الوقت- خلال حرب الاثني عشر يومًا المفروضة بين إيران والكيان الصهيوني، والتي بدأت في الـ 15 من يونيو/حزيران 2025، شنت إيران هجمات صاروخية واسعة النطاق على مواقع الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، بدأت هذه الحرب، التي تُعتبر أشد مواجهة مباشرة بين إيران والكيان الصهيوني، وأصعب معركة خاضها هذا الكيان في تاريخه الممتد لسبعة وسبعين عامًا، بهجمات إسرائيلية عدوانية على إيران.
بعد أن بدأ الكيان الإسرائيلي هجماته، ردّت إيران على عدوانه بإطلاق مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على أهداف في الأراضي المحتلة، بما في ذلك تل أبيب وحيفا، ومناطق استراتيجية مثل مرتفعات الجولان، وقواعد عسكرية وأمنية، ومراكز اقتصادية، ومراكز تكنولوجية، ورغم جهود أنظمة دفاع الكيان، مثل القبة الحديدية وبيكان، لاعتراض هذه الهجمات، إلا أن حجم ودقة الصواريخ الإيرانية أعاقا فعالية هذه الأنظمة، وخلال هذه الهجمات، لحقت أضرار جسيمة بمراكز استراتيجية، ما وجه ضربة قاضية للكيان، ودُمرت قواعد عسكرية رئيسية، بما في ذلك قاعدة نوفاتيم الجوية ومنشأة الرادار في جيلسوز، وأُضرمت النيران في البنية التحتية العلمية مثل معهد وايزمان ومراكز التكنولوجيا في رخفوت.
ولم تسلم مراكز القيادة في تل أبيب من الهجمات، حيث تكبد الكيان خسائر بشرية ومادية فادحة، وقدّرت مصادر مستقلة الخسائر الاقتصادية للكيان بعشرات المليارات من الدولارات، وكشفت عن ضعف دفاعاته في مواجهة القوة الصاروخية الإيرانية، هذا الاستعراض للقوة الإيرانية، الذي نُفذ بتنسيق وقيادة متقنة للقوات المسلحة، لم يُركع الكيان الصهيوني فحسب، بل حطم هيمنته العسكرية أمام العالم، انتهت الحرب في الـ 2 من يوليو 1404 بوقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة، لكن عواقب هذه الهزيمة على الكيان والتفوق الاستراتيجي لإيران لا تزال تتردد أصداؤها في المنطقة والعالم.
وقال جون ميرشايمر، الباحث البارز في العلاقات الدولية في العالم، ومنظر الواقعية العدوانية، والمحلل الأمريكي، ردًا على حرب الـ 12 يومًا بين إيران والكيان الصهيوني: "في حرب الـ 12 يومًا، أظهرت إيران نموذجًا للقوة الصلبة المحلية التي لم تكتفِ بسحق إسرائيل، بل أضعفت أيضًا الردع الأمريكي في المنطقة، كان تدمير البنية التحتية الاستراتيجية لإسرائيل، مثل معهد وايزمان ومصانع إنتل، ضربة غير مسبوقة لاقتصاد إسرائيل وسمعتها"، كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضًا عن الحرب الإيرانية الإسرائيلية: "تعرضت إسرائيل لضربة موجعة، وخاصةً في الأيام القليلة الماضية، تضررت بشدة، يا إلهي، دمرت تلك الصواريخ الباليستية الكثير من المباني".
في هذه السلسلة من التقارير، بُذل جهد لجمع الوثائق والتقارير المنشورة لعرض الأبعاد الكاملة للأهداف التي تضررت خلال هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية وأهميتها.
قاعدة جيلوت
تقع قاعدة جيلوت العسكرية في منطقة رامات شارون، بالقرب من مدينة هرتسليا، شمال شرق مفترق جيلوت، تقع القاعدة على بُعد حوالي 1.5 كيلومتر من تل أبيب، عاصمة "إسرائيل"، وحوالي 110 كيلومترات من الحدود بين "إسرائيل" ولبنان، تُقدَّر إحداثياتها الجغرافية بحوالي ٣٢٫١٤٥١ شمالًا و٣٤٫٨٢٠٤ شرقًا، وقد جعل هذا الموقع الاستراتيجي من جيلوت إحدى القواعد الرئيسية بالقرب من المركز السياسي والاقتصادي لـ"إسرائيل"، وتقع بالقرب منها مراكز مهمة مثل مقر الموساد (جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي)، وثكنة ديان (التي تضم كليتي القيادة والأركان المشتركة للجيش الإسرائيلي)، ومركز تراث الاستخبارات، ما يضاعف من أهمية المنطقة.
وقت الهجوم
خلال حرب الأيام الاثني عشر، استهدفت إيران قاعدة جيلوت في تل أبيب ردًا على هجمات إسرائيلية واسعة النطاق على إيران، وتشير التقارير إلى إطلاق مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة من مدن مثل طهران وكاشان وتبريز وخرم آباد وشيراز وكرمانشاه، وأفادت المصادر المذكورة أن وقت الهجوم الدقيق كان حوالي الساعة 3:10 صباحًا بالتوقيت المحلي (25 خرداد 1404 الموافق 15 يونيو 2024)، عندما أصابت الصواريخ مناطق في تل أبيب.
أهمية قاعدة جيلوت
تُعرف قاعدة جيلوت بأنها واحدة من أهم قواعد الاستخبارات الإسرائيلية، وهي مركز نشاط مديرية الاستخبارات العسكرية (أمان) التابعة للجيش الإسرائيلي، وتضم القاعدة وحدات استخباراتية رئيسية مثل:
الوحدة 8200: مسؤولة عن جمع إشارات الاستخبارات (SIGNIT) والعمليات السيبرانية، تلعب هذه الوحدة دورًا حيويًا في التنصت والتجسس الإلكتروني وتوفير الإنذارات المبكرة بالهجمات المحتملة، الوحدة 9900: مسؤولة عن تحليل الاستخبارات البصرية (VISINT)، مثل صور الأقمار الصناعية، وتحديد الأهداف الاستراتيجية، وتوفر هذه الوحدات معلومات استخباراتية للعمليات العسكرية الإسرائيلية والاغتيالات الموجهة، ونظرًا لتركيزها على أنشطة الاستخبارات والتجسس، تلعب جيلوت دورًا محوريًا في الأمن القومي الإسرائيلي، وبالتالي فهي هدف جذاب لأعداء "إسرائيل".
أسباب هجوم إيران على جيلوت
استهدفت إيران جيلوت كأحد أهدافها الصاروخية خلال النزاعات الأخيرة، وخاصةً خلال حرب الأيام الاثني عشر (يونيو/حزيران 2025)، قد تشمل أسباب هذا الاختيار ما يلي: الأهمية الاستخباراتية للقاعدة: بصفتها القلب الاستخباراتي للجيش الإسرائيلي، تلعب جيلوت دورًا رئيسيًا في تخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية ضد إيران وحلفائها (مثل حزب الله وحماس)، قد يؤدي استهداف هذه القاعدة إلى تعطيل قدرة "إسرائيل" على جمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ هجمات لاحقة.
الانتقام لهجمات الكيان الصهيوني: خلال حرب الـ 12 يومًا، نفذت إسرائيل هجمات واسعة النطاق على المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، بما في ذلك قواعد الصواريخ ومراكز القيادة، واغتالت العديد من كبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم حسين سلامي (القائد العام للحرس الثوري الإيراني)، ومحمد باقري (رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة)، وأمير علي حاجي زاده (قائد القوة الجوية الفضائية للحرس الثوري الإيراني)، من المرجح أن يكون الهجوم على جيلوت ردًا انتقاميًا على هذه الإجراءات، إذ تُعد القاعدة أحد المراكز الرئيسية للتخطيط لمثل هذه العمليات.
رمزية استراتيجية: مثّل استهداف جيليلوت، الواقعة في عمق الأراضي الإسرائيلية وبالقرب من تل أبيب، رسالة سياسية وعسكرية من إيران، تُظهر قدرة طهران على ضرب أهداف حساسة في قلب "إسرائيل"، كان من الممكن أن تُتخذ هذه الخطوة لرفع معنويات القوات الإيرانية وحلفائها الإقليميين، مثل حزب الله وحركة أنصار الله في اليمن.
تعطيل العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية: الوحدة 8200، المتمركزة في جيليلوت، مسؤولة عن جمع المعلومات الاستخباراتية لعمليات الاغتيال والهجمات الإلكترونية ضد إيران، ونظرًا لتاريخ إيران الطويل في اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين (مثل محسن فخري زاده عام 2020) والهجمات الإلكترونية مثل فيروس ستوكسنت، كان لدى إيران حافز قوي لاستهداف القاعدة لتقويض القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية، أكد مسؤول أمني: تعرّضت عدة مناطق عسكرية، بما في ذلك قاعدة جيلوت، لهجمات إيرانية.
تفاصيل هجمات إيران على قاعدة جيلوت
وفقًا للتقارير المنشورة، استهدفت إيران قاعدة جيلوت خلال هجماتها الصاروخية في خرداد 1404 (يونيو 2025)، وكانت هذه الهجمات جزءًا من عمليات إيران الانتقامية ردًا على الإرهاب والعدوان الوحشي للكيان الصهيوني.
الهجمات الصاروخية: استهدفت إيران قاعدة جيليلوت باستخدام صواريخ باليستية، بما في ذلك صاروخا فتح وخيبر شكان، أُطلقت الصواريخ من قواعد في ضواحي طهران، وكاشان، وتبريز، وخرم آباد، وشيراز، وكرمانشاه.
التأثيرات: على الرغم من ادعاء "إسرائيل" اعتراض معظم الصواريخ بواسطة أنظمة دفاع جوي، مثل القبة الحديدية، إلا أن تقارير أفادت بوقوع أضرار في البنية التحتية العسكرية في جيلوت، إلا أنه لم يتم تأكيد المعلومات الدقيقة حول حجم الأضرار.
تاريخ الهجوم على قاعدة جليوت
بالإضافة إلى إيران، استهدف حزب الله اللبناني قاعدة جليوت العام الماضي في إطار عملية يوم الأربعين ردًا على اغتيال فؤاد شاكر، أحد كبار قادته، ووفقًا لتقارير من مصادر موثوقة، قُتل عدد من الصهاينة في هجوم حزب الله على القاعدة، وهذا يدل على تنسيق بين إيران وحلفائها لاستهداف هذه القاعدة الاستراتيجية.
نظرة على الوحدة 8200 في الجيش الإسرائيلي
تُعد الوحدة 8200 في الجيش الإسرائيلي من أهم وحدات الاستخبارات وأكثرها سريةً في الكيان، وتعمل تحت إشراف مديرية الاستخبارات العسكرية (أمان). تأسست هذه الوحدة عام 1952، ومهمتها الرئيسية هي التنصت الإلكتروني، وفك التشفير، وجمع معلومات الإشارات (SIGINT)، والحرب السيبرانية، ومراقبة الاتصالات، باستخدام تقنيات متطورة وشباب سريعي التعلم تتراوح أعمارهم بين الـ 18 والـ 21 عامًا، تُعرف الوحدة 8200 بأنها الذراع الرئيسية للتجسس الإلكتروني للكيان الصهيوني، وقد لعبت دورًا رئيسيًا في عمليات سرية وتخريبية ضد دول في المنطقة، وخاصة إيران ولبنان.
وتتمتع الوحدة 8200 بحساسية عالية نظرًا لدورها المحوري في العمليات الاستخباراتية والسيبرانية للكيان الصهيوني، باستخدام معدات متطورة ومراكز تنصت، مثل قاعدة أفاريم في صحراء النقب، تجمع هذه الوحدة معلومات استراتيجية لعمليات عسكرية وتخريبية، ورغم السرية التامة، تمكنت إيران ومنظمات المقاومة الإقليمية، بما فيها حزب الله، من استهداف بعض مراكز هذه الوحدة بهجمات دقيقة، ما يُظهر ضعفها أمام قوى المقاومة، وتُعتبر أنشطة هذه الوحدة ليس فقط انتهاكًا لسيادة الدول، بل جرائم ضد الإنسانية أيضًا، نظرًا لاستهدافها المدنيين والبنى التحتية الحيوية.
فرض الجيش الإسرائيلي رقابة صارمة لمنع نشر صور وفيديوهات الهجوم على جيلوت
رغم إصابة الصاروخ لقاعدة جيلوت المهمة والاستراتيجية، لم ينشر الجيش الإسرائيلي حتى الآن أي صور أو فيديوهات للقاعدة أو للأضرار التي سببها الهجوم الصاروخي الإيراني، وفي هذا الصدد، نقل موقع معاريف عن الصحفي الإسرائيلي رافيو دراكر قوله: "خلال حرب الاثني عشر يومًا، نفدت في أحد الأيام المؤن الغذائية التي اشتريتها للحرب، فخرجت لشراء منزل، وفي طريق العودة، أغلقت الشرطة الجسر فوق طريق أيالون الذي يربط جيلوت بقواعدها، والسبب: أن قاعدة جيلوت كانت لا تزال مشتعلة بعد ساعات من الهجوم الإيراني الأخير، ورغم أنني كنت أؤدي واجباتي تجاه عائلتي، حاملاً صندوقًا مليئًا بالطعام والبقالة، إلا أنني كصحفي لم أستطع إلا التقاط صور لما رأيته، شيءٌ كان بإمكان أي مواطن ذهب لشراء البيض ذلك الصباح أن يراه"، في لحظة، هاجمني عدد من ضباط الشرطة الذين، لسببٍ مجهول، قرروا استخدام أسلوب الترهيب ضدي، أخرجتُ بطاقة الصحافة خاصتي، فخفضوا أصواتهم، لكنهم قالوا بصراحة: ممنوع عليك التقاط الصور، الرقابة لا توافق على ذلك، عندما سألتُ عن المدة التي تلقّى فيها ضباط الشرطة أوامر الرقابة، لم يعرفوا حقًا ماذا يقولون، وهذه المرة طلبوا مني بأدب الاستمرار في القيادة، ففعلتُ.
خلاصة الكلام
كانت جيلوت هدفًا استراتيجيًا لإيران نظرًا لقربها من تل أبيب، ودورها المحوري في العمليات الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية، ووجود وحدات رئيسية وحساسة مثل الوحدة 8200، نُفذ هجوم إيران على القاعدة ردًا على الهجمات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية، واغتيالات كبار المسؤولين، ومحاولة لتعطيل القدرات الاستخباراتية والعسكرية للكيان الإسرائيلي، كما مثّلت هذه الخطوة محاولة إيرانية لاستعراض قوتها العسكرية وإرسال رسالة إلى الكيان وحلفائه، ومع ذلك، فإن المعلومات الدقيقة حول نجاح هذه الهجمات ومدى الأضرار التي لحقت بجيلوت محدودة بسبب الرقابة الإعلامية الصهيونية واسعة النطاق على الأضرار التي لحقت بها، ونقص التقارير المستقلة من وسائل الإعلام الدولية.