الوقت- في عصرنا الحديث، باتت المقاطعة الاقتصادية سلاحاً فعالاً ومؤثراً في الحد من قدرات أي عدو، نظراً لأن عملية تعطيل العجلة الاقتصادية من شأنه أن يخلق مشاكل داخلية للعدو تعد بمثابة جبهة ثانية هو في غنى عن مواجهتها بذات القدرة والتحمل فيما لو كانت هناك جبهة واحدة.
وللمقاطعة الاقتصادية آثار سلبية وأضرار تترتب دون شك على حجم المبيعات والصادرات للعدو، ناهيك عما تسببه المقاطعة من آثار أخرى سياسية واجتماعية. لذا باتت المقاطعة الاقتصادية برأي المراقبين المتخصصين، أشد أنواع العقوبات التي تجبر العدو فيما بعد على الرضوخ والاستسلام، خاصة لو رافق ذلك تعبئة واسعة، جماهيرية، تدعم حالة تطبيق المقاطعة على أرض الواقع. وفي هذه الحالة يمكن لنا أن نتصور حجم الأهداف المتحققة جراء تطبيق المقاطعة الاقتصادية والتي تدخل ضمن عملية إحداث محتمل في تغير سياسات الدولة المستهدفة اضافة الى الإخلال باستقرارها الأمني والعسكري والاجتماعي.
لقد بنى الكيان الصهيوني وجوده على أعمدة خاوية وأركان هشة، سياسية واقتصادية، لكنه لجأ الى انتهاج سياسة خارجية شكلت خطراً فيما بعد على دول المنطقة وشعوبها. تمثلت سياسته في كسب ود بعض دول المنطقة التي روجت وفتحت الأبواب الاقتصادية على مصراعيها له، مع السعي الصهيوني الخبيث في العمل بشتى الوسائل المتاحة والطرق المتوفرة المخطط لها، على إضعاف اقتصادات أغلبية الدول التي عمدت الى التعاون معه، سراً وعلانية.
الغرض من إضعاف اقتصادات المنطقة، هو بكل تأكيد يصب في مصلحة الكيان الصهيوني وفي غير مصلحة دول المنطقة، الدول التي خانت وتواطأت واستسلمت، فظنت أنها في مأمن اقتصادي وسياسي واجتماعي لو استمرت على اتباع ذات النهج السري والعلني مع الكيان الصهيوني الغاصب.
لذا، عمل الكيان الصهيوني كخطوة أولى على تضعيف اقتصادات المنطقة، من خلال اختلاق حالات عدم استقرار أمني وفوضى أو اختلاق حروب أهلية ومنازعات إقليمية، لأجل إشغالها عن التفكير في دعم عجلة الاقتصاد وتطويرها واستثمار قدراتها المحلية، لإجبارها بالنتيجة على اللجوء الى الكيان والاستدانة المالية المشروطة، منه، أو للوقوع في فخ وحل الديون الخارجية من صندوق النقد الدولي، مصر نموذجاً، وبالتالي عدم تمكن شعوبها من تحقيق صرخة واحدة، اقتصادية، تتمثل في إجراء المقاطعة. لذا، بات على الدول العربية والاسلامية، وضع اليد باليد، اقتصاديا بالدرجة الاولى، لما لذلك من تداعيات سياسية تصب في مصلحتها على حساب مصلحة الكيان.
وفي هذا الخصوص، دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى مقاطعة جماعية للمنتجات الصهيونية حتى تنسحب من جميع الأراضي الواقعة تحت احتلالها. ونشر بيان المؤسسة الإسلامية، موقع من الرئيس أحمد الريسوني والأمين العام علي القره داغي، عبر صفحتها الرسمية على منصة التواصل الاجتماعي فيسبوك، جاء فيه: إننا ندعو إلى مقاطعة الكيان الصهيوني الذي يحتل المسجد الأقصى حالياً ويعتدي على إخوتنا وأخواتنا في مرتفعات الجولان في سوريا وفلسطين وتدمر أراضيهم ومنازلهم.
وأشار البيان الرسمي إلى أن مقاومة الاحتلال بالطرق المشروعة وطرد المحتلين واجب أخلاقي وشرعي ومعترف به من قبل القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. وأكد بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن الاحتلال هو وضع مؤقت، وبالتالي لا يسمح بالاستيلاء على الممتلكات الخاصة. وأضاف البيان: أن من يشتري أو يسوّق بضائع المحتلين يعتبر مذنبا و محرضا على هذه الجريمة، لذلك ندعو جميع المسلمين إلى مقاطعة اقتصادية جماعية للكيان حتى ينسحب من جميع الأراضي المحتلة.
وتابع الاتحاد: كل من يشارك في ذلك بالبيع والشراء ونحوهما، فإنه مشارك في جرائم الاحتلال ومشارك في الإثم والعدوان.
وختم بالقول: الواجب على المسلمين جميعا الاستمرار في المقاطعة الاقتصادية التامة، إلى أن ينتهي الاحتلال تماما من على جميع أراضينا المحتلة، وبخاصة قبلتنا الأولى، والقدس الشريف.
ولكن، يمكننا القول أن ضعف التعاون الاقتصادي والسياسي بين دول العالم العربي والإسلامي، هو ما يُفقد الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية جدواها، وتحقيق الهدف منها، ذلك أن ديدن الكيان الصهيوني هو بقاء هذا الضعف على حاله وبقاء تدهور اقتصادات المنطقة على حالها، وخير دليل هو ما نراه في سوريا ولبنان والعراق وليبيا حيث الاحداث المؤلمة، سياسياً، والتي ساهمت بشكل وبآخر في الإسهام في تدهور عجلة الاقتصاد لهذه البلدان. ولو كان بالإمكان تلافي الإخلالات الاقتصادية ومعالجة تدهور ميزانياتها السنوية وانخفاض المستوى المعيشي للفرد العربي خاصة في هذه البلدان، من خلال اللجوء الى مقررات الجامعة العربية التي تأسست منذ البداية للنهوض بحال الدول العربية، والمشاركة الفعالة في مد يد العون للدول الغنية الى الدول الفقيرة، لكان الحال قد تغير نحو الأفضل، اليوم.
من جهة أخرى، على الدول العربية والاسلامية بكل تأكيد، منع تدفق رؤوس الأموال الى الكيان الصهيوني لئلا تدعم هذه الاموال اقتصاده ويكون في حال أحسن وأفضل من ذي قبل، ناهيك عن القول أن استثمارات العدو الصهيوني غالباً ما تدخل في صناعات حربية ونشاطات تجارية وغيرها مع دول أجنبية، اسيوية وافريقية وأوروبية، التي تأمل دوماً في خراب الاقتصاد العربي والاسلامي.
في الحقيقة، أن مقاطعة المنتجات الصهيونية تعد واجباً قومياً شاملاً، وهي شكل من أشكال المقاومة السلمية التي ستدافع بها شعوب المنطقة عن حقوقها المسلوبة، وخاصة الشعب الفلسطيني، بل أن المقاطعة هي خير الوسائل الكفيلة بوأد كل تحركات العدو الغاصب.
هذا لو علمنا أن الاقتصاد الفلسطيني يتكبد سنوياً وحسب إحصائيات رسمية ما يقارب 4 الى 5 مليار دولار جراء سيطرة أركان العدو السياسية والاقتصادية على أغلب الموارد الطبيعية في الضفة الغربية والقدس وغزة. وفي مارس/آذار الماضي، منعت إسرائيل خمس شركات فلسطينية من إدخال منتجاتها إلى مدينة القدس المحتلة، لكنها تراجعت بعد شهر واحد بفعل قرار قضائي وضغوط سياسية، بينما تواصل وضع العراقيل أمام تنقل البضائع الفلسطينية إلى الأسواق الفلسطينية، في وقت تغرق فيه تلك الأسواق بالمنتجات الصهيونية. وهذا دليل قاطع على مدى سعي الكيان المحتل الى شلّ عجلة الاقتصاد الفلسطيني ليمكنه ذلك من فرض سيطرته على الوضع الاقتصادي اضافة الى الوضع السياسي الاستراتيجي.
إن أحد الامثلة على المقاطعة الاقتصادية الأكثر شهرة في التاريخ هو ما دعا اليه السياسي الهندي المهاتما غاندي ضد الاستعمار البريطاني. عندما قال عام 1920 جملته الشهيرة التي لا يزال صداها يتردد إلى الآن :"إحمل مغزلك واتبعني".
وكان سبب هذه الجملة، أن غاندي لاحظ أن بريطانيا تحتكر شراء القطن الهندي الطبيعي بثمن قليل، لتعود وتبيعه للهنود ملابساً وقطعاً قطنيةً بأغلى الأثمان. فيا أخي وصديقي المواطن العربي المسلم، إحمي منتجك وامتنع عن التعاطي مع المنتج الصهيوني.