار إلى أنّ المساعي الأمريكيّة بين الدول الثلاث قد فشلت العام الفائت بعد أن اتهمت إثيوبيا واشنطن بمحاباة القاهرة، بعد أن أوضح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أنّ الوضع بعد سد النهضة خطير للغاية لأنّ مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة، وسينتهي الأمر بالمصريين في تفجير السد، وبعد هذا التصريح مباشرة اتهمت أديس أبابا ترامب بالتحريض على الحرب بين البلدين.
وفي هذا الشأن، أعلنت الإدارة الأمريكيّة في أيلول الماضي، تعليق جزء من مساعدتها المالية لأديس أبابا، مشيرة إلى عدم إحراز تقدم في المحادثات التي توسطت فيها، وأنّ قرار إثيوبيا ببدء ملء خزان السد أحادي الجانب، في ظل الخشيّة السودانيّة والمصريّة من أن يجفف السد الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق أصبح منذ 2011 مواردهما المائيّة، ليبقى موقف الإدارة الأمريكيّة الجديدة تجاه هذا الموضوع غامضاً نسبيّاً.
ومن الجدير بالذكر أنّ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قبل يومين، تحدث أنّ بلاده تقاتل في التفاوض من أجل حماية حقوق المصريين، واعتبر أنّ التحلي بالصبر سيأتي بالنتائج المرجوة بحسب تعبيره، معبراً عن ثقته بقدرة الاتحاد الإفريقي، برئاسة الكونغولي تشيسيكيدي، في المساهمة بدفع المساعي الرامية للتوصل إلى اتفاق قانونيّ ملزم في هذا الإطار، قبل تنفيذ المرحلة الثانية من عملية ملء السد، وبما يراعي مصالح الدول الثلاث، مشدداً على ضرورة حل المسألة عبر المفاوضات الجادة بما يعزز الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة.
كذلك، فإنّ العلاقات بين مصر والكونغو تتصف بالتعاون الواسع، وقد أجرى الرئيس الكونغولي قبل أسبوع، زيارة للقاهرة في مستهلّ رئاسته للاتحاد الإفريقيّ، تعهد خلالها بالعمل على الاستئناف الفوريّ لمفاوضات سد النهضة معبراً عن ثقته بأنّ الحوار السلميّ سيُفضي إلى نتيجة تُرضي العواصم الثلاث، بحسب مواقع إخباريّة.